"الاندماج لا يعني اقتلاع الناس من جذورهم"
٢٩ نوفمبر ٢٠٠٦يبلغ عدد المسلمين في ألمانيا 3.3 ملايين أغلبهم من الأتراك. غير أن عملية اندماجهم في المجتمع الألماني تواجه صعوبات كثيرة يعود القسم الأكبر منها إلى السياسات والاستراتيجيات المطبقة من قبل المعنيين وصناع القرار. ومن أجل البحث في كيفية تصحيحها نظم معهد جوته في دمشق ندوة تحت عنوان " ندوة استراتيجيات اندماج الأقليات الإسلامية في ألمانيا" عُقدت في مجمع الشيخ أحمد كفتارو.
التقوقع داخل العادات والتقاليد يعيق الاندماج
بداية لم يكن هناك من مشاكل في اندماج المهجرين في المجتمع الألماني بسب الوضع التي كانت تعيشه ألمانيا قبل توحيدها. فخلال سنوات التقسيم كان يوجد عدد كبير من العمال الأجانب الذين اندمجوا بشكل أو بآخر في المجتمع عن طريق العمل. وطالما كان سوق العمل الألماني يحتاج إليهم لم يكن هناك مشاكل في اندماجهم رغم قلة الخبرة ومستوى التعليم لديهم. غير أن الوضع أصبح صعب في ظل ارتفاع معدل البطالة بعد توحيد ألمانيا وخصوصاً بين المهجرين، وهو الأمر الذي أثار حساسيات تجاههم على أساس أنهم يأخذون فرص العمل من الألمان حسب اعتقاد الكثير منهم.
أما المشكلة الرئيسية الأخرى التي تواجه الاندماج فتتمثل في زيادة عدد الأتراك الذين يأتون إلى ألمانيا ويعيشون في مناطق تشبه بيئتهم المحلية في وطنهم الأصلي. وهو الأمر الذي ينعكس سلبيا على عملية الاندماج عند الأطفال كونهم يعيشون في ظل عادات وتقاليد تركية بحته. ومن أجل تفادي هذه المشكلة يقول الدكتور أرهارت كورتنغ مفوض شؤون الاندماج في ولاية برلين إن حكومة الولاية سنقوم اعتباراً من السنة القادمة بتسجيل الطلاب من عمر 5 – 6 سنوات في المدارس مجاناً". أما الهدف من ذلك حسب كورتينغ فهو تعليمهم الألمانية لكي يتقنوها بجانب اللغة التركية. وأوضح كورتينغ أن المشكلة اجتماعية حيث يوجد 20 بالمائة من أبناء المهاجرين لا يحملون شهادة مدرسية. ومما يعنيه ذلك إنهم لا يتقنون الألمانية، ولن يتمكنوا على ضوء ذلك من الحصول على عمل في مجتمع عصري وتقني كالمجتمع الألماني. ويضاف إلى الصعوبات السابقة مشكلة أخرى هي أن الشباب الأتراك لا يتزوجون من تركيات مقيمات في ألمانيا بسبب العادات والتقاليد التي تحتم على الشاب الزواج من قريبته المقيمة في وطنه الأصلي. وبهذا يزداد الأمر تعقيداً على طريق الاندماج لأن التركيات غير المقيمات في ألمانيا لا يعرفن اللغة والعادات والتقاليد الألمانية.
إلصاق تهمة الإرهاب بالمسلمين
منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول شهد عدد المسلمين في ألمانيا بمن فيهم القادمين بغرض الزيارة إليها بعض التراجع مقارنة بالسنوات التي سبقت هذه الأحداث. ويعود السبب في ذلك إلى أسباب عديدة مثل تشديد إجراءات الدخول خوفا من قيام متشددين إسلاميين بأعمال مخلة بالأمن كما يقول الدكتور فيرنر شيفاور، رئيس قسم مقارنة الثقافات وعلم الانثربولوجيا الاجتماعية في جامعة فرانكفورت. وواكب ذلك قيام بعض قطاعات الإعلام الغربي بدور كبير في إلصاق " تهمة الإرهاب " بالمسلمين. ونتج عن ذلك كما يقول الدكتور شيفاور عزلة المهجرين المسلمين عن المجتمع الألماني وعدم قدرتهم على التوافق معه.
ومنذ إعلان ما يسمى الحرب على الإرهاب أصبح المسلمون في المساجد وغيرها مشتبه بهم وكأنهم من أتباع القاعدة بغض النظر عن مدى انفتاحهم وبعدهم عن مفهوم التطرف على حد تعبير الأستاذ أيمن مزيك، المدير العام للمجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا. أما الدكتوره بثينة شعبان ، وزيرة المغتربين فترى إن أحداث 11 سبتمبر/ ايلول أثرت كثيراً في طريقة التعاطي مع المسلمين، فقبل هذه الأحداث لم يكن ينظر للمسلم على أنه متطرف أما الآن فبات ينظر إليه وكأنه خطر على الغرب. وترى الدكتورة شعبان إن المشكلة بعد عملية 11 سبتمبر/ ايلول تكمن في تصوير المسلمين على أنهم إرهابيين وإدراج قضية فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي وكأنهما جزء من معالجة قضية الإرهاب. "أصبحت السحنة السمراء تهمة واللغة العربية في القطارات وقراءة جريدة عربية تهمة " على حد تعبير شعبان والتي تجدها مشكلة كبيرة يجب على الغرب التفكير بها وأخذها بروح المسؤولية.
الصورة النمطية عن المسلم عززت من عزلته
حتى مطلع الستينات لم يكن في ألمانيا سوى أعداد محدودة من المهاجرين المسلمين. وكان المواطن الألماني العادي ينظر إليهم أما نظرة مشوهة أو مثالية. وفي الحالتين كانت هذه النظرة لا تمت للواقع بصلة بسبب انحصار معرفته للعالم العربي بقصص المغامرات التي ألفها كارل ماي أواخر القرن التاسع عشر عن رحلاته الخيالية في بعض البلدان العربية الإسلامية كما يقول الأستاذ عصمت أميرلاي رئيس الجمعية السورية الألمانية. والمعروف عن ماي أنه لم يغادر وطنه بل اختلق قصصه وهو قابع في السجن. ومع أنها خيالية إلا أنها تضمنت وصف أخاذ لعادات وتقاليد المجتمع الإسلامي واستند إلى معلومات الرحالة اللذين نقلوا تجربتهم وانطباعاتهم في تلك البلدان. في النصف الأول من ستينات القرن المنصرم لم تكن مشكلة الاندماج موجودة ولم يكن يشعر المسلم بأي تمييز كأجانب غرباء عن ألمانيا. السبب كما يقول أميرلاي هي " محاكاة عادات وتقاليد المجتمع الجديد إلى درجة الذوبان به والتفاعل مع التطورات السياسية والمتغيرات الاجتماعية والنقاشات الفكرية والثقافية والموضة السائدة والثورة الجنسية التي كانت تعصف بشباب أوربا الغربية". أما الآن فقد تراجعت وتيرة اندماج المسلمين في مجتمعاتهم الغربية بسبب نظرة الغرب للمسلم على أنه غريب. وسبب ذلك هجرة جديدة للمسلم هي أشبه برحلة في جذور الذات بحثاً عن جوانب إنسانية وثقافية معينة.
خطط مستقبلية لإدماج المسلمين في المجتمع الألماني
نظراً لارتفاع عدد المسلمين في ألمانيا تشير المعطيات إلى أن قسما كبيرا من السكان الألمان سيكون لديهم خلفية إسلامية في المستقبل المنظور. ولمساعدة المهاجرين على التأقلم في المجتمع الألماني تقوم الجهات المعنية وتحديداً في فرانكفورت كما يقول الدكتور البريخت ماغن، رئيس لجنة اندماج الأقليات في فرانكفورت بتقديم النصائح للطلاب في المدارس على أننا لا نحاول اقتلاع الناس من جذورهم بل إدراك أننا نعيش في مجتمع متعدد الثقافات. كما أنه في كل عام يقام معرض للتعريف بالثقافات الأخرى بهدف التقليل من الحوادث. إضافة إلى وجود مركز ثقافي مختص يعمل مع العلماء لإعطاء معلومات عن الأقليات الدينية الموجودة. غير أن أهم الخطوات التي يجب إتباعها لضمان اندماج المسلمين في ألمانيا كما يقول الدكتور كورتنغ هي اعتبار تعلم اللغة الألمانية إلزاميا إضافة إلى معرفة القوانين والثقافة والقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. أما بالنسبة لأئمة المساجد فسيتم التواصل معهم على شكل ندوات في برلين والتي تشهد كل عام ملتقى إسلامي هناك.
من جهتها أكدت الدكتور شعبان على أن أفضل طريقة للاندماج هي قبول الغرب للمسلمين على أنهم جزء ثقافي منه ومصدر غنى له، وعلى القوانين والحكومات الغربية تفهم ثقافة الإسلام لإنه لديه الكثير مما يغني الإنسان في الشرق والغرب.