الانتخابات العراقية و نظرة عراقيي المهجر إليها
بدأت في العراق صباح اليوم أول انتخابات حرة منذ عقود. وقد توجه الناخبون العراقيون إلى مراكز الاقتراع بالرغم من توارد الأنباء عن حصول هجمات وعمليات تفجيرية في مراكز الاقتراع في مناطق متفرقة في بغداد. فقد فجر انتحاري نفسه صباح اليوم في طابور من المقترعين في أحد مراكز الاقتراع شرقي بغداد مما أسفر عن مقتل ستة أشخاص، كما وردت أنباء عن هجمات أخرى في البصرة وبعقوبة والموصل. وفي مدينة سامراء توقفت العملية الانتخابية برمتها بسبب انعدام الأمن.
الكثيرون في ألمانيا عبروا عن دهشتهم لإجراء الانتخابات في مثل هذه الظروف. فقد عبر أحدهم تعليقا على أجواء الانتخابات في العراق قائلا: " ما الذي يجبرني على الذهاب إلى مكان أشعر أنني لن أعود منه حيا، حتى لو كان ذلك يعني ممارستي لحق الانتخاب والمشاركة في صنع ملامح مستقبل بلادي وأبنائي". وعلى هذا الأساس كانت الظروف التي هيأتها السلطات الألمانية للناخبين العراقيين في مراكز الاقتراع في أربع مدن ألمانية مثالية، فقد بدا عدد كبير منهم بالتوافد منذ يوم الجمعة إلى مراكز الاقتراع، وفي الوقت ذاته توافد العراقيون في 14 دولة إلى الإدلاء بأصواتهم في 76 مركزا انتخابيا، تشرف عليها منظمة الهجرة الدولية العالمية التي عملت على تنسيق وتنظيم عملية تسجيل العراقيين ليصل عدد المسجلين بالنهاية إلى ما يقارب 280 ألف شخص، سجل منهم في ألمانيا وحدها قرابة 27 ألف ناخب. وقد تم توزيع الناخبين المسجلين حسب أماكن إقامتهم على أربع مراكز انتخابية هي برلين، ميونخ، مانهايم وكولونيا.
وبدأ مركز اقتراع كولونيا الواقع في منطقة "اوسندورف" باستقبال ما يقارب 7500 مقترع على مدى ثلاثة أيام. كانت أجهزة الأمن الألمانية هناك على أعلى درجات اليقظة والحذر في محاولة منها لضمان سير العملية الانتخابية في ظروف جيدة. ولم يسمح لأي شخص، منتخبا كان أم صحفيا، من دخول مركز الاقتراع إلا بعد تفتيش دقيق وكأن المركز عبارة عن قاعدة عسكرية. ولم ترد حتى لحظة كتابة هذا التقرير أية معلومات عن تجاوزات في المراكز الانتخابية الألمانية.
نشاط مكثف لمعارضي الانتخابات
على بعد 250 مترا من مركز الاقتراع تجمع عدد من أعضاء الحزب الشيوعي العراقي تحت لافته كبيرة كتب عليها "لا للإرهاب الإسلامي، لا للإرهاب الأمريكي". وقد حاول هؤلاء من خلال توزيعهم منشورات باللغتين العربية والكردية تحت عنوان"سيناريو الانتخابات، مشروع الخداع يجب مقاطعته" إقناع الناخب العراقي بالعدول عن رأيه، فهم يصفون هذه الانتخابات بالسيناريو الذي يهدف إلى إدامة المسار الرجعي والاحتلال، الأمر الذي يجعل من الساحة العراقية ميداناً لسباق إرهابي بين الإسلام السياسي وأمريكا على حد تعبيرهم. استيره محمد فاتح ممثلة منظمة حرية المرأة العراقية أعلنت عن مقاطعة منظمتها لهذه الانتخابات، لأنها تعتقد أن نتيجة الانتخابات محسومة من قبل وأن الحكومة القادمة قد تم اختيارها منذ زمن من قبل القيادة الأمريكية، ولكنها أضافت: "إذا كنت على خطأ في اعتقادي هذا، فاني متخوفة من أن تأتي الانتخابات لنا بحكومة إسلامية عشائرية تعمل على تقييد حريات المرأة وحرمانها من حقوقها الطبيعية"، مشيرة في الوقت ذاته إلى حاجة المجتمع العراقي إلى حكومة علمانية لا إسلامية في الوقت الحالي.
حضور واسع من قبل الأكراد
في ظل مقاطعة العديد من الأحزاب والجهات العراقية للانتخابات يلحظ المرء الحضور القوي من قبل الأكراد، الذين أتوا إلى مراكز الاقتراع باللباس الكردي التقليدي، حاملين أعلام كردية ليعبروا عن فرحتهم بهذا اليوم بعد سنوات طويلة حرموا فيها من حق الانتخاب الديموقراطي في بلادهم واختيار الحكومة المركزية في بغداد. ويرجع احد المشرفين على الانتخابات ذلك إلى ارتفاع عدد الأكراد المقيمين في ولاية وستفاليا- شمال الراين، هذا بالإضافة إلى وجود قدرمن التنظيم بين أبناء الجالية الكردية في ألمانيا، فهم يأتون على شكل جماعات كبيرة إلى مركز الاقتراع، بينما يأتي أبناء الطوائف الأخرى بشكل فردي أو على شكل مجموعات صغيرة.
آمال و تطلعات نحو المستقبل
أعرب العديد من أبناء الجالية العراقية في حديثهم إلى موقعنا، عن أملهم في أن تؤدي هذه الانتخابات إلى إرساء حياة ديموقراطية حقيقة في العراق. هشام أمير أحد المراقبين في مركز كولونيا الانتخابي اعتبر أن الانتخابات تمثل تجربة رائدة ونقطة تحول في حياة العراقيين بعد أكثر من 50 عاما من غياب نظام ديموقراطي عن بلادهم. كما وأعرب عن أمله "أن يؤدي إيجاد حكومة منتخبه إلى إحلال الأمن والنظام خاصة بعد تصاعد الأعمال الإرهابية في العراق." أما بخصوص قضية تواجد القوات الأجنبية على ارض العراق، فيرى العديد من أبناء الجالية أن تواجد هذه القوات يعد ضروريا خاصة في هذه المرحلة الحرجة والتي يعاني العراق فيها من مشاكل أمنية واقتصادية وعسكرية، إلا أن البعض الأخر يرى أن جزءا كبيرا من هذه المشاكل سيزول برحيل هذه القوات. ويعتبر هشام أمير الانتخابات بمثابة الخطوة الأولى نحو رحيل القوات الأجنبية، إلا انه أضاف أن "هناك العديد من العوامل التي يجب أن تأخذ بالحسبان ومنها القدرات العسكرية والسياسية والاقتصادية للعراق في الوقت الراهن، هذا بالإضافة إلى توفر الأمن والنظام والحريات المختلفة. "
طارق النتشه