الجزائر.. الأوضاع في تسارع وقطاع الطاقة يدخل على الخط
٢٦ مارس ٢٠١٩توسعت الاحتجاجات في الجزائر لتطال القطاع الصناعي في البلاد، في تطور قد يؤثر على صناعة الطاقة التي تعد شريان الحياة لاقتصاد الجزائر، المصنفة سادس أكبر مصدٌر للغاز الطبيعي في العالم والثالث إلى أوروبا عام 2018، خاصة لإسبانيا والبرتغال وفرنسا وإيطاليا.
ويبلغ إنتاج الجزائر، العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، من النفط نحو 1.2 مليون برميل يوميا، بعد تخفيض جزء من الإنتاج وفقا لقرارات المنظمة، بينما يبلغ إنتاجها من الغاز نحو 135 مليار متر مكعب، وهذا يعني أن لديها إمكانية كبيرة للتطوير والتقدم أكثر، لكن ليس على المدى القريب نظرا للوضع الذي تعيشه البلاد.
فقد تتالت الدعوات مؤخرا لتنفيذ إضراب عام في قطاعات الطاقة، بما في ذلك النفط والغاز وذلك في خطوة تصعيدية جديدة لإجبار السلطات على تحقيق مطالب الحراك الشعبي. ويعد الإضراب العام في مجالي النفط والغاز تصعيدا مقلقا في الجزائر، حيث تعتمد ميزانية الدولة عليهما، بينما يتوجب عليها الوفاء بالالتزامات الموقعة في عقود التصدير.
وبينما نفت "سوناطراك"، وهي شركة حكومية أنشئت لنقل وتسويق المحروقات، وتحولت لاحقا إلى مجموعة بترولية وغازية ضخمة تُوفر الجزء الأهم من عائدات البلاد من العملة الصعبة، حدوث أي إضراب، نشر عمال الشركة بعض الصور ومقاطع الفيديو للاحتجاجات، التي رفعت بها لافتات ترفض بقاء بوتفليقة في السلطة. كما اعترف منير صخري مدير إدارة الاتصالات بالشركة بوقوع احتجاجات في حقل حاسي الرمل، أكبر حقول الغاز في البلاد، لكن "الإنتاج لم يتأثر" على حد قوله.
ويتوقع خبراء أن تكون لهذه الإضرابات تأثيرات قوية على انسياب النفط والغاز الطبيعي خاصة أنها قد تؤدي لتوقف الإنتاج إذا استمرت، ولعل تعليق المحادثات بين شركة "إكسون موبيل" الأمريكية وشركة النفط الوطنية الجزائرية "سوناطراك" لتطوير الغاز الصخري في حوض أحنت بجنوب غرب البلاد هو أول نتائج تدهور الأوضاع السياسية في البلاد.
وذكرت مصادر أن مسؤولين من الجانبين أجروا محادثات في هيوستون بولاية تكساس لبلورة التفاصيل، لكن "إكسون" آثرت تعليق المناقشات بشكل مؤقت على الأقل. ويعتبر شراء المصفاة وتعزيز التعاون بين الشركتين عنصرين مهمين في مساعي "سوناطراك" لتحديث أنشطتها وتقليص الاعتماد على واردات الوقود تحت قيادة رئيسها التنفيذي ولد قدور. ويأتي انهيار المحادثات بعد محاولات "سوناطراك" على مدار أعوام لجذب شركات أجنبية لتطوير موارد النفط والغاز الضخمة لديها.
وتأمل الشركة الحكومية أن تستفيد من الخبرة الأجنبية في التكسير الهيدروليكي، وهي تقنية حفر أدت إلى النمو السريع لإنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة، لتطوير احتياطاتها الصخرية التي تقدر بنحو 22 تريليون متر مكعب وهو ثالث أكبر احتياطي من نوعه في العالم.
والجزائر من كبار موردي الغاز إلى أوروبا، لكن الصادرات تضررت من تأخر عدة مشروعات والزيادة الكبيرة في استهلاك الغاز المدعوم محليا مع نمو عدد السكان. ومن شأن توقف أنشطة "سونطراك" أن يفاقم الأزمة المالية في الجزائر التي تعتمد بشكل مفرط على إيرادات الطاقة.
مدى تأثر قطاع الطاقة بالاحتجاجات
في حديث لـDW عربية استبعد الصحفي الإعلامي فيصل مطاوي من الجزائر، أي ضرر على العقود الحالية المبرمة مع البلدان الأوروبية ويرى أن الغاز الجزائري سيستمر في التدفق إلى الاتحاد الأوروبي: "ليس من مصلحة أوروبا وقف التعامل مع الغاز الجزائري، وذلك كون عقود الطاقة المبرمة بين البلدان طويلة المدى. ولكن العقود والصفقات المستقبلية قد تتضرر".
بحسب وكالة بلومبيرغ الأمريكية، فإن تأثر صادرات النفط والغاز بالاحتجاجات أمر غير محتمل، حيث يقول ريكاردو فابياني، المحلل لدى شركة "إنيرغي أسبيكتس" للاستشارات البحثية إنه: "بسبب وجود الأغلبية العظمى من منشآت النفط والغاز في المناطق النائية، البعيدة عن المراكز العمرانية، والخالية تقريبا من السكان، فإن احتمال وجود خطر لتعطل الصادرات يبدو ضعيفا".
لكن، تزايد نسق الاحتجاجات الحالية يزيد من خطر حدوث "شلل في قطاع النفط والغاز وسلسلة من التغييرات بهدف إرضاء المتظاهرين.. ويمكن لأمر كهذا أن يقوض جهود المسؤولين الذين يحاولون منذ مدة إعادة هيكلة قطاع الطاقة"، بحسب فابياني.
وقالت الحكومة مؤخرا إن إيرادات البلاد من قطاع الطاقة ارتفعت إلى 15.27 في المائة في 2018 مقارنة مع العام السابق بفضل ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية. ووفقا لبيانات الجمارك فإن زيادة الإيرادات أسهمت في تقليص العجز التجاري في هذا البلد بنسبة 53.73 في المائة إلى 5.03 مليار دولار في العام 2018.
وأظهرت البيانات أن صادرات الجزائر من النفط والغاز، التي تشكل 93.13 في المائة من إجمالي المبيعات في الخارج، بلغت 38.34 مليار دولار، ارتفاعا من 33.26 مليار في 2017.
وأشارت بيانات الجمارك إلى أن إجمالي قيمة الصادرات بلغ 41.17 مليار دولار، مقارنة مع 35.19 مليار في 2017، وارتفعت الواردات 0.3 في المائة إلى 46.20 مليار دولار في 2018. وفشلت الجزائر في خفض الإنفاق على الواردات على الرغم من القيود المفروضة على استيراد بعض السلع، بما في ذلك السلع الغذائية.
وتزايدت الضغوط المالية على الجزائر خلال السنوات الأخيرة مع انخفاض أسعار النفط العالمية منذ النصف الثاني من عام 2014، في ظل اعتماد اقتصاد البلاد بقوة على العائدات النفطية. وأي خلل أو تأخر في الأنشطة البترولية بفعل الاحتجاجات الجارية في الجزائر من شأنها أن تفاقم أزمة النظام الذي يقاوم منذ نحو الشهر لتفادي السقوط تحت ضغط شعبي لا يهدأ.
سامي آغاء