التقارب الأمريكي الإيراني في مهب الحسابات الإقليمية
٧ نوفمبر ٢٠١٤في آخر فصول المد والجزر التي تهيمن على العلاقات بين واشنطن وطهران، كشفت تقارير إعلامية أمريكية أن الرئيس باراك أوباما وجه رسالة سرية إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي بشأن التعاون في مكافحة الإرهاب، في أفق اتفاق شامل حول الملف النووي. ومن شأن هذا التقارب إذا تحقق إعادة خلط أوراق التحالفات الإقليمية في المنطقة، كما يرى الدكتور مصطفى اللباد خبير الشؤون الإيرانية ومدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتجية في القاهرة في حوار مع DW، إذ أوضح أن "العلاقات الأمريكية الإيرانية لم تعد تتعلق بالملف النووي وحده، وإنما باتت مرتبطة بتقاطع مصالح الطرفين في المنطقة، إذ لهما مصالح مشتركة في أفغانستان والعراق، ونفس الأمر ينسحب على مكافحة الإرهاب"، إلا أن اللباد استطرد موضحا أن مصالح البلدين تتصادم في لبنان وسوريا على سبيل المثال، معتبرا أن "لكل دولة حساباتها وأجندتها الخاصة".
وكانت واشنطن قطعت العلاقات مع إيران خلال أزمة الرهائن بعد الثورة الإسلامية عام 1979. إلا أن انتخاب الرئيس حسن روحاني خلفا لمحمود أحمدي نجاد، المناهض للغرب بشدة، في أغسطس / آب 2013 جعل البلدين يستأنفان بحذر الاتصالات رفيعة المستوى رغم عقود من العداء تفصل بينهما ولدت عدم ثقة في ملفات عدة، منها لبنان وسوريا والمفاوضات النووية. عداء تغذيه شكوك شركاء واشنطن في المنطقة اتجاه الجمهورية الإسلامية.
قلق حلفاء واشنطن التقليديين
سيناريوهات التقارب الأمريكي الإيراني تزعج إلى حد كبير حسابات الحلفاء التقليديين لواشنطن في المنطقة، فبمجرد شيوع نبأ رسالة أوباما "السرية" للمرشد الأعلى، سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليوم (الجمعة السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني 2014) إلى التحذير من أن محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي لا يجب أن يتم على حساب مساعي منع الجمهورية الإسلامية الإيرانية من الحصول على السلاح النووي. مؤكدا موقفه القائل إنه يُستحسن عدم التوصل إلى اتفاق مع إيران على عقد صفقة سيئة تسمح لها بالاحتفاظ بقدرات تخصيب اليورانيوم، وهو ما تعتبره الدولة العبرية تهديدا لوجودها.
وبهذا الصدد يوضح اللباد أن "خصوم إيران الإقليميين سيستفيدون في حال فشل الاتفاق النووي وفي مقدمة هؤلاء الخصوم إسرائيل، ثم دول الخليج العربية وأيضا تركيا إلى حد ما". ويرى اللباد أنه من ناحية أخرى فإن حصول تقارب بين طهران وواشنطن لن يحظى برضا روسيا والصين حليفتا إيران. "وفي حال تكللت المفاوضات بالنجاح، فإن ذلك سيفتح المجال للتطبيع في العلاقات الأمريكية الإيرانية رغم ما سيترتب عن ذلك من حفيظة خصوم إيران التقليديين".
تنظيم "داعش" فرض معادلة جديدة
غير أن الصعود المثير لتنظيم "الدولة الإسلامية" والاندفاع الغربي لمواجهته، أجبر دول المنطقة بما فيها إيران على بذل جهود من أجل تنحية خلافاتها ولو مؤقتا، إذ أعطت قطر الانطباع برضوخها للضغوط الأمريكية السعودية، بالتقليل من دعم الإخوان المسلمين. وكذلك تأكيد الدوحة رغبتها في إرضاء جيرانها الخليجيين ومصر. فيما أبدت إيران مثل "عدوتها" الولايات المتحدة قلقا من تقدم "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا متوجسة من احتمال امتداد أعمال العنف عبر الحدود. غير أن دول الخليج تتساءل مع ذلك عما ستحصل عليه في المقابل، وتخشى أن تكون إيران الرابح الوحيد.
ويرى اللباد بهذا الصدد أن "واشنطن لا تزال في حاجة لحلفائها التقليديين، إلا أن هؤلاء الحلفاء قد يرضخون في نهاية المطاف للأمر الواقع ويقبلون بالنفوذ الإيراني في المنطقة". وفي حال تحقق هذا السيناريو يوضح اللباد أن "مستوى العلاقات الأمريكية مع إسرائيل ودول الخليج سيتراجع، لأن هذه الدول ترى في إيران تهديدا لأمنها القومي".
إن طريق التطبيع بين واشنطن وطهران ليس معبدا بالورود، فسياسة أوباما اتجاه الجمهورية الإسلامية تلقى مقاومة شرسة ليس فقط من قبل حلفاء واشنطن في المنطقة، وإنما أيضا "من قبل جماعات الضغط التي تمثل هؤلاء الحلفاء في الولايات المتحدة" كما يوضح اللباد الذي لاحظ أن "الكونجرس يشدد العقوبات على إيران لكي يفشل الاتفاق النووي". ثم إن سيطرة الجمهوريين على الكونجرس "ستعقد مهمة أوباما، لأنه لا يمكن توقع تحسين العلاقات الأمريكية الإيرانية في ظل بقاء العقوبات الاقتصادية التي فرضها الكونجرس" يقول اللباد. وبالتالي فإن أوباما لا يمكن له رفع هذه العقوبات دون الرجوع للمؤسسة التشريعية، ما يعني أن الكلمة الأخيرة في العلاقات الأمريكية الإيرانية لم تقل بعد.