التهاب الكبد الفيروسي ج: مرض خفي يكتشفه المرضى بالصدفة
٨ أغسطس ٢٠١٣تفضل ماريا، المصابة بمرض التهاب الكبد الفيروسي ج، عدم الكشف عن اسمها العائلي لأنه سبق لها أن عاشت تجارب سيئة بسبب ردود فعل الناس تجاه مرضها. تقول ماريا: "الناس يتفادون الاقتراب مني لأنهم يعتقدون بأنني سأعديهم عندما يصافحونني". وبدوره يؤكد هاينريش ما قالته ماريا ويتحدث عن التصورات الخاطئة عند الناس لمرض التهاب الكبد الفيروسي فئة ج.
يعطي هاينريش، البالغ 52 عاما من العمر، مثالاً حول ردود فعل البعض الذين يقولون: "لن أرافقه لتناول وجبة الغذاء، إذ يمكن أن يصل سعاله إلى طبق طعامي وسينتقل المرض إلي". لكن انتقال عدوى التهاب الكبد الفيروسي ج لا تتم بتلك السهولة. ولم يتوصل الأطباء بعد إلى لقاح مضاد لهذا المرض كما هو حال التهاب الكبد الفيروسي أو التهاب الكبد الفيروسي فئة ب.
الفيروس ينتقل عبر الدم
للكبد قدرة كبيرة على التعافي من الإصابات التي تلحق به خلافاً لأعضاء الجسم الأخرى. لكن الالتهابات المزمنة تترك أثراً لها عندما تُصيب الكبد. ويمكن أن يتطور الالتهاب في أسوء الأحوال إلى تشمع خلايا الكبد Cirrhosis، إذ تتعرض خلايا الكبد للتلف ويتوقف عن أداء وظائفه الأساسية كالتخلص من السموم في الجسم.
وعندما يصل الكبد إلى هذه الحالة تنتقل السموم إلى عموم الجسم عبر الدم. وحتى المواد الغذائية التي يتناولها المرء لا ينتفع منها الجسم بشكل صحيح. وفي الأخير يتوقف الكبد كلية عن العمل ليضطر المصاب إلى اللجوء إلى عملية زرع الكبد.
ينتقل هذا المرض الخطير من الشخص المصاب إلى السليم بشكل مباشر عن طريق الجروح أو عن طريق نقل الدم. وقبل عام 1988 لم يكن مرض فيروس الكبد فئة ج معروفاً. يقول يان لايدل، مدير اللجنة الألمانية الدائمة للتلقيح في برلين: "في السابق كانت عمليات نقل الدم من شخص لآخر السببَ الرئيس في نقل العدوى، لأن الأطباء حينها لم تكن لديهم إمكانية لفحص الدم عند الأشخاص مباشرة أو الدم المُتَبرَع به".
يلزم القانون في ألمانيا المصابين بمرض فيروس الكبد فئة ج الإبلاغ عن مرضهم، كما يجب على الطبيب المشرف على علاج المريض الإبلاغ عن حالة المريض وحالات الوفاة بسبب ذلك المرض لدى المصالح الصحية المختصة. كما أن "المختبرات التي تجري التحاليل على الدم يلزمها إبلاغ الجهات المعنية في حال اكتشافها لفيروس الكبد فئة ج إذا لم يكن الشخص المعني مسجلاً من قبل كحامل للفيروس" على حد قول يان لايدل.
غياب أعراض واضحة للمرض
صنفت المنظمة العالمية للصحة عام 2010 مرض فيروس الكبد فئة ج على أنه "مشكلة صحية كبيرة في العالم" وصنفته في نفس درجة أمراض الإيدز والسل والملاريا. وحسب تقديرات المنظمة يقدر عدد المصابين في العالم بفيروس الكبد فئة ج بـ 150 مليون شخص، وفي ألمانيا يتراوح عدد المصابين بين 400 ألف و500 ألف مريض.
وفي الغالب يعاني المصابون من الإرهاق الحاد وفي بعض الأحيان يشعر المرء بآلام في المفاصل أو بضعف مردوديته. لكن هذه الأعراض لا تقتصر على مرض فيروس الكبد فئة ج بل تشمل أمراضاً أخرى. إذ لا توجد مؤشرات مبكرة للمرض وعدد قليل فقط من المرضى يشعر بآلام حادة، لأن الكبد لا يؤذي.
ولهذا فالعديد من المصابين يفاجئون عندما يتم إخبارهم بأنهم مصابون بالمرض، لأن اكتشاف مرض فيروس الكبد فئة ج يتم في الغالب بمحض الصدفة كما كان الحال عند ماريا التي تقول: "عندما كنت في رحلة أُصيبت معدتي والإثنا عشر بطفيليات، وخلال الفحوصات التي أُجريَتْ لي تم تشخيص مرض فيروس الكبد فئة ج". فماريا واثقة من أنها أُصيبت بالفيروس خلال إحدى العمليات الجراحية التي خضعت لها.
طرق العدوى متعددة
إلى جانب نقل الدم من شخص لآخر، فإن استعمال الآلات الجراحية غير المعقمة بشكل جيد كانت أبرز أسباب الإصابة بالمرض في السابق. وفي الوقت الراهن تغير الوضع مقارنة مع ما كان عليه، كما يوضح يان لايدل: "أسباب انتقال العدوى في الوقت الحالي هي استعمال حقن المخدرات بشكل جماعي. كما يمكن أن ينتقل المرض عبر ممارسة الجنس، لكن احتمال حدوث ذلك ليس كبيرا". فالحالات التي تم تسجيلها بخصوص انتقال العدوى عن طريق ممارسة الجنس تدل على أن الأشخاص الممارسون كانت لديهم جروح كبيرة، وهو ما تم تسجيله في صفوف مثليي الجنس.
العديد ممن يحملون فيروس الكبد فئة ج لا يعرفون أنهم مصابون به لغياب آلام في الكبد، وهذا هو سر انتشار المرض كما يقول الطبيب المختص في الكبد شتيفان فاندال: "يتعلق الأمر هنا بأكبر عضو ممتلئ في الجهاز الهضمي ويزن حوالي 1500 غرام. وعندما يتعرض 60 أو 70 بالمائة من الكبد للتلف، فإن عمله يصبح محدوداً. وكلما كان التشخيص مبكراً كلما تم الحيلولة دون تحول الفيروس إلى مرض مزمن".
ويضيف الطبيب شتيفان فاندال بأن المرض يمكن علاجه ويوضح ذلك بالقول: "حتى في حال تعرض الكبد للتلف بسبب فيروس الكبد من فئة ج فإن المرء يلزمه علاجه لأن الكبد يمكن أن يتعافى بشكل كبير أحيانا حتى ولو تعرضت خلايا الكبد للتدمير".
العلاج ببروتينات الانترفيرون
غالبا ما يتم علاج مرض فيروس الكبد من فئة ج بالحقن بمزيج من بروتينات الانترفيرون وريبافيرين التي تحد من تكاثر الفيروس. ويتم إنتاج بروتينات الانترفيرون عن طريق التكنولوجيا الحيوية على شكل حقن. لكن العديد من المرضى يلاحظون وجود أعراض لهذا الدواء ويفضلون عدم الاستمرار في العلاج. فتلك البروتينات ـ حسب الطبيب شتيفان فاندال ـ "تتسبب في ظهور أعراض الأنفلونزا المعروفة لدينا كالأوجاع والصداع والقشعريرة وغيرها".
وحتى اليوم لا يوجد لقاح للحماية من الإصابة بهذا المرض. ويستبعد الخبراء التوصل إلى تطوير مادة تساعد على ذلك في المستقبل القريب. لكن فاندال واثق من تطور طرق العلاج في المستقبل لأن: "طرق العلاج تتحسن. فقبل عشرين عاماً كان الأطباء ينجحون في علاج شخص مصاب من أصل عشرة، أما اليوم فهم ينجحون في علاج سبعة من أصل عشرة مرضى، وبعد ثماني سنوات سنتمكن من علاج تسعة من أصل عشرة".