التدخل العسكري في سوريا - قرارات صعبة وخيارات محدودة
٢٧ أغسطس ٢٠١٣حين تحدث الرئيس الأمريكي صيف 2012 عن "خط أحمر" للمرة الأولى، بدا واضحاً: إذا ما ثبت استخدام نظام الأسد لأسلحة كيماوية من ترسانته الضخمة، فإن الولايات المتحدة لن تقف موقف المتفرج. وبعد عام من ذلك تقريباً تم تجاوز هذا الخط الأحمر بوضوح وربما لمرات عدة. ولفترة طويلة بدا أن تهديدات الرئيس الأمريكي سوف لن تتبعها أفعال مؤثرة. لكن لم يبق أمام أوباما اليوم خيار آخر، خصوصاً بعد تلك الصور البشعة لهجوم محتمل بغازات سامة في 21 آب/ أغسطس.
لكن ما هو الشأن الأصعب بالنسبة لأوباما: الأفعال الشنيعة في بلد يبعد عن الولايات المتحدة قرابة عشرة آلاف كيلومتر أم تلبية متطلبات شعبه في الداخل؟ آخر استطلاعات الرأي أوضحت أن الشعب الأمريكي لا يريد تحمل أعباء حرب جديدة. "أعتقد أنه على الولايات المتحدة التعامل بقدر أكبر من المسؤولية في دعمها العسكري، فكما يبدو أنه يصعب الاستمرار بالوضع الحالي"، كما تقول إحدى المواطنات الأمريكيات. مواطن أمريكي آخر يؤيد تدخلاً عسكرياً في سوريا، "إذا ما كان في إطار تفويض من الأمم المتحدة أو في إطار تحالف آخر".
حماية المصالح القومية
"المصالح القومية" مصطلح يُكرر على الدوام من قبل الإدارة الأمريكية. وفي أحدث مقابلة معه أعلن أوباما متحدثاً في الشأن السوري أنه سيتعامل "بوعي تام بما يتوافق مع مصالحنا القومية وبتقديرنا لما يمكن أن يحرك أهدافنا في سوريا".
لكن ما هي المصالح القومية للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط؟ في هذا الإطار يرى الخبير الأمريكي في الشؤون السورية في مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية انتوني كورديسمان أن الولايات المتحدة يمكن أن تخسر الكثير في المنطقة، "فالأمر يتعلق بالبترول وحلفاء الولايات المتحدة المجاورين لسوريا كالأردن وإسرائيل". إضافة إلى ذلك فإن الأمر يتعلق عموماً بالنفوذ و"القلق الحقيقي من إمكانية أن تكون لدولة ما مثل إيران قاعدة حقيقية في سوريا".
وفي الوقت نفسه يؤثر ثقل السياسة الخارجية للمعارضة الجمهورية، وفي مقدمتهم السيناتور جون ماكين، الذي يدعو منذ أسابيع لتدخل أقوى للولايات المتحدة في سوريا. ويطالب ماكين بـ"خطوات حاسمة، من شأنها أن تقلب ميزان القوى على الأسد وقواته". لكن حتى ماكين نفسه يتحدث عن "عمليات عسكرية محدودة"، فالجمهوريون يعرفون أيضاً أن أي تدخل عسكري –كالذي جرى في العراق وأفغانستان- لا يمكن أن يحظى بشعبية في الولايات المتحدة وربما سينتهي بنتائج سلبية مشابهة لما جرى في العراق وأفغانستان.
معارضة مشتتة
وحتى التدخل العسكري في ليبيا لا يرقى لأن يشكل نموذجاً يُحتذى به، فآنذاك كان مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة يقف خلف تحالف شامل. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة كانت المحرك العسكري للعملية، لكن مبادرة التدخل العسكري أتت من فرنسا وبريطانيا. وهذا يعني أن أوباما كان يتمتع بالدعم الكافي من أجل تجنب الصورة الإمبريالية المأخوذة عن الولايات المتحدة في الكثير من أرجاء العالم.
لكن هذه المرة قد لا يصدر قرار عن مجلس الأمن، فروسيا تقف داعمة لنظام الأسد وتجهض كل مبادرة لإصدار مثل هذا القرار. وفي ضوء ذلك يبقى من غير الواضع بعد كيف سيوافق المجتمع الدولي على تدخل عسكري في سوريا.
أخذت الولايات المتحدة درساً من حربها في العراق فإن قوى المعارضة السورية غير موحدة وأن دعم جزء منها –ربما العناصر المعتدلة كما يطالب جون ماكين- يمكن أن يكون محفوفاً بالمخاطر، فالصورة غير واضحة أمام الولايات المتحدة، وتضيع معالمها بين الأقلية العلوية الحاكمة في سوريا والأغلبية السنية والمرتزقة الإسلاميين، وبين شحنات الأسلحة الإيرانية والسعودية والقلق المتزايد لدى دول جوار سوريا كإسرائيل والأردن وتركيا، وبين التداخل الاجتماعي والديني والجيوسياسي.
ولا توجد إجابة سهلة بعد عن السؤال حول الجهة التي يمكن أن تدعمها الولايات المتحدة. في هذا السياق يقول كورديسمان أيضاً: "يجب على الولايات المتحدة اتخاذ بعض القرارات الصعبة في مسألة اختيار الفصيل المعارض الذي تريد دعمه وإلى أي حد". ويضيف الخبير الأمريكي قائلاً: "من العبث تحقيق انتصار عسكري وفشل على الصعيد السياسي".
أو بعبارة أخرى: من الناحية العسكرية فإن الولايات المتحدة ليست لديها الإمكانية فقط لتحسين الوضع في سوريا على الأمد القصير، لكن يمكنها أن تزيد الوضع سوءا أيضاً على المدى البعيد. في الوقت الراهن لا توجد أمام الرئيس الأمريكي باراك أوباما حلول سهلة.