التمييز ضد السُود في تونس، أزمة صامتة تطفو على السطح
١٤ يونيو ٢٠١٢احتاج عماد صاحب البشرة السمراء(أسود) لربط أكثر من علاقة عاطفية حتى يظفر في الأخير بشريكة حياته وهو يستعد لعقد قرانه في صائفة هذا العام. تردد عماد الطرابلسي (26 عاما) في البداية في الحديث صراحة مع DW عن معاناته لكنه كشف في وقت لاحق أن فشل علاقاته السابقة لا يعود في الغالب إلى خلافات حقيقية مع حبيباته وإنما أصل المشكل دائما يكمن بكل بساطة في لون بشرته السمراء. وهو لون على حد تعبيره لم يكن يروق أصهاره المفترضين.
ولكن مع انتقال عماد وهو أصيل منطقة الرديف بمحافظة قفصة بالجنوب التونسي إلى العاصمة، بدأ في التخطيط لحياته من جديد وأمكن له الارتباط بفتاة بيضاء البشرة وهو يستعد لعقد زفافه في صائفة هذا العام. وقال عماد لـDW "عندما تقدمت إلى عائلة الفتاة لخطبتها لم يكونوا يهتمون بلون بشرتي وإنما سؤالهم الأول تركز حول أصولي ونَسبي".
الثورة كشفت الغطاء
وتاريخيا، على الأقل في القرن العشرين، لم تكن معضلة التمييز العنصري مطروحة في تونس سواء على المستوى الرسمي أو الإعلامي بل ان سمة التعايش الاجتماعي والديني بين مختلف الأقليات هي الصورة السائدة أو التي يتم تسويقها رسميا عن البلاد.
وسبقت تونس جميع الدول العربية بل والكثير من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة في الغاء قانون الرق منذ العام 1848. غير ان تلك الصورة الوردية سرعان ما اهتزت بمجرد سقوط الديكتاتورية في البلاد في 14 كانون أول/يناير 2011 إذ تفاجأ الرأي العام في تونس بتحقيق تلفزيوني بث على إحدى القنوات الخاصة في شهر أيار/مايو الماضي وكشف عن شكاوى بعض أفراد الأقلية السمراء في البلاد بوجود تمييز عنصري ضدهم.
وطرح ذاك التحقيق لأول مرة في تونس على العلن أسئلة خطيرة حول ما إذا كان التمييز العنصري ظاهرة تخترق شرايين المجتمع في صمت، أم أنها مجرد "سلوكيات شاذة"، خاصة وأن المضطهين تظلموا من تمييز طالهم حتى في قطاع التشغيل.
وقال الوزير المكلف بالإصلاح الإداري في تونس محمد عبو والذي كان محاميا وناشطا حقوقيا في فترة حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، في حديثه مع DW "العنصرية ضد السود في تونس لم تطفو على السطح مطلقا وقد لا يعني ذلك انها غير موجودة ولكن الموضوع طرح بشكل جدي بعد الثورة". وأضاف الوزير "الثابت أن الشباب التونسي اليوم على درجة عالية من التكوين والتعليم ومن المستحيل ان يكون بمثل هذا التفكير. غير انه لا يمكن ان ننكر وجود بعض العقليات القديمة المنتشرة في عدد من المناطق".
تمييز في العمل ووسائل الاعلام
وتنتشر الأقلية السمراء في تونس بشكل خاص في المحافظات الجنوبية للبلاد مثل قابس ومدنين وتطاوين وقبلي وقفصة. وينتشر لقب "عتيق" كصفة ملحقة بألقاب العديد من العائلات السمراء والذين كانوا توارثوها عن أجيال سبقتهم في دلالة عن عتقهم او تحريرهم. وهو لقب تعتبره هذه الأقلية مهينا لها. ولا يقف المشكل عند التجاذب الاجتماعي فالعديد من الذين أدلوا بدلوهم في التحقيق التلفزيوني بالمحافظات الداخلية في البلاد اشتكوا من التضييق على فرص العمل والانتداب. بل إنهم ينتقدون صراحة اهمال الدولة لتمثيلهم في المناصب العليا بالجهات.
وقال عماد الطرابلسي لـ DW "جربت حظي في العديد من المؤسسات الخاصة. تم مؤخرا التخلي عن خدماتي من قبل مؤسسة اعلامية خاصة. بعدها التحقت بجبهة الاصلاح. في هذا الحزب ليس هناك اي تمييز". وجبهة الاصلاح هو أول حزب سلفي مرخص له في تونس بعد الثورة.
ومن جهته قال الوزير محمد عبو لـ DW "بالنسبة للوظيفة العمومية، مما لا شك فيه أن الدولة لا تميز بين الموظفين بناء على اللون. وهذا على حد علمي لم يحدث حتى في زمن الاستبداد ولكن الشيء السيء في حكم بن علي ان السفراء السمر كانوا يعينون في الأغلب في دول افريقية". واضاف " اليوم لدينا سفيرة سمراء بدولة مالطا كما ان هناك اقتراح داخل الحكومة لتنصيب محافظ من نفس الأقلية في إحدى المحافظات الشمالية حتى نبعث برسالة إيجابية. كما انه وبعد الثورة لن يكون هناك معيار سوى الكفاءة في منح المناصب دون تمييز في اللون أو الدين أو العرق أو الجهة أيضا، وهو المشكل الذي كان سائدا في فترتي حكم بورقيبة وبن علي".
معضلة قد تخدش صورة تونس الجديدة
ومع أن معضلة التمييز العنصري ليست مشكلة مصطنعة او مسقطة على المجتمع التونسي إلا ان هناك مخاوف من أن تتحول من أزمة صامتة إلى أزمة محرجة لصورة تونس الجديدة بعد الثورة. وقال هشام الشريف وهو طبيب نفسي ومدير مركز تونس للعدالة الانتقالية "نرفض اي نوع من التمييز سواء تعلق الأمر بالتمييز العنصري على أساس اللون أو حتى التمييز ضد المثليين في تونس". وأضاف الشريف "التونسي يظل تونسي مهما كان لونه او شكله أو جنسه".
وقال وزير حقوق الانسان من حزب النهضة الاسلامي، سمير ديلو لـDW “استقبلت المقرر الخاص للأمم المتحدة حول اللاجئين مؤخرا وقد أثار موضوعا حول وجود بعض الممارسات حول تمييز عنصري ضد اللاجئين الأفارقة بمخيم الشوشة بالجنوب التونسي". وأضاف الوزير "مع أن وزارة حقوق الانسان لن تتلق اي اشعار بذلك إلا ان هناك حديثا متواترا في وسائل الاعلام وبين عموم الناس حول وجود ممارسات تمييزية ضد لاجئين من افريقيا جنوب الصحراء". وتابع ديلو "لا يمكن لحكومة تحترم مبادئ الثورة أن تسمح بالتمييز تجاه اي شخص فوق الأراضي التونسية إن كان مواطنا او اجنبيا".
ولا توجد عقوبات صريحة في القانون التونسي ضد التمييز العنصري على أساس اللون باستثناء قانون الصحافة المعلق والذي يجرم الثلب العنصري لكن الوزير المكلف بالاصلاح الاداري محمد عبو أوضح لـDW أن هناك تفكير لردع هذه السلوكيات عبر القوانين مستقبلا، على الرغم من ان الظاهرة ليست في تطور كما انه من الناحية الاجتماعية فإن الزيجات المختلطة مثلا لم تعد تطرح إشكالا عكس العقود الماضية، على حد تعبيره.
ولكن بالمقابل يطرح السؤوال حول ما إذا كان للأقلية السمراء أي اسهام في بروز تلك الممارسات التمييزية ضدها في تونس وما إذا كان هناك دور يفترض ان تلعبه للتصدي لأي تمييز. لا يبدو الفنان الأسمر المعروف صلاح مصباح متفائلا في هذا الصدد. ومع انه فضل عدم الخوض كثيرا في هذا الموضوع إلا انه صرح لــDW "من المؤسف ان المجتمع الأسمر بحد ذاته في تونس لم يكن متضامنا بما فيه الكفاية فيما بينه".
وقال مصباح "تعرضت إلى التضييق خلال حكم بن علي. كان النظام السابق يعمد في كثير من الأحيان إلى افراغ قاعات العرض عندما أغني.. للأسف لم أرى أي مبادرة تضامن من المتفرجين السمر. لم أر واحدا منهم يقتطع تذكرة من أجلي". وأضاف الفنان الذي تعرض لإهانات عنصرية خلال النظام السابق بسبب مواجهاته مع رجال الأمن وأصهار بن علي وزج به في السجون باتهامات ملفقة، أضاف متحسرا "لا ينفع العقار فيما أفسده الدهر".
تونس - طارق القيزاني
مراجعة: منصف السليمي