التقارب السعودي الإسرائيلي - أين تكمن المصالح المشتركة؟
٢٧ سبتمبر ٢٠٢٣بعد أشهر من مفاوضات بوساطة أمريكية خلف الأبواب المغلقة، صدرت تصريحات متفائلة من قادة السعودية وإسرائيل عن إمكانية تقارب غير مسبوق بين البلدين. إذ أكد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن الرياض وتل أبيب "كل يوم تقتربان وتبدو المحادثات لأول مرة جدية وحقيقية".
وأضاف في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" الأمريكية في العشرين من سبتمبر /أيلول الجاري أن الاتفاقية بين البلدين ربما ستكون "أكبر صفقة تاريخية منذ الحرب الباردة".
من جانبه، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه يعتقد أن بلاده على أعتاب سلام مع السعودية، متوقعا أن يتمكن الرئيس الأمريكي جو بايدن من تحقيق هذه الخطوة، التي قال إنها ستغير شكل منطقة الشرق الأوسط.
وأمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أضاف "ليس هناك شك في أن اتفاقيات إبراهام بشرت ببزوغ فجر عصر جديد من السلام... أعتقد أننا على أعتاب انفراجة أكثر دراماتيكية.. سلام تاريخي بين إسرائيل والسعودية".
وفي مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الأمريكية، وصف نتنياهو أي اتفاق محتمل مع السعودية بأنه سيمثل "نقلة نوعية" في المنطقة، مضيفا "سيغير الشرق الأوسط إلى الأبد، إذ سيهدم جدران العداء".
ورغم ذلك، يرى مراقبون أن الواقع على الأرض يعد أكثر تعقيدا، إذ ما زالت هناك الكثير من القضايا يتعين حسمها قبل المضي قدما في التطبيع بين السعودية وإسرائيل.
الرياض..شروط التطبيع ومكاسبه؟
أقدمت السعودية خلال السنوات الأخيرة على خطوات إقليمية في تهدئة خلافاتها. ففي عام 2021، اتخذت خطوات في عودة العلاقات مع قطر، فيما وصل هذا المسار ذروته مع عودة العلاقات مع إيران في وقت سابق من العام الجاري بوساطة صينية.
ويضاف إلى ذلك ما صدر من تصريحات سعودية تفيد ضمنيا برغبة الرياض في إنهاء الحرب في اليمن التي تخوضها ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران منذ عام 2015.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوات تأتي في إطار "رؤية 2030" التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرامية إلى إحداث تطورات اجتماعية واقتصادية وتقليل اعتماد أكبر منتج للنفط في العالم على النفط كمصدر رئيسي للدخل عن طريق التركيز على الطاقات المتجددة والسياحة.
ويمكن أن تستفيد الرياض من إسرائيل بسبب تفوق الأخيرة في مجال التكنولوجيا فضلا أن البلدين يعتبران إيران بمثابة العدو المشترك. ورغم ذلك، يقول مراقبون إن الدور الأمريكي فيالمفاوضات السعودية-الإسرائيلية هو المحرك الرئيسي الفعلي والواقعي.
وفي مقابلة مع DW، قال بيتر لينتل، الباحث في معهد دراسات الشؤون الأمنية والدولية في برلين، إن "التقارب السعودي- الإسرائيلي يعد على الأقل اتفاقا ثلاثيا يشمل الولايات المتحدة، حيث سيطلب السعوديون في مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل، برنامجا نوويا مدنيا والحصول على ضمانات أمنية أمريكية على غرار حلف شمال الأطلسي (الناتو)".
وفي سياق متصل، يدرك محمد بن سلمان المكاسب التي سوف تجنيها بلاده في حال عودة الدفء إلى العلاقات مع الولايات المتحدة والتي تضررت بشدة عقب مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي عام 2018.
ورغم كل هذه المعطيات، لا يعتقد سيباستيان سونز- الخبير في قضايا الشرق الأوسط في مركز البحوث التطبيقية بالشراكة مع الشرق ومقره ألمانيا ويعرف اختصار بـ "كاربو"، أن السعودية وإسرائيل من المحتمل أن توقعا معاهدة في المستقبل القريب.
وأوضح في مقابلة مع DW "ليست هناك حاجة حقيقية للتطبيع الرسمي في الوقت الحالي لأن السعودية تتعاون بالفعل وبشكل وثيق مع الإسرائيليين في العديد من المجالات وتتخذ المزيد والمزيد من الخطوات في هذا المسار بما في ذلك خطوات الاعتراف الثنائي والتطبيع غير الرسمي".
تزامن هذا مع ما صدر عن محمد بن سلمان من تصريحات فسرها مراقبون بأنها تعد تخفيفا من حدة التعهدات السعودية السابقة إذ لم يكرر في مقابلته الأخيرة مع شبكة "فوكس نيوز" التأكيد على التزام السعودية بـ "مبادرة السلام العربية" التي أطلقها الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز. وأضاف ولي العهد السعودي "أريد حقا أن أرى حيـاة جيدة للفلسطينيين، لذا أود إكمال المفاوضات مع إدارة بايدن لضمان ذلك".
تزامن هذا مع زيارة وفد دبلوماسي سعودي للضفة الغربية لإجراء محادثات مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس للمرة الأولى منذ 30 عاما ووصول وزير السياحة الإسرائيلي إلى السعودية في أول زيارة علنية لوزير إسرائيلي للمملكة وصفت بـ"التاريخية".
إسرائيل..شروط التطبيع ومكاسبه؟
بدوره، سلط لينتل الضوء على المكاسب التي سوف تجنيها إسرائيل من وراء إقامة علاقات رسمية مع السعودية، قائلا: "الهدف النهائي للجانب الإسرائيلي يتمثل في إبرام اتفاق سلام مع السعودية باعتبارها أهم دولة عربية فضلا عن أنها تمتلك نفوذا ورمزية كبيرة في العالم العربي".
وقال إن التطبيع بين الرياض وتل أبيب سوف يُظهر أن "قطار التطبيع لا يجب أن يمر عبر محطة الفلسطينيين، ويُظهر أن الفلسطينيين لم يعودوا يشكلون عقبة رئيسية أمام التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والدول العربية الأخرى."
بيد أن مراقبين لا يتوقعون أن يقتصر الاحتجاج على التطبيع السعودي-الإسرائيل على الجانب الفلسطيني فحسب بل أيضا من جانب الحكومة اليمينية في إسرائيل حيث أنه من غير المرجح أن تقبل الأطراف المؤيدة للاستيطان داخلها شروط التطبيع مع السعودية التي تشمل وضع أجزاء من أراضي الضفة الغربية الخاضعة لسيطرة إسرائيل في الوقت الراهن، تحت السيطرة الفلسطينية.
وفي مقال نشره موقع "المونيتور" الأمريكي، كتب الصحافي والمعلق الإسرائيلي المعروف بن كاسبيت هذا الأسبوع: "كان بإمكان أي حكومة إسرائيلية سابقة أن توافق على العديد من هذه الشروط، لكن اليوم، كل هذه الأمور غير مقبولة لوزير المالية وزعيم حزب الصهيونية الدينية، بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير."
ومع ذلك، فإن السلام مع السعودية من شأنه أن يعزز إرث نتنياهو السياسي خاصة أنه تعرض على مدى أشهر لضغوط هائلة تمثلت في شكل مظاهرات عارمة ضد مساعيه لإجراء إصلاح قضائي.
وفي ذلك، قال لينتل "إذا أقدمت حكومة نتنياهو على تقديم تنازلات للفلسطينيين، فإن قطاعا من الإسرائيليين قد يدعو إلى إجراء انتخابات جديدة. وفي هذه الحالة، لن يتمكن نتنياهو من المضي قدما في اتفاق (التطبيع مع السعودية) إلا في ظل حكومة إسرائيلية جديدة".
واشنطن..مكاسب انتخابية
أما الجانب الأمريكي، فبالإضافة إلى رغبة واشنطن في اندماج أقوى لإسرائيل في المنطقة، فإن أي اتفاق تطبيع بين السعودية وإسرائيل سوف يصب في صالح إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن خاصة إذا تحقيق قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وفي هذا السياق، قال لينتل إن "بايدن يعد الحافز والمحرك الرئيسي الأقوى لهذا المسار لأن أي اتفاق سلام أو تطبيع بين إسرائيل والسعودية في الوقت الراهن سوف يُنظر باعتباره أمرا ذا شأن وسوف يخطف بريق اتفاقيات أبراهام التي وقعت بين إسرائيل والإمارات والمغرب والبحرين والسودان بوساطة إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2020".
وأضاف أن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية سوف يُظهر واشنطن باعتبارها الحليف القوي للرياض مرة أخرى ما يمهد الطريق أمام عرقلت جهود الصين لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط.
ورغم ذلك، يبدي سيباستيان سونز حذرا من التفريط في التفاؤل، قائلا "يتعين الانتظار لمعرفة ما إذا كانت الولايات قادرة على تلبية المطالب السعودية ولديها رغبة في ذلك من الأساس. وهناك سؤالا آخرا مفاده:"ماذا سيحدث في حالة عدم إعادة انتخاب بايدن العام المقبل؟".
جنيفر هوليس- كيرستن كنيب / م. ع