"التسامح مع الآخر ركيزة أساسية للحوار الثقافي"
١٨ يناير ٢٠٠٦في الدورة الثامنة والثلاثين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، اتبع المنظمون تقليداً جديداً تمثل في دعوة دولة معينة كضيف شرف في الفعالية الثقافية. وكرد جميل على استضافة ألمانيا للعالم العربي في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب في عام 2004، دعا منظمو معرض القاهرة ألمانيا هذا العام لتحل ضيفاً على أحد أكبر معارض الكتب العربية. وعلى هامش المعرض، التقى موقع دويتشه فيله بالدكتور محمود زقزوق وزير الأوقاف المصري ورئيس المجلس الأعلى للبحوث الإسلامية وتحدث معه عن جدوى إجراء الحوارات الثقافية ودورها في فض النزاعات واحتواءها.
دويتشه فيلّه: ما هي أهم المعطيات، التي يجب أن تتوافر عند إجراء حوار ثقافي ما بين معتنقي الديانات المختلفة؟
زقزوق: يجب أن تكون لدى أصحاب التيارات الدينية والثقافية المختلفة رغبة حقيقية في التحدث مع الآخر، كما يجب أن يسود احترام متبادل بين المتحاورين، لكي يصلوا إلى تفاهم. ومما لا شك فيه أنه لا حيد عن التسامح المتبادل، لكي يثمر الحوار بنتائج طيبة. ولا أقصد هنا التسامح بين شخص وآخر فحسب، بل التسامح بين الأديان والحضارات والشعوب والأمم. التسامح مع الآخر هو أساس الحوار بين أصحاب الاتجاهات المختلفة. ويهدف الحوار بالدرجة الأولى إلى إشاعة التسامح بين الجميع. أما عن وسائل الحوار فهى عديدة. فمن الممكن إصدار كتب تتناول هذا الموضوع أو ذاك أو إلقاء ندوات أو طرح قضايا الحوار من خلال الصحف، لكن من وجهة نظري ليس هناك أفضل من الحديث مع الآخر، وهذا ما نفعله هنا في معرض القاهرة الدولي للكتاب، على سبيل المثال.
دويتشه فيلله: سيادة الوزير لقد قضيتم جزءاً كبيراً من حياتكم في ألمانيا، ترى ما هو الدور الذي يقع على عاتق المسلمين والعرب المقيمين في الدول الأوروبية في إطار الحوار الثقافي؟
زقزوق: إن الغرب يتعرف على الإسلام من خلال المسلمين المقيمين في الدول الغربية، لذلك يجب أن يكون هؤلاء نماذج مضيئة، كما يجب عليهم إظهار صورة الإسلام الطيبة حتى يتعرف الآخرون على الإسلام السمح المعتدل أو إسلام الوسطية، أي إسلام الحوار مع الجميع، فالدين الإسلامي يدعو إلى التعايش مع كل البشر. ومن ثم فإنه عليهم أداء دور كبير ومسئولية ضخمة. لكن علينا أيضاً مسئولية تتمثل في مساعدتهم على أداء هذا الدور، لذلك ترسل وزارة الأوقاف المصرية والأزهر الشريف دعاة إلى الدول الغربية بهدف التوعية الدينية السليمة البعيدة كل البعد عن التطرف اليميني أو اليساري والتي تدعو إلى الاعتدال المعروف عن الإسلام.
دويتشه فيلله: كما تفضلتم بالقول فإن للاحترام المتبادل قيمة قصوى لتفعيل الحوار الثقافي. هناك من لا يلتزم أحياناُ بهذه القيمة. ترى ما هو تأثير ذلك على ديناميكية الحوار؟
زقزوق: من المؤسف جداً أن تتبنى بعض الجهات الإعلامية في الغرب حملات معادية للإسلام، فذلك ضد مبدأ التسامح الذي ندعو له دائماً. لقد شهد الإعلام الغربي في السنوات الأخيرة، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، عدة موجات معادية للإسلام، وفي الآونة الأخيرة رسم بعضهم في صحف دنماركية النبي صلى الله عليه وسلم في أوضاع لا تليق به على الإطلاق. ومجمع البحوث الإسلامية أصدر بياناً في هذا الصدد مؤكداً على ضرورة احترام كل الأديان وليس الإسلام فقط. وتحتاج مثل هذه الظواهر إلى جهد مقابل حتى يمكن تصحيح الصورة المغلوطة التي راجت في الإعلام الغربي عن الإسلام. أما من جانبنا فنقوم بإرسال قوافل العلماء والمفكرين لتصحيح صورة الإسلام في الخارج. وترسل هذه القوافل إلى عدة دول أوروبية كبريطانيا وألمانيا، على سبيل المثال. ولقد قامت هذه القوافل برئاسة مفتي الجمهورية بإجراء حوارات مع المؤسسات ذات التأثير في المجتمعات الغربية سواء على المستوى السياسي أو الإعلامي أو الثقافي أو الديني، وكللت هذه الجهود بالنجاح، لذلك سنقوم باستئناف هذه القوافل في المستقبل.
دويتشه فيلله: هل هناك جهود مشتركة مع الغرب لتحسين صورة الإسلام؟
زقزوق: هذه مهمتنا بالدرجة الأولى. فنحن ندين بهذا الدين، ولا نستطيع أن نحمل الآخرين المسئولية وندعوهم إلى المشاركة معنا في تصحيح هذه الصورة. لكن هناك بالفعل عناصر ايجابية من المستشرقين، الذين يرفضون نشر صورة سلبية عن الإسلام. وتصدر بالفعل من آن لآخر في الدول الغربية مؤلفات عديدة لتصحيح هذه الصورة من مؤلفين غير مسلمين. ونحن نحيي هذه الجهود ونقدرها، ولا نبغي إلا الدفاع العلمي النزيه عن الإسلام وليس الدفاع الحماسي المنفعل، فالأسلوب الأول تأثيره الفعال.
دويتشه فيلله: كيف يمكن أن تكلل مساعي الحوار الثقافي بالنجاح رغم الاختلاف الديني والثقافي، ومتى يمكن جني ثماره؟
زقزوق: يجب أن يقوم أطراف الحوار بالبحث عن القيم المشتركة بين الديانات والثقافات المختلفة، لتكون هذه القيم قاعدة للحوار، وذلك بغض النظر عن اختلاف الآراء في بعض المسائل الفردية. وأقول دائماً في هذا الصدد أن القرآن الكريم يشدد على مقومات هامة للحوار بين معتنقي الدينات المختلفة وهي: الإيمان بالله سبحانه وتعالى وبالآخرة والعمل الصالح. أما عن نتائج الحوار فيجب ألا يتعجلها المرء. فهذه العملية تتطلب جهوداً مستمرة على مر الأجيال. وطريق الألف ميل تبدأ دائماً بخطوة واحدة، ونحن على الطريق. أتمنى أن تنتفع البشرية بثمار هذا الحوار وأهمها السلام. فنحن نأمل بأن يسود السلام ليس بين اليهود والمسيحيين والمسلمين فحسب، بل بين البشرية جمعاء.
أجرى الحوار: علاء الدين سرحان - القاهرة