الجزائر: لماذا يرفض الحراك الشعبي مشاركة نساء "الفيمينيست"؟
١٠ مايو ٢٠١٩.."أنا مناضلة نسوية ولن أتراجع عن حقوقي"، "حرية المرأة ونضالها لا يوقفه مندسون في الحراك الشعبي"، بعبارات واثقة، استهلت الناشطة النسائية آمال حجاج، حديثها لــDW عربية، عن حادثة تعنيف نساء ناشطات في حركة "الفيمينيست"، وهي حركة عالمية معنية بمطالب أنثوية عامة في إطار الحركة النسائية العالمية، في الجمعة السادسة من مسيرات الجزائر.
توضح حجاج أنها تعرضت لاعتداء مع رفيقاتها في الحركة النسائية، في جمعة 29 مارس/آذار الماضي والتي شهدت حضورا نسائيا كبيرا في مربع الحراك الشعبي المناهض لاستمرار نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. تعود "آمال" إلى وقائع الجمعة "السوداء" وفق تعبيرها: "نظمنا أنفسنا قبل هذا الموعد واتفقنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، على هيكلة حركتنا النسائية الناشطة منذ سنوات، وجرى التفاهم على التجمع أمام بوابة الجامعة المركزية وسط العاصمة الجزائر".
تضيف "أمال": "ما أن بدأنا في التجمع بالشارع العام، حتى زحف علينا متظاهرون وسحبوا منا يافطاتنا التي حملت شعارات الحركة النسائية التي تنادي بتحرر المرأة والمساواة، ونفذوا ضدنا اعتداءات جبانة". تنتهي محدثتنا عند تأكيدها على وجود تضامن مع "الفيمينيست"، وذلك ما لمسنّه من خلال مساعدة عدد من شباب الحراك على فك الحصار على النشطات، وتحريرهن من قبضة الرافضين لحراكهن.
في سياق متصل، تندد، صونية لوزي، وهي طالبة جامعية بكلية اللغات في محافظة البويرة (105 كم شرقي الجزائر)، بحادثة الاعتداء على نساءٍ "الفيمينيست" في الجمعة السادسة من الحراك وتحذر من مغبة أن يكون لذلك تداعيات على يومياتهن ونضالهن. وفي حديثها لـ DW عربية، تستذكر "صونية" مشاهد لصور ومنشورات وفيديوهات اكتظت بها مواقع التواصل الاجتماعي: "كنت وقتها في مسيرة حاشدة بمحافظة البويرة كان الخبر صادما..". وتتساءل محدثتنا بحرقة شديدة: "كيف لمتظاهرين أن يعتدوا على نساءٍ همهم الوحيد الدفاع عن حقوقهن المشروعة؟".
ودافعت طالبة اللغة الفرنسية عن الشعارات التي رفعتها حركة الناشطات "النسويات" في المسيرات، مشيرة إلى أن "المرأة اكتسبت وعيًا سياسيًا واجتماعيًا راقيًا من الحراك الشعبي، كما أن المسيرات حررت النسوة من قيود ظلت مفروضة عليهن..".
تؤكد الجامعية صونية أن الحراك الشعبي المستمر منذ 22 فبراير/شباط الماضي، منح الفرصة للمرأة التي أصبحت، وفق قولها، تحتل أماكن كانت حكرا على الرجل وبدأت تتخلص من قيود الخطاب الذكوري. وتوضح صونية أن "مطالب النساء "الفيمينيست" ليست وليدة الحَراك فمطالبنا قديمة رفعتها نسوة منذ الاستقلال الوطني عن الاستعمار الفرنسي عام 1962، ولكن المرأة الجزائرية اليوم تحس بتهميش وإقصاء، لذلك لا بد من إسقاط قانون الأسرة المهين للمرأة، ونحن حريصات على تفعيل مطلب المساواة والتحرر..".
وتختم: "ببعض المحافظات ما يزال خروج المرأة إلى الشارع أو دخولها المقهى، ضربًا من الخيال، وإن حدث ذلك تتعرض المرأة إلى حملة تشويه تعتبرها مسترجلة وبالتالي خارجة عن ملة قومها وتقاليدهم".
"شيطنة" وتهديدات
تقول آسيا (اسم مستعار)، 32 سنة، في حديث لــ DW عربية: "أصبحت أشارك في مسيرات الجزائر ضد النظام بخوفٍ شديد بعد حادثة الاعتداء على النساء "الأنثويات" وتهديدهن بالضرب في حال خرجن إلى الشارع بشعارات تنادي بحقوق المرأة وتشوش على مطالب حراك 22 شباط/فبراير". وتتابع: "خوفي زاد بعد تهديدات بالتصفية والقتل في تعليقات على صفحة الفيسبوك للنساء الناشطات، اللواتي نشرن فيديو يشرحن فيه حيثيات الاعتداء عليهن في سادس جمعة من المسيرات". وتضيف: "انحراف وصعود منحى التهديدات ضد "الفيمينيست" وصل إلى تداول فيديو شاب جزائري مقيم بإنجلترا يتوعد فيه ويحرض على رشنا بسائل الأسيد في حال شاركنا في المسيرات".
محاولة للدِفاع
تستنكر عضو بشبكة وسيلة النسائية، فائقة مجاهد، استمرار الإمعان في إذلال المرأة الجزائرية، وفق تعبيرها وتحذر من مغبة تكريس مشاعر العداء والكراهية ضد النساء خصوصًا مع تنامي حالات الاعتداء والضرب ضد ناشطات "الفيمينيست". وتوضح في لقاء معDW عربية أن عدد النساء اللائي يقصدن مركزها يتزايد بشكل يومي، وهذا يجعلنا ندق ناقوس الخطر، مع توفيرنا لهن دعما طبيا ونفسيا وماديا في بعض الأحيان.
تؤكد السيدة فائقة مجاهد أن مركزهن "استغل فرصة الحراك الشعبي لرفع مطالب قديمة متجددة، تخص المساواة والحرية للمرأة وإسقاط قانون الأسرة الذي نعتبره عقوبة وضعية مسلطة بوحشية على النساء". وتابعت المتحدثة: "قررنا أن نلتقي في مربع نسوي نتجمع فيه كل جمعة، نتناقش في الفضاء العام ونهتف بشعارات داعمة للمرأة والمساواة مع الرجل ومنددة بقيود المجتمع وتقاليده الرثة، ونحن نعتقد أننا نجحنا في رفع الأصوات المتحررة عاليًا رغم حملة التحريض ضدنا من أطراف متطرفة".
صوت المرأة..
في العام 2013 رأت إذاعة صوت المرأة الإلكترونية النور بعد كفاح طويل لتكون ناطقا باسم المرأة في الجزائر، وتعد الاذاعة الجمعوية الوحيدة التي تُعنى بقضايا وشؤون حواء. وتقول نجوى راحم، صحافية ومقدمة برامج بإذاعة "صوت المرأة" في لقاء مع DW عربية: "إذاعة صوت المرأة تغطي وتتابع كل ما يخص المرأة في الجزائر وفي شتى المجالات". و تقول نجوى عن حادثة تعنيف نساء ناشطات في الحراك ".. طبعا الإذاعة واكبت الحادثة باستضافة نساء تعرضن للتعنيف في الحراك وتم استضافة صونية قاسمي وهي ناشطة نسوية وعضو منظمة "العفو" وتطرقنا للاعتداء على ناشطات من قبل مصالح أمن براقي (بلدية جنوبي العاصمة) وتعرية بعضٍ منهن.."
وتابعت: "الإذاعة أيضا خصصت برامجا للمرأة الريفية المشاركة في الحراك وهذا كونها خزانا لمسيرات التغيير التي تعرفها الجزائر". وتضيف: الشبكة الإذاعية التي تم تخصيصها تماشيا مع مسيرات الجزائر ضمت ثلاث برامج: كـ "مقهى النساء" وهو برنامج تكويني وتأهيلي للصحفيات والصحفيين لتغيير صورة المرأة النمطية التي يروج لها الإعلام المحلي، خاصة وأن المرأة تخطت هذه الحواجز ودخلت كل المجالات.
اتهامات بالتشويش على الحراك
بروز "النسوية الجزائرية" أثار حفيظة دوائر محافظة، التي تنظر بعين من الريبة إلى تنظيمات تدافع عن "حرية المرأة". في هذا السياق تهاجم النائبة عن الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء، سميرة خمري، أعضاء "الحركة النسوية" و تعتبرهن نتاج "فشل في أداء دور ايجابي في المجتمع وبناء أسرة ناجحة، حالاتها غالبا اجتماعية أو مرضية تحتاج إلى علاج مجتمعي ونفساني أكثر منه تنظيمي أو حقوقي"، حسب تعبيرها.
وأبرزت النائبة عن التيار الإسلامي في حديث مع DW عربية "اغتنمت هذه المجموعة فرصة الحراك، وبإيعاز لتبرز إلى الوجود، لكن موقف الشعب كان واضحا جليا بنبذها، فكان ذلك بمثابة فقاعة هواء لم تلبث أن اختفت لحظة بروزها، والحراك المبارك واضح في شعاراته وأهدافه وطرق تعبيره عليها". وتابعت النائبة ذاتها أن "المرأة الجزائرية الأصيلة المتواجدة في الحراك منذ بدأ تعرف دورها جيدا وتجيد أداءه. ونحن نعتقد أن هناك جهات هدفها واضح وهو إرباك الحراك الشعبي وتشتيته بكل السبل لاستمرار النظام".
من جهتها، ترى مديرة جريدة "الفجر" الجزائرية، حدة حزام، أن خروج "الفيمينيست" للمطالبة بحقوقهم النسوية تزامنا مع الحراك الشعبي "ركوب وقفز على مطالبه المشروعة"، معتبرة أن الاحتجاجات الفئوية من شأنها أن تقلل من حجم الحَراك وتجهضه، حسب تعبيرها.
وذهبت حزام في حديثها مع DW عربية إلى أن "المطالب النسوية للنساء مشروعة غير أنها لا تتلائم مع الوقت الراهن كون المطلب الرئيسي تغيير أوجه النظام والعصابة"، حسب رأيها. وفي الوقت ذاته، استهجنت "حزام" التي كثيرا ما جمعتها سجالات بإسلاميين نتاج أفكار تؤمن بها، ضرب وتعنيف النساء في مسيرات الحراك. وأضافت: "أنا ضد تخوين النساء المطالبات بحقوقهن والاعتداء عليهن، لأن الحراك في حد ذاته ينبذ العنف ويدعو إلى السلمية."
سمير بوترعة ـ الجزائر