التصوير الفوتوغرافي بحاوية القمامة
٢١ يوليو ٢٠١٢قامت وكالة إعلانات معروفة بحملة إعلانية من أجل إبراز الدور الفعال لعمال نقل النفايات في حياتنا اليومية. هؤلاء العمال يزاولون عملاً غير مريح ولا يتمتع بسمعة جيدة في ألمانيا. فعمال نقل النفايات يسهرون على أن نتخلص يومياً من قمامات ذات روائح مزعجة ونفايات ضخمة، عمل يشمئز منه الآخرون. والآن أصبح هؤلاء العمال فجأة موضع اهتمام في عمل فني، فقد قاموا بدمج حاوية للقمامة، التي يعملون على إفراغها في عملهم اليومي، لتصوير أماكن في المدينة. وأطلقت وكالة الإعلانات على هذه الطريقة الجديدة للتصوير "التصوير الفوتوغرافي بحاوية القمامة". هذه التجربة جلبت لعمال نقل القمامة الاحترام ليس فقط في مدينة هامبورغ، بل وخارج ألمانيا أيضاً.
فن عوض القمامة
شارك في هذا المشروع عشرة رجال من عمال نقل النفايات وقاموا باختيار بعض الأماكن كمواضيع لصورهم التي سيلتقطونها. في حين قام اثنين من موظفي وكالة الدعاية بثَقب حاوية القمامة وتحويلها إلى كاميرا. هذه التقنية قديمة ومعروفة، يُستعمل فيها صندوق قابل للغلق جيداً ثم يُتْقَب. وهذا الثقب يقوم بدور العدسة، فعند دخول الضوء إلى الصندوق يتم إعادة إسقاط المشهد الموجود أمام الثقب على ورق الصور الفوتوغرافية المثبتة داخل الصندوق، ويعاد من خلال هذه العملية تمثيل المشهد على الجانب الآخر الذي لُصق فيه الورق.
أرادت وكالة الدعاية إعطاء فن التصوير نكهة فنية جديدة واستعملت حاوية من البلاستيك سعتها 1100 لتر. ألصق موظفو وكالة الدعاية في داخل الحاوية بأكملها ورقاً للصور الفوتوغرافية وسدوها حتى لا يتسرب أي ضوء تماماً، إلا عن طريق الثقب، إذا تم الضغط عن مفتاح مخصص لذلك.
مبتهجاً يقول عامل نقل النفايات هانس بيتر إنه لم يعتقد بأن تنجح هذه العملية حقاً. أما مواضيع الصور فلم تُحدد من قبل، فقد تُرك أمر المكان المفضل لالتقاط الصور في مدينة هامبورغ للاختيار الشخصي لكل عامل. واختار هانس بيتر كنيسة في قرية ألتنفيردر بهامبورغ والتي اكتشفها من مسافة بعيدة في أحد رحلاته على دراجته النارية في الطريق السريع. تقع الكنيسة في المنطقة الصناعية بدون محيط سكني، وتساءل هانس بيتر حينها عن السبب. أما اليوم فهو يعلم أن الكنيسة كانت تابعة لقرية ألتنفيردر، التي ذهبت عام 1998 ضحية لتوسيع الميناء.
وسرعان ما أدرك هانس بيتر شترال، البالغ من العمر 33 عاماً، الميزة الجمالية لهذه الكنيسة. وترعرع هانس بيتر في جزيرة روغن، أكبر الجزر الألمانية الواقعة في بحر البلطيق، وتعد أحد المنتجعات الصيفية المحبوبة لدى السياح. لكن للأسف ليس هناك ما يكفي من الوظائف للسكان المحليين، ما دفع به كغيره من سكان الجزيرة إلى الهجرة للبحث عن عمل في مكان آخر.
وتخلى هانس بيتر عن حرفته كميكانيكي للسيارات وبات يعمل منذ خمس سنوات كعامل لنقل النفايات في مدينة هامبورغ. ويشعر بالراحة هناك، وليست له أي مشاكل مع نظرة المجتمع إلى العمل الذي يزاوله، مؤكداً: "كلا على الإطلاق"، يبتسم ويضيف: "يتنقل المرء بكثرة في الهواء الطلق". أما إمكانية رغبته في العمل بمكان مستقر كمكتب فهو احتمال ينفيه بتاتاً.
ابتكار "التصوير الفوتوغرافي بحاوية القمامة"
احتاج هانس بيتر إلى 45 دقيقة لالتقاط صورة لكنيسته، وقال ضاحكاً: "وقت طويل جداً لالتقاط صورة". أما زملاءه الآخرون فقد استغرقوا ساعة تقريباً للضغط عن المفتاح لالتقاط المشهد، عملية صعبة جداً ونتيجتها ستبينه الصور التي سيحصلون عليها بعد ساعات في مختبر الصور الفوتوغرافية.
تجربة لاختبار الصبر نظراً لمدة الانتظار الطويلة. "لكن كل شيء مرَّ بشكل جيد"، يقول هانس بيتر وعلامات الفخر على محياه لا يمكن تجاهلها. وله الحق في ذلك، فالصور المأخوذة بالأبيض والأسود متطورة وذات جودة عالية، وتذكرنا بصور عشرينات القرن الماضي. عمل فني رائع ساعد فيه عمال نقل النفايات وساعد هذا المشروع وكالة الدعاية في ابتكار مصطلح "التصوير الفوتوغرافي بحاوية القمامة"كفكرة فنية جديدة.
لم يغير هذا المشروع من شيء قط في الحياة اليومية الاعتيادية لعمال نقل النفايات في مدينة هامبورغ، فهم يبدؤون عملهم في الصباح الباكر ككل يوم، ويقسمون العمل في المدينة بينهم. وسيعمل هانس بيتر اليوم في فريق مكون من خمسة أشخاص على سيارة نقل القمامة في منطقة سانت باولي بهامبورغ. اثنان من زملائه يزاولون هذا العمل منذ مدة تزيد عن 20 عاماً، ومعظم الزملاء كانوا يمارسون مهناً أخرى كعمال للبناء وطباخين ونجارين وصباغين وتقنيين في قطاع صناعة السيارات.
لقي مشروع "التصوير الفوتوغرافي بحاوية القمامة" قبولاً عند عمال نقل النفايات، وتأسفوا لانتهائه. أما الكاميرا المتحركة "حاوية القمامة" فقد تكسرت خلال النقل ولم تعد صالحة للتصوير الفوتوغرافي لأن أشعة الضوء تتسرب من كل جانب إلى داخلها. ولم يقف نجاح هذه الحملة الدعائية عند هذا الحد، فقد قامت وكالة الدعاية بالمشاركة بمشروعها في "مهرجان كان الدولي للإعلان" وفازت بجائزة الأسد الفضي. هذا الإنجاز يعتبر أيضاً فخراً لعمال نقل النفايات الذين ساهموا في مشروع "التصوير الفوتوغرافي بحاوية القمامة" وتصدروا بالتالي عناوين الصحف في مختلف أنحاء العالم، ويمكن للجميع تتبعها على صفحات شبكة الإنترنت.
زولتاو هايده/ اعمارا عبد الكريم
مراجعة: عماد غانم