التحليق حول العالم بدون كيروسين
٢٢ يونيو ٢٠١٠كثير من الأمور البديهية في أيامنا هذه كانت، ولعدة قرون، من سابع المستحيلات. من ذلك مثلا غزو الفضاء والقدرة على الطيران والانتقال سريعا من قارة إلى أخرى. ولولا وجود أشخاص آمنوا بإمكانية تحقيق حلم الطيران وساروا عكس المعتقدات السائدة في زمانهم، لظلت السماء حتى يومنا هذا خالية من الطائرات.
هذه هي الفلسفة التي يؤمن بها الملاح السويسري الشهير بيرتراند بيكار، والذي نجح في عام 1999 بالتحليق حول العالم في منطاد، كما قال في محاضرة ألقاها في منتدى الإعلام العالمي الذي تنظمه مؤسسة دويشته فيله في بون. في حديثه عن هذه التجربة قال بيكار إن "قلبه وصل إلى حنجرته" من الخوف حين كان المنطاد فوق المحيط الأطلسي لخشيته أن ينفذ الوقود ويسقط المنطاد في المحيط، كما أشار إلى أن الرياح كانت هي قبطان المنطاد الحقيقي وليس الإنسان لأنها توجهه إلى حيث تشاء.
هذه التجربة جعلته يفكر في ابتكار جديد يمكنه من التحليق حول العالم بدون خوف من نضوب الوقود وبشكل يكون هو نفسه من يحدد الاتجاه الذي يريده. وفي عام 2004 ولدت فكرة اختراع محرك يعمل بالطاقة الشمسية، وقد أرسلت 40 شركة محركات تعمل بالطاقة الشمسية إلى بيكار مما قوّى قناعته بإمكانية تحقيق حلمه.وفي عام 2007 بدأ بيكار وزميله أندريه بورشبورغ العمل على صناعة طائرة شمسية، أي طائرة تستطيع التحليق بطاقة مستمدة من شعاع الشمس دون الحاجة إلى كيروسين مثل الطائرات الأخرى. وبعد مضي سنتين تمكن بيكار من التحليق بطائرته الشمسية ليكون أول إنسان يحلق بطائرة بدون "وقود" في الجو.
التحليق ليلا نهارا بالطاقة الشمسية
مشكلة الطائرة الجديدة هي قدرتها على التحليق نهارا فقط واضطرارها إلى الهبوط قبل المغيب، كما لا تستطيع التحليق طويلا تحت الغيوم التي تحجب أشعة الشمس عنها.
لكن وفي السنوات الثلاث الماضية قطع بيكار وزميل أندريه بورشبورغ مرحلة متقدمة في تطوير الطائرة الشمسية وهما يستعدان خلال العام الجاري لتجربة هي الأولى من نوعها في العالم. إذ ينوي بيكار التحليق لمدة 36 ساعة متواصلة بطائرته المصنوعة من ألياف الكربون المقوّى والتي لا يزيد وزنها عن 1600 كيلوغراما. هذه التجربة أصبحت ممكنة بعد التقدم الذي شهدته تكنولوجيا البطاريات القادرة على تخزين الطاقة الكهربائية أو طاقة الرياح ككهرباء لاستخدامها عند الحاجة. ويصل وزن البطارية إلى 450 كيلوغراما، أي ما يعادل ربع وزن الطائرة. أما جناحا الطائرة فيبلغ طولهما 63,4 مترا وتم تثبيت ألواح ألواح شمسية عليهما بمساحة تبلغ 200 مترا مربعا.
التحليق حول العالم بعد سنتين
إذا نجحت تجربة الطيران ليومين وليلة هذه السنة سيشرع بيكار وزميله في التخطيط للقيام برحلة ستدخلهما التاريخ من أوسع أبوابه. تقضي الخطة بالتحليق حول العالم مع التوقف خمس مرات فقط، في كل قارة مرة، في عام 2012 بطائرة شمسية. بيكار يأمل أن ينجح في مغامرته ليثبت للعالم إمكانية الاستغناء ذات يوم عن الوقود الأحفوري من نفط وغاز وفحم حجري. وهو يقول "لا تقنعني بعدم إمكانية الاستغناء نهائيا عن الوقود الاحفوري، إذا تمكنت طائرة من الطيران ليلا كما تطير نهارا بدون كيروسين وباستعمال الطاقة الشمسية فقط" هذه هي الفلسفة التي يؤمن بها بيكار، وهو يسعى إلى إثبات صحتها عبر رحلة قد تشكل نقلة نوعية في تاريخ البشرية.
الكاتب: عبد الرحمان عثمان
مراجعة: حسن زنيند