البرادعي والمعارضة المصرية: هل من مستقبل؟
٢٨ فبراير ٢٠١٠من كان يعتقد بأن الدكتور محمد البرادعي، المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، سيصبح بهذه السرعة "مالئ الدنيا وشاغل الناس" في عالم السياسة المصرية؟ فالرجل غائب عن البلاد منذ أكثر من ثلاثة عقود، ولم يحتل موقعا وزاريا رفيعا في أي حكومة مصرية من قبل. وجلّ ما عرف عنه هو أنه عمل في منتصف السبعينات مساعدا لوزير الخارجية المصري الأسبق إسماعيل فهمي؛ قبل أن تبدأ انطلاقته العالمية التي توجت بتوليه إدارة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لاثنتي عشرة سنة.
وبدأ الحديث عن البرادعي وإمكانية أن يلعب دورا سياسيا في مصر قبيل تركه لمنصبه. فقد قام مثقفون مصريون وبعض مجموعات المعارضة، كالحركة المصرية من أجل التغيير، والمعروفة بـ"كفاية"، و"الحركة ضد التوريث"، وحركة 9 مارس/ آذار، وبعض المجموعات الطلابية والشبابية بطرحه كبديل للنظام الحالي حتى قبل أن يكشف الرجل عن بعض أطروحاته وأفكاره . كما أخذت شبكات الفيسبوك والمدونات على عاتقها الترويج للحقوقي المصري ولدوره المستقبلي. وسرعان ما أسس أنصاره موقعا على شبكة الإنترنت بعنوان: "الحملة الشعبية المستقلة لدعم وترشيح البرادعي 2011".
حماسة منقطعة النظير!
فلماذا كل هذه الحماسة للرجل؟ لأنه تبنى "الأجندة الوطنية لحركة المعارضة المصرية"، حسب جورج اسحق نائب المنسق العام لحركة كفاية. ويضيف اسحق، في حوار مع دويتشه فيله، بأن البرادعي دخل إلى "قلوب المصريين لأنه يطالب بإلغاء حالة الطوارئ وتغيير بعض مواد الدستور"؛ ولأنه يتحدث "عن دولة العدل والحرية". وبالرغم من أن الكاتب والمحلل السياسي المصري وائل عبد الفتاح يصف، في حوار مع دويتشه فيله، استقبال البرادعي في مطار القاهرة بـ "الحدث الفريد في السياسة المصرية"، إلا أنه يرى فيه "تعبيرا عن فشل المعارضة المصرية بكل أطيافها".
وترى الباحثة الألمانية المقيمة في مصر إيفيزا لوبن، في حوار مع دويتشه فيله، بأن ظاهرة البرادعي لا تفهم إلا في إطار "التركيبة السياسية المصرية؛ إذ تشهد مصر "فراغا سياسيا كبيرا جدا". وتضيف لوبن بأن النظام حاول، خلال العقود الثلاثة الماضية، تهميش كل الشخصيات القوية التي يمكنها منافسة الرئيس مبارك أو نجله"من جهة، ومن جهة أخرى "تآكلت قاعدة الأحزاب الرسمية المعارضة، كالوفد والتجمع وغيرها، إلى حد أنها أصبحت بلا جمهور تقريبا". والعامل الثالث برأي لوبن هو أن الحكومة المصرية لا تسمح للقوى الجديدة أن تنظم نفسها في أحزاب معترف بها؛ فمن هنا يأتي "البحث عن شخصية تملأ الفراغ السياسي وتكون في الوقت نفسه بديلا عن النظام".
اجتماع تاريخي أم لقاء الضحايا؟
وتضيف الباحثة الألمانية بعدا آخر لدوافع الإعجاب بالبرادعي والاحتفاء به. فالبرادعي يمثل برأيها الطبقة الوسطى المصرية التي همشت نتيجة "السياسات الاقتصادية للنظام في السنوات العشر الأخيرة وبروز ظاهرة رجال الأعمال الجدد الذين يحتلون مواقع قيادية في الحزب الحاكم". لذا ينظر للبرادعي كبديل للنظام و"حلم الطبقة الوسطى" في العودة إلى لعب دورها التاريخي.
وبالرغم من عدم تبنيه لخطاب "ناري" ضد النظام المصري إلا أن البرادعي، ومنذ عودته إلى مصر، لم يفوت فرصة للتذكير بالمطالب التي تطرحها المعارضة منذ عقود كإلغاء حالة الطوارئ وتغيير الدستور. ولم يكتف البرادعي بالتصريحات الإعلامية بل دخل دائرة الفعل حين دعا إلى اجتماع في منزله حضره ممثلون عن جميع أطياف المعارضة انبثق عنه تأسيس جبهة بقيادته عرفت بـ "الجمعية الوطنية المصرية من أجل التغيير".
وفي حين يصف القيادي البارز في كفاية جورج اسحق هذا الاجتماع، الذي شارك هو فيه، بـ"التاريخي"، فإن وائل عبد الفتاح يعتبره "اجتماع الضحايا" الذين جمعتهم حالة الشعور بالضعف الشديد في مواجهة النظام. إلا أن الباحثة الألمانية إيفيزا لوبن ترى، في حوارها مع دويتشه فيله، بأنه يمكن وصف الاجتماع بالـ"المحاولة التاريخية"؛ فالنظام المصري جمد، برأيها، أي نقاش أو حراك سياسي منذ عقود؛ من هنا تنبع أهمية هذا الاجتماع والجمعية التي انبثقت عنه كنوع من اتفاق "الحد الأدنى بين أطياف المعارضة المصرية".
"البرادعي قد يكون ضحية التفاف المعارضة حوله"
وإذا كانت لوبن ترى بأنه من السابق لأوانه التكهن بمستقبل ظاهرة البرادعي وحركة المعارضة الملتفة حوله، فإنها تعتقد بأن بمقدور حامل جائزة نوبل للسلام أن "يقود حركة اجتماعية جديدة، وأن يساهم في خلق أفق للشباب". وإذا كانت حركة كفاية قد قامت بدور "تاريخي" من خلال كسر حاجز الخوف والاحتجاج، حسب وائل عبد الفتاح، فإن دور الحركة الجديدة هو الانتقال من "الاحتجاج إلى الاختيار" بوجود شخصية كالبرادعي. ويضيف بأن "المعارضة بكل أطيافها تسعى إلى ركوب موجة البرادعي وإذا لم ينتبه لهذا الأمر فسيكون مقتله على يدها".
ويشدد عبد الفتاح على أنه ليس المهم أن يكون هناك "توافق على البرادعي" بل أن يكون البرادعي "أحد الخيارات المطروحة"؛ خيار القوى الجديدة في المجتمع التي "دخلت الشأن السياسي دون انتماءات إيديولوجية سابقة"؛ وأن يكون بعيدا عن "الاستقطاب بين النظام والإخوان". وتعد القوى الجديدة، برأيه، "القوى التي دخلت عالم السياسة عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة كشباب الإنترنت". فلو تم الإصرار على أن تركب المعارضة "بكل أطيافها في مركب واحد مع البرادعي فإن المركب سيغرق بمن فيه".
الكاتب: أحمد حسو
مراجعة: ابراهيم محمد