الاقتصاد الألماني يتأرجح بين ضعف النمو ومعوقات الإصلاح
أفادت معاهد البحوث الاقتصادية الرئيسية في ألمانيا أن نمو الاقتصاد الألماني سيكون أقل من المتوقع خلال هذا العام. وجاء في التقرير الذي قدمته المعاهد اليوم إلى حكومة المستشار شرودر أن النسبة ستكون بحدود 0.7 فقط مقابل 1.6 بالمئة خلال العام الماضي. وتوقع تقرير المعاهد تحقيق نسبة نمو بحدود 1.5 بالمئة خلال العام القادم 2006. وإضافة إلى تراجع نسبة النمو عبر التقرير عن الخشية من استمرار ألمانيا في خرق شرط معاهدة الاستقرار النقدي الأوروبية. وينص هذا الشرط على لزوم بقاء عجز الميزانية دون مستوى 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. يجدر ذكره أن ألمانيا خرقت هذا الشرط ثلاث سنوات متتالية حتى الآن.
بطالة عالية رغم أن الشركات بخير
وعلى عكس حالة نسبة النمو جاء في التقرير أن عدد العاطلين سيتراجع إلى نحو 4.8 مليون بدلاً من أكثر من خمسة ملايين وصل إليها هذا العدد في شهر كانون الثاني/يناير الماضي. وخلال العام القادم يتوقع أن يكون العدد بحدود 4.5 مليون عاطل. ويُعتبر هذا رقماً عالياً في بلد كان حتى عهد قريب قدوة للنمو والديناميكية التي جعلت من اقتصاده بمثابة قاطرة لاقتصاد منطقة اليورو. ولعل من الملفت للنظر بقاء عدد العاطلين مرتفعاً رغم استمرار الشركات الألمانية في تحقيق المزيد من الأرباح. ويعزي الخبراء ذلك إلى قيامها بنقل أعمالها وبشكل متزايد إلى الخارج حيث قوة العمل الرخيصة في شرق أوروبا وآسيا وجنوب أمريكا. ولعل هذا ما دفع رئيس الحزب الديمقراطي الاشتراكي (حزب المستشار شرودر) فرانس مونتيفيرنغ إلى توجيه النقد إلى رأس المال الألماني متهماً إياه ومن وراءه الشركات الكبرى في عدم الوفاء بمسؤولياتها الاجتماعية كونها تبحث عن الربح فقط. وسبق ذلك اتهامات قوية وجهها وزير الاقتصاد والعمل فولفغانغ كليمنت إلى البنك الألماني "دويتشه بنك". وطالب كليمنت البنك بالتوقف عن تسريح العمال كون ذلك ليس الوسيلة الوحيدة لتخفيض النفقات على حد قوله. كما طالب الشركات الكبرى الأخرى بالتوقف عن هذه السياسة وتحمل مسؤولياتها تجاه بلدها "الذي احتضنها وكان له الفضل في نجاحها وقوتها."
قبل النمو لا بد من شروط
وزير الاقتصاد والعمل الألماني فولفغانغ كليمنت لم ير في التقرير فشلاً لحكومته وإنما تأكيد على ضرورة متابعة الإصلاحات التي بدأتها. ويأتي في مقدمتها إصلاح سوق العمل الذي ما يزال يعاني من عب ارتفاع الأجور وتكاليف قوة العمل المحلية. ولم يغيّر من جوهر ذلك ما جاءت به إصلاحات هارتس 4 التي خفضت الإعانات الاجتماعية وقصرت فترة التعويضات بالنسبة للعاطلين عن العمل. وذكر كليمنت أن معطيات التقرير تُظهر عودة الانتعاش ولو بشكل بطيء وتدريجي. ومما يعنيه ذلك سد ثغرات النمو القائمة حالياً في النصف الثاني من هذا العام شريطة تنفيذ ما جاء في قمة العمل الأخيرة دون تأخير. وخلال هذه القمة التي عقدت بين الحكومة وأقطاب المعارضة تعهد المستشار شرودر بالعمل على تخفيض ضرائب أرباح الشركات من 25 إلى 19 بالمئة. كما تعهد باستثمار عدة مليارات إضافية من اليورو في البنية التحتية بهدف تحفيز الطلب وتخفيض عدد العاطلين عن العمل.
طريق الإصلاح الصعب
وحسب تقرير المعاهد الست ما يزال الاقتصاد الألماني يعاني من ضعف بنيوي يستلزم استكمال عملية الإصلاح بحيث تشمل قوانين العمل والبيروقراطية المعقدة إضافة إلى النظام الضريبي بشكل أعمق وأوسع. وعلى ضوء ذلك دعا التقرير إلى دفع عجلة الإصلاح من أجل إعادة روح الديناميكية إلى الطلب وسوق العمل. غير أن الرأي العام الألماني لا يعتقد أن حكومة المستشار شرودر ستنجح في دفع العجلة المذكورة بالسرعة المطلوبة. ولعل من أسباب ذلك عدم قدرتها على وضع برنامج إصلاحي أكثر راديكالية خوفاً من فقدانها لشعبيتها ومعارضة النقابات. يضاف إلى ذلك أن المعارضة لن تمرر قوانين إصلاحية لا تتوافق مع سياستها انطلاقاً من قوتها في البرلمان وسيطرتها على أغلبية الأصوات في مجلس الولايات " بوندسرات". وعلى ضوء ذلك فإن بامكانها إفشال إي قانون يحتاج لتصويت المجلس إذا لم يحظ بتأييدها. وهذا ما حدث مثلاً خلال تمرير قانون هارتس 4 وقانون الهجرة. فالحكومة الحالية لم تستطع تمريرهما قبل ضمان تأييد حزبي المعارضة الرئيسيين، الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الاجتماعي المسيحي.
د. ابراهيم محمد