الاشتباه في فلول أجهزة خاصة للرئيس المخلوع بزرع الفوضى
١٥ يناير ٢٠١١بعد يومين من الإطاحة بحكم الرئيس زين العابدين بن علي ما تزال تونس تتلمس السبل من أجل تجاوز حالة الانفلات الأمني التي تشهدها عدد من مدن البلاد، وكان أسوأها اندلاع حرائق وعمليات هروب جماعي لسجناء، وخلفت عشرات القتلى. ونقل شهود عيان لدويتشه فيله تفاصيل عن عمليات اعتداء على الممتلكات والأشخاص، فيما تتجه الشكوك إلى فلول من بقيا الأجهزة الخاصة للرئيس المخلوع.
وقد فسر مسؤولون في الحكومة والجيش في تونس حالة الانفلات الأمني في البلاد نتيجة "تواصل عمليات النهب والسطو والتعدي على الممتلكات العامة والخاصة" وقال محمد الغنوشي الوزير الأول المكلف، بإن إعادة الأمن إلى تونس هو "أولويّة الأولويّات" وأنّه "تمّ إصدار التعليمات بتحرك الجيش والحرس الوطني والشرطة" لإعادة الأمور إلى نصابها. وأشار في تصريح رسمي إلى أن الأمن "يكثّف من الدوريات للتصدي لهذه العمليات والمواطن يجب أن يعاضده" داعيا المواطنين إلى تشكيل "مجموعات" من الأفراد لحراسة منازلهم وممتلكاتهم.
ومن جهته توقع مصدر أمني تونسي رفيع المستوى طلب عدم ذكر اسمه في تصريح لدويتشه فيله أن تتمكن قوات الجيش والشرطة والحرس من إعادة الأمن والهدوء الكامل إلى البلاد خلال يومين على أقل تقدير. وكان الجيش قد بسط ليلة الجمعة سيطرته على أمن المدن في تونس إثر إعلان فرض حالة الطوارئ.
عصابات تخريب ونهب تثير الرعب
وقد نقلت مصادر رسمية في تونس اليوم عن مسؤول أمني قوله أنه "تم التفطّن إلى وجود عصابات تخريب ونهب لإثارة الرعب لدى المواطنين وتمّ القبض على العديد من أفراد هذه العصابات من أجل استئصالهم نهائيا". وأشار المصدر إلى "بداية تحسن ملموس في الأوضاع الأمنية" بعد أن تدخّل الجيش ودعا "كل المواطنين إلى التحلي باليقظة والتجنّد مع قوات الأمن والجيش لحماية أنفسهم وممتلكاتهم".
وقد تجاوب المواطنون التّونسيون مع هذه الدعوة، وقال الصّحافي وشاهد العيان مراد البرهومي لدويتشه فيله إنّ سكّان أحياء العاصمة تونس كوّنوا "لجان'' حراسة يقودها شبان مفتولو العضلات مسلّحين بالهراوات والسكاكين للتصدّي للعصابات التي تهاجم المنازل والمحلات وتخرّبها بعد نهبها مروّعة الأهالي. البرهومي الذي جاب بعض أحياء العاصمة تونس بعد بدء سريان حظر التجوّل أوضح أنّ عناصر هذه اللجان تحمل شارات بيضاء حتى تفرقها قوات الجيش والأمن عن العصابات الإجرامية وأنّهم وضعوا الحجارة والحاويات في طرقات الأحياء حتى يمنعوا سيارات العصابات من اقتحام أحيائهم.
وذكر التلفزيون التونسي الرسمي أنّ الشرطة والجيش اعتقلت "عصابات" من البلطجيّة مؤلّفة من شبان يسكنون في مناطق داخل تونس وتنقّلوا إلى عاصمة البلاد على متن سيارات استأجروها ثم ملؤها بما سطوا عليه من "غنائم". القنوات التلفزيونية التونسية تحولت إلى منابر يطلق عبرها المواطنون نداءات استغاثة إلى قوّات الجيش والأمن طالبين الحماية من "عصابات" مسلّحة بالهراوات والسكاكين والسّيوف تقتحم المنازل والمحلات وتنهب كل ما تطاله أيديهم.
إعتقال مشتبهين وحجز أسلحة
وأبلغ النّقابي وشاهد العيان محمد الفاضل "دويتشه فيله" أنّ الجيش حجز قرب مدينة "منزل بوزيّان'' التّابعة لمحافظة سيدي بوزيد (وسط غرب تونس) سيارتين رباعيتي الدفع ولا تحملان لوحات محمّلتين بكميات من السلاح وتقودهما عناصر من الأمن الشخصي للرئيس الهارب زين العابدين بن علي. وقال إن قوات من الجيش أبلغت سكان المدينة أنه لا تزال هناك سيارتان اثنتان من نفس هاربتان تتولى وحدات من الجيش مطاردتهما في منطقة قريبة من المدينة وأن سكان منزل بوزيان تجنّدوا لإيقاف السيارتين والقبض على سائقيها.
وتوالت الأنباء الواردة من عديد المناطق التونسية حول إلقاء الجيش القبض على عناصر بعضها مسلّح وتتنقل على متن سيارات خاصة مجهولة الهوية تحمل وتابعة للأمن الرئاسي للرئيس المخلوع وتورّطت في أعمال تخريب ونهب. وأعلن مسؤول بوزارة العدل التي تشرف على سجون البلاد في تصريح للتلفزيون التونسي الرسمي مقتل 42 من نزلاء سجن المنستير (150 كيلومتر شرق العاصمة تونس) حرقا واختناقا بعد أن أضرموا النار في الحشايا التي ينامون عليها داخل الزنزانة في محاولة منهم للهروب فيما قالت مصادر طبية لدويتشه فيله إن عدد القتلى تجاوز الخمسين.
وفي القصرين (شمال غرب تونس) التي سقط فيها أعلى عدد من القتلى برصاص الأمن منذ اندلاع ما بات يعرف بـ"انتفاضة" تونس، قال شهود عيان لدويتشه فيله إن المئات من المساجين فروا من سجن المدينة الذي تصاعدت منه أعمدة الدخان. وذكرت تقارير إخبارية أن نفس المشهد تكرّر في سجني نابل والمهدية (جنوب العاصمة).
أزمة وقود
وباتت محطات الوقود عاجزة عن تزويد السيارات بالبنزين بعد أن طالتها أعمال النهب والتخريب وغابت "الظروف الأمنية اللازمة لضمان حسن التزويد وسلامة المستهلكين" حسبما أعلنت وزارة الصناعة التي تشرف على قطاع الطاقة في البلاد. وذكرت الوزارة في بيان رسمي أن شركات توزيع البترول في تونس قامت بـ"التنسيق" مع الأمن والجيش لتأمين محطات الوقود وضمان سلامة شاحنات نقل البترول قائلة:"وتجري حاليا عملية التزويد لاسيما على مستوى المحطات التي تشهد طلبا مكثفا للمواد البترولية".
الاشتباه في "الحرس القديم"
ويتهم سكان ومعارضون قوّات الأمن الشخصي للرئيس الهارب بترتيب كل الأعمال الإجرامية "المنظّمة" في البلاد من تخريب وحرق المحلات والمنازل والسجون ومقار الهيئات الحكومية...وذلك بتعليمات من بن علي الذي يقول معارضون إنه اتبع سياسة "الأرض المحروقة" قبل سقوط نظامه.
كما يتهمون "ميليشيات مأجورة" من حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم بتنفيذ هذه "الجرائم" فيما يقول آخرون إن جماعات من المنحرفين والبلطجيّة والعاطلين (مسلحين بالعصي والسيوف والسكاكين) استغلت الظرف وانخرطت في هذه الأعمال الإجرامية لجني بعض "الغنائم". ولم يتسن الحصول على رد من مسؤولين في حزب الرئيس المخلوع، حول هذه الاتهامات.
منير السويسي – تونس
مراجعة: منصف السليمي