الحركات الناقدة لأوروبا الموحدة.. ركوب موجة السخط واليأس
٣١ مايو ٢٠١٣"الخطة ب" في اليونان و"حزب استقلال المملكة المتحدة" في بريطانيا و"البديل من أجل ألمانيا" في ألمانيا – رغم تباين الخلفيات السياسية لتلك الأحزاب، إلا أنها تزيد من الصعوبات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي وتحدث تغيرات في المشهد السياسي الأوروبي. فهي إما تطالب بوقف التعامل باليورو أو تسعى لإخراج دولها من الاتحاد الأوروبي.
هذه الأحزاب حديثة الإنشاء ليست وحيدة، فهي جزء من حركة ناقدة للاتحاد الأوروبي تتعاظم يوماً بعد يوم، تغذيها تيارات مختلفة وينضم إليها أشخاص غاضبون ويائسون بفعل الأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف بالعديد من الدول الأعضاء في الاتحاد.
هذه النزعة المتشككة في الاتحاد الأوروبي، التي ظهرت جلية أثناء انتخابات البرلمان الأوروبي سنة 2009، زادتها الأزمة الاقتصادية الأوروبية قوة. وبحسب استطلاع للرأي نشره مؤخراً مركز "بيو" للدراسات في واشنطن، لا يحظى الاتحاد الأوروبي إلا بتأييد 45 في المائة من المستطلعة آراؤهم في سبع دول أوروبية. وكانت هذه النسبة تبلغ قبل ست سنوات 60 في المائة. وشمل عينة هذا الاستطلاع 7600 شخص في كل من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا وبولندا وجمهورية التشيك.
صعوبة تحقيق الوحدة السياسية
لقد أدت الأزمة المالية إلى تضعضع الثقة في الاتحاد الأوروبي، بحسب ما يخلص إليه مراقبون. أما الباحثون في مركز "بيو" للدراسات، فهم يزيدون على ذلك بأن الأمر لم يعد يتعلق بوقف التعامل باليورو، وإنما تعداه ليشمل ضعف الاندماج الأوروبي بشكل عام، وهذا يجعل من مسألة الوحدة السياسية أمراً يصعب تحقيقه.
ويكتب باحثو المركز الأمريكي: "إن المحاولة المستمرة منذ أكثر من خمسين عاماً لخلق أوروبا موحدة أصبحت أكبر ضحايا الأزمة المالية الأوروبية". من جانبه، يؤكد مدير مركز دراسات الاندماج الأوروبي في بون، البروفسور لودغر كونهاردت، أن هذا التطور في المزاج الأوروبي العام يؤرق مضجعه منذ عدة سنوات.
لكن كونهاردت يختلف، في حديث مع DW، مع رأي الباحثين في مركز "بيو" بواشنطن حول التهديد المحدق بالاندماج الأوروبي، مضيفاً أن "الأزمة المالية لا تشكل تهديداً وجودياً لعملية الاندماج". ويعتبر مدير مركز دراسات الاندماج الأوروبي الحركات المناهضة للاتحاد الأوروبي حالة تعبر عن "الأهمية التي تتمتع بها عملية الاندماج والجدية التي تصاحبها. وفي مقابل ذلك، كان هناك سخط كبير في السنوات الماضية لأسباب مختلفة". ولذلك يرى كونهاردت أن الاتحاد الأوروبي أصبح ضحية نجاحه في الاندماج.
كما يوضح رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الأوروبي، إلمار بروك، أن لازدياد نفوذ المشككين في أوروبا أسباباً أكثر عمقاً، إذ يقول: "هذا مرتبط بأن السياسة تعاني من مشكلة في المصداقية... إن السياسة الديمقراطية يجب أن تحظى من جديد بثقة الشعب".
نجاحات انتخابية للأحزاب الناقدة لأوروبا
وبالنظر إلى أحدث نتائج الانتخابات في أوروبا، سيكون من الصعب على مؤيدي الاتحاد الأوروبي كسب ود الجمهور أو وضع حد للنزعة المناهضة لأوروبا. ففي الانتخابات البرلمانية التي جرت في إيطاليا نهاية شهر فبراير/ شباط الماضي، نجحت حركة الاحتجاج الشعبوية "خمسة نجوم"، التي يتزعمها الكوميدي الإيطالي السابق بيبيه غريلو، في الحصول على العديد من أصوات الناخبين.
كما كبّد "حزب استقلال المملكة المتحدة" البريطاني اليميني والمعارض لأوروبا التحالف الحكومي بين الليبراليين والمحافظين خسارة كبيرة، خلال انتخابات المجالس المحلية التي أجريت في كل من إنجلترا وويلز مطلع الشهر الحالي، إذ تمكن هذا الحزب من تحقيق أفضل نتيجة لحزب رابع في بريطانيا منذ سنة 1945، بعد الأحزاب الثلاثة المهيمنة على الساحة السياسية هناك، ألا وهي حزب العمال والحزب المحافظ والحزب الليبرالي الديمقراطي.
وحتى في ألمانيا، وهي الدولة التي تكبدت أقل خسائر في الأزمة المالية، تزداد شعبية منتقدي الاتحاد الأوروبي. فقد ينجح حزب "البديل من أجل ألمانيا" في دخول البرلمان الألماني "البوندستاغ" خلال الانتخابات التي ستُجرى في سبتمبر/ أيلول المقبل. وبالرغم من أن أحدث استطلاعات الرأي تشير إلى حصوله على اثنين أو ثلاثة في المائة، إلا أن الساسة في الأحزاب الألمانية الكبيرة، الذين لم يأخذوا هذا الحزب على محمل الجد في بادئ الأمر، بدؤوا بإظهار علامات القلق تجاه هذا الخصم السياسي الجديد.
ويسعى حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي بشكل خاص إلى كبح جماح ذلك الحزب، ذلك أن نجاحه في الانتخابات البرلمانية المقبلة قد يصبح ممكناً بفضل ناخبي الاتحاد المسيحي الديمقراطي والاتحاد المسيحي الاشتراكي، مما يعني خسارتهما للانتخابات.
ويشدد حزب "البديل من أجل ألمانيا" على أن مؤسسيه أعضاء سابقون في الاتحاد المسيحي الديمقراطي، وهو أمر يفترض أن يدلّ على جدية هذا الحزب ويفرق بينه وبين حركات الاحتجاج الأخرى وينأى به عن اليمين المتطرف. وإلى جانب العدد الكبير من الأعضاء الجدد، قد يصب في مصلحة هذا الحزب الجديد قدرته على الإقناع في وجه الحركات الاحتجاجية الناقدة لأوروبا في ألمانيا، والتي تتبنى مطالب متطرفة كالخروج من منطقة اليورو. وبهذا يرصّ حزب "البديل من أجل ألمانيا" الصفوف مع "ثوار اليورو" في مختلف أنحاء القارة الأوروبية.
استغلال للنزعات الانفصالية الإقليمية
هذا ويحذر لودغر كونهاردت من رفض الدول لليورو، لأن الخروج من منطقة العملة الأوروبية الموحدة سيعني التخلي عن الهدف الأساسي، وهو تحقيق الوحدة السياسية في أوروبا. ويضيف كونهاردت: "لا يمكن التفكير بسوق أوروبية مشتركة دون عملة موحدة، ولا يمكن التفكير بعملة أوروبية موحدة دون اتحاد سياسي، بمعنى وجود حكومة أوروبية موحدة". ويصف الباحث في شؤون الاندماج الأوروبي اليورو بـ"القالب الذي يسند السوق الأوروبية المشتركة".
لكن الأمر لا يتعلق باليورو وحده، فالأزمة المالية زادت من الضغط الشعبي لاستقلال بعض المناطق في أوروبا، مثل كاتالونيا واسكتلندا وفلاندر. ويتفهم السياسي الألماني إلمار بروك الحاجة لهوية إقليمية، طالما لم تتعارض هذه الحاجة مع بروكسل ولم تتطور إلى حد إنشاء دويلات صغيرة. ويتابع البرلماني الأوروبي بالقول: "من الخطأ أن ننقسم إلى أجزاء صغيرة تعيش بمفردها. إن الاتحاد الأوروبي، الذي سيبلغ عدد أعضائه 40 أو أكثر في مثل تلك الظروف، لن يكون قادراً على اتخاذ أي قرارات سياسية".
وبالإضافة إلى ذلك، هناك خطر انتفاع الحركات المعادية للأجانب من هذه النزعات الإقليمية أو الأحزاب الناقدة للاتحاد الأوروبي. ولهذا يعبر بروك عن قلقه من انتفاع الحركات الشعبوية عن طريق الشعارات المعادية للأجانب، مضيفاً أن "حزب استقلال المملكة المتحدة الناقد لأوروبا، والذي يسعى لإخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يركز الآن على قضايا الهجرة ومعاداة الأجانب. هؤلاء الشعبويون يسلطون على تلك المواضيع دائماً عندما يكون ذلك مناسباً لهم، وذلك لنشر الخوف بين المواطنين وبث الكراهية بينهم".
مبادرات رمزية
ويطالب إلمار بروك أن يتعاون الاتحاد الأوروبي مع حكومات الدول الأعضاء لإبراز منافع أوروبا المتحدة، إذ يقول: "يمكن على سبيل المثال إدخال نقاش سنوي حول ميزان المكاسب والخسائر لعضوية الاتحاد الأوروبي في البرلمانات، وذلك لتوضيح الحقيقة"، وللحد من تأثير الحركات المنتفعة من موجة السخط ضد الاتحاد الأوروبي. ويضيف بروك: "لا يمكن كسب ثقة المواطنين عندما نقول إن برلين أو باريس مسؤولة عن المكاسب، لكن بروكسل تتحمل الخسائر".
أما مدير مركز دراسات الاندماج الأوروبي في بون، لودغر كونهاردت، فيدعو لتوضيح العلاقات المعقدة بين الحكم والتنظيم في أوروبا بشكل يسهل على المواطن العادي فهمه، معتبراً أنه "في أعقاب الأزمة المالية، اضطررنا لسماع الكثير من المصطلحات المعقدة التي لا يمكن لغير الخبراء الاقتصاديين فهمها".
ويقترح كونهاردت القيام ببعض المبادرات الرمزية لبث الروح في مفهوم الوحدة الأوروبية ولقطع الطريق أمام الحركات الناقدة للاتحاد الأوروبي، مثل دخول الفرق الرياضية الوطنية لدول الاتحاد الأوروبي تحت علم موحد في أولمبياد سنة 2016، التي ستُقام في ريو دي جانيرو بالبرازيل.
ويتابع كونهاردت بالقول: "مثل هذه اللفتة ستشكل حافزاً عاطفياً كبيراً وستلهم جيلاً بأكمله من الشباب الأوروبي الذي يعتقد بأنه إيطالي وأوروبي أو سويدي وأوروبي أو إستوني وأوروبي أو برتغالي وأوروبي". وعلى الأقل، ستحتل أوروبا الموحدة الصدارة في عدد الميداليات التي حصلت عليها خلال الألعاب الأولمبية.