الجزائر - شريك مستقر بمستقبل مجهول
١٩ سبتمبر ٢٠١٨من الأفضل أن لا يتولى الرئيس بوتفليقة فترة حكم خامسة، فعمره يناهز 81 عاما، ويبدو أن 20 عاما من الحكم في الجزائر نالت من جلده، فمنذ إصابته بجلطة دماغية في عام 2013 يجلس بوتفليقة على كرسي متحرك، وقلما يظهر في العلن. وفي أبريل/نيسان 2016 نشر رئيس الوزراء الفرنسي السابق مانويل فالس صورة مع الرئيس الجزائري أثارت جدلا حول إظهار الرئيس في هذه الحالة الصحية أمام الرأي العام. وهذه التساؤلات المرتبطة بأمل تحقيق التجديد السياسي هي التي تشحن حركة "المواطنة" التي تعارض تولي بوتفليقة ولاية حكم خامسة. ومن أجل ذلك يخرج أنصارها إلى الشارع في تعارض مع النخبة السياسية التي تتمسك ببوتفليقة في سدة الحكم.
هلع الحكومة
قبل أسبوعين، احتج نشطاء "المواطنة" في القسطنطينة، غربي البلاد حيث تعرضوا بقوة لمضايقة سلطات الأمن التي لجأت إلى اعتقال بعض المسؤولين في الحركة. "هذا مؤشر واضح على أن الحكومة ينتابها خوف كبير من رؤية ديمقراطيين يخرجون إلى الشوارع"، يقول علي بنواري، وزير سابق في البلاد وأحد وجوه حركة "المواطنة" حاليا.
نعم النظام الجزائري قلق، بحسب رأي خبير العلوم السياسية بجامعة ماغدبورغ رشيد أوعيسى الذي يؤكد أن الحريات السياسية في البلاد مرضية نسبيا. "نحن لا نواجه ديكتاتوريات كما هو الحال في تونس قبل الربيع العربي أو في مصر الحالية. وأوضح أوعيسة أن الحكومة الجزائرية تختلف عن الحكومات من هذا الصنف، وهي تسمح بحريات سياسية فردية إلى حد معين.
لكن حكومة بوتفليقة سلبت الناس التزامهم السياسي، إذ تخلى الكثيرون منهم عن الالتزام من أجل تصوراتهم السياسية. "الطاقم السياسي فقد مصداقيته. وهذا ينطبق على الأحزاب السياسية ـ التي فقدت السلطة خلال سيطرة بوتفليقة في السنوات الـ 15 الأخيرة".
العودة إلى الدين
تمضي حاليا في الجزائر الاستعدادات لحدث دولي يتمثل في تطويب 19 من أعضاء الكنيسة الكاثوليكية في ديسمبر/كانون الأول قُتلوا خلال الحرب بين الحكومة الجزائرية والمجموعات الإسلامية المختلفة في مقدمتها جبهة الإنقاذ الإسلامية في التسعينات. ولن يحضر البابا مراسم الحفل، بل سيبعث بممثل سامي.
هذا الحدث يعبر عن الانفراج الإيديولوجي النسبي في البلاد. ويقول رشيد أوعيسى بأن خيبة الأمل السياسي دفعت بعدد كبير من الناس إلى التوجه للدين، وهذه ظاهرة فتية في الجزائر التي طبعها النهج الاشتراكي. والإسلام السائد في البلاد بعيد على ما يبدو عن السياسة، لاسيما وأن الأحزاب الإسلامية لم تتمكن من تقديم بدائل سياسية للجمهور.
الجزائر ـ بلاد آمنة؟
جاءت زيارة المستشارة الألمانية ميركل إلى الجزائر في وقت يحتل فيه الجدل حول قضية اللجوء إلى ألمانيا وأوروبا مكانة محورية. وفي السنوات الماضية قامت ألمانيا بترحيل جزائريين إلى بلدهم، ووصل عددهم في 2015 إلى 57 شخصا ليرتفع في 2017 إلى 504. وتفيد تقارير إعلامية أن عدد المبعدين هذه السنة إلى الجزائر وصل إلى نحو 350 شخصا، وتعتزم الجزائر استقبال المزيد، حيث أكد رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحي الاثنين أن بلاده ستعيد رعايها المتواجدين في ألمانيا بصورة فير شرعية، مهما بلغ عددهم.
لكن الجزائر لا تُعتبر في ألمانيا بلدا آمنا. وهل وجب تصنيفها كذلك؟ رشيد أوعيسى يؤكد بأن النقاش حول هذا الأمر ليس في محله. ففي الأسبوع الماضي تم اعتقال نشطاء إنترنيت. "كما أن العدالة تعمل جزئيا بعشوائية. والشرطة اعترفت في الأسبوع الماضي بأن الناس يتعرضون للتعذيب. وفي حال تعبير الناس عن رأيهم السياسي، فإنهم يخاطرون بأنفسهم".
البحر المتوسط ـ محاط بنزاعات
في مطلع سبتمبر/أيلول قامت البحرية الروسية بمناورة كبيرة في شرق البحر المتوسط. 25 سفينة و 34 طائرة شاركت، حسب صحيفة "لوموند" الفرنسية، في المناورة التي تهدف إلى الإعداد لهجوم على مدينة إدلب. وتتطور منطقة البحر المتوسط بصفة عامة إلى مغناطيس حشود عسكرية دولية ـ إذ أن المنطقة تحولت إلى بؤرة أزمة. فالحرب في سوريا لها تأثيراتها على بلدان البحر المتوسط مثل إسرائيل التي تشعر بالتهديد من طرف تمركز وحدات إيرانية وحزب الله اللبناني في سوريا. وتركيا من جانبها تحاول التصدي للمخاطر الأمنية على حدودها مع سوريا ومنع اللاجئين من دخول أراضيها. وفي الجنوب في سيناء تواجه سلطات الأمن المصرية مقاتلين، وليبيا تهدد بالفشل كدولة. وفي الشطر الشمالي من البحر المتوسط يتم النقاش حاليا حول توطيد شرطة حماية الحدود الأوروبية فرونتيكس التي من شأنها منع اللاجئين من الانتقال إلى أوروبا، إضافة إلى ذلك هناك مشكل الصحراء الغربية الذي يكتسي أهمية سياسية بالنسبة إلى الجانب الجزائري.
أزمات وأسلحة
إنها سلسلة من الأزمات المرتبطة فيما بينها جزئيا دفعت الأمريكيين إلى الرفع من قوة وجودهم في البحر المتوسط بالأساس في اسبانيا. وتبقى الجزائر في هذا الوضع العام من منظور غربي بؤرة استقرار نسبي، ولذلك تصدر ألمانيا أسلحة بحجم كبير إلى الجزائر التي صرفت في 2017 مبلغ 900 مليون يورو، لتكون الجزائر أهم زبون لشركات السلاح الألمانية تليها مصر بنحو 450 مليون يورو.
ويقول رشيد أوعيسى بأن هذه الصادرات من الأسلحة غير مسؤولة. "نحن لا نعرف من سيتولى زمام الحكم وهل بوتفليقة سيموت وهل ستنشب نزاعات بين الفصائل المختلفة. وقد يؤدي ذلك إلى سيناريوهات مختلفة".
كرستين كنيب/ م.أ.م