"الاحتجاجات في إيران ليست موجهة ضد نظام الجمهورية الإسلامية"
٢٢ يونيو ٢٠٠٩ما يزال التوتر يسود شوارع العاصمة طهران، ولا تزال الأنباء تتوالى عن مقتل المتظاهرين أو إلقاء القبض على من تصفهم السّلطات الإيرانية بالمشاغبين، الأمر الذي يدفع المراقبين والمحلّلين إلى الحديث عن أزمة سياسية تعدّ الأكبر في إيران منذ اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979. فهل يعيد التاريخ نفسه وتقف إيران على عتبة تغيير كبير من خلال هذه المظاهرات والصدامات المتكرّرة كما حدث قبل ثلاثين عاما؟ وهل يمثل المرشّح الإصلاحي مير حسين موسوي، والذي خسر في الانتخابات الرئاسية، البديل الديمقراطي للرئيس الحالي؟ وهل لعب الغرب دورا في تأجيج نار التوتّر في شوارع طهران؟ للإجابة على هذه الأسئلة وتسليط مزيد من الضوء على تشعّبات الوضع الإيراني المتوتّر أجرى موقعنا لقاء مع فالتر بوش (Walter Posch)، الخبير النمساوي في الشؤون الإيرانية في معهد أبحاث الأمن وإدارة الأزمات في أكاديمية الجيش النمساوي في فيينا.
هل ينجح النظام في إخماد صوت الشارع؟
في الوقت الذي يتوقّع فيه خبراء ومراقبون تصعيد الوضع في إيران في ظلّ استمرار المظاهرات الشعبية المؤيّدة لزعيم المعارضة مير حسين موسوي والطّاعنة في نتائج الانتخابات، يرى فالتر بوش أن تصعيد الأزمة أو انفراجها يتعلّق بمدى كيفيّة تعامل الحكومة مع المُظاهرات، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن التطوّرات الأخيرة قد أظهرت أن محاولة إخماد المظاهرات الشعبية بالقوّة قد أدّت إلى تأجيج حدّة الاحتجاجات وقد يصعّد تشديد الخناق على المتظاهرين من حدّة التوتّر. ويتوقّع الخبير النمساوي ألاّ تقتصر المظاهرات الشّعبية على المطالبة بإعادة الانتخابات فحسب وإنّما قد تأخذ منعرجا آخر، من شأنه أن يحدّد مصير البلاد والمسار السياسي للجمهورية الإسلامية.
ويقول بوش إنّ القوّة الوحيدة التي بإمكانها السّيطرة على الوضع وتحديد مصير هذه المظاهرات الشعبية تتمثّل في شخص مير حسين موسوي مشيرا في الوقت نفسه إلى أن أمام هذا الأخير خياران "إمّا أن يحاول تهدئة الوضع ويتخلّى عن كلّ شيء، أو أن يصرّ على تمثيل المطالب الشّعبية، وقد يؤدّي ذلك إلى تكتّل القوى الراديكالية ضدّه وبالتالي تصعيد التوتّر". كما يتوقّع بوش أن يحاول النّظام إيجاد أيّ فرصة لإجبار موسوي على التخلّي عن تعبئة الجماهير ضدّ الرّئيس الحالي محمود أحمدي نجاد وبالتالي إخماد صوت هذه الحركة الشعبية.
بيد أنّه أشار في الوقت نفسه إلى أن ذلك قد يزيد من الطّين بلّة وقد يوسّع من دائرة المحتجيّن، الذين قد ينحون باللاّئمة على النظام لأنّه أخمد صوتا معتدلا دعا إلى نبذ العنف وإلى التظاهر سلميا. ولكنه من المستبعد أن ينسحب موسوي من دائرة الضوء، خاصّة وأنّه قد أكّد أكثر من مرّة أنّه لن يصمت وأنّه سيواصل المظاهرات الاحتجاجية.
موسوي - البديل الديمقراطي؟
ومع دخول اخطر أزمة تشهدها الجمهورية الإسلامية منذ قيامها أسبوعها الثاني يرى محللون بان المطروح هو إعادة النظر في نظام الجمهورية الإسلامية وأسسها كما وضعها آية الله الخميني، غير أن فالتر بوش يستبعد أن تؤدّي هذه المظاهرات الشعبية إلى زعزعة النظام الإسلامي في إيران. وأشار إلى أن موسوي في حدّ ذاته كان من أتباع التيّار الإسلامي اليساري قبل أن ينضم في التسعينيات إلى التيّار الإصلاحي، الذي يُعدّ من أتباع ومؤيّدي النظام والجمهورية الإسلامية في إيران، وعليه فإن المظاهرات الاحتجاجية التي يقودها موسوي ليست موجّهة ضدّ النظام في حدّ ذاته أو إنّما تعكس رفضا لبعض المواقف السياسية.
ويقول فالتر بوش إن هذه التطوّرات الأخيرة "تعكس مساعي تيار سياسي في إيران لتحديد مصير الإرث، الذي تركته الثّورة الإسلامية" وعليه فإن النزاع سيتركّز حول المسار الذي ستتخذه إيران في المستقبل، وما إذا كان هذا المسار سيجنح بها نحو الدكتاتورية الشمولية التي تنعدم فيها الحُريّات، أم يقودها إلى تطوير الإرث الجمهوري الذي تستند إليه. وأشار الخبير النمساوي في الشؤون الإيرانية إلى أنّه من خلال فوز أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية - بطريقة شرعية أو غير شرعية- فإن ذلك قد يحيد بإيران عن المسار الذي رسمته لها الثورة الإسلامية في عام 1979 ويقودها إلى نهج إسلامي راديكالي بحت قد لا يسمح بالتعدّدية السياسية وهو ما قد يصب فيما يسمّى بـ "الحكم أو السّلطة الإسلامية"، بحسب رأيه.
وعلى الرّغم من أن تاريخ موسوي لا يُعدّ "ناصع البياض"، خاصة وأن فترة توليّه رئاسة الحكومة في الثمانينات (1981 - 1989) شهدت مقتل العديد من المعارضين السياسيين، إلاّ أن البعض، على غرار فالتر بوش، يرى فيه البديل الديمقراطي للرئيس الحالي أحمدي نجاد وللمُرشّحين الآخرين، اللذين دخلا في منافسة للفوز بمنصب الرّئاسة.
هل للغرب يد في إيران؟
على صعيد آخر، نفى الخبير النمساوي الاتهامات التي كان وجّهها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والمرشد الأعلى آية الله خامنئي إلى عدد من الدّول الغربية على غرار الولايات المتّحدة وبريطانيا في إشعال فتيل التوتّر في إيران، رافضا في أن يكون للغرب صلة في تصعيد التوتّر في البلاد. وقال "إن الغرب قد فوجئ بردّة فعل الشارع الإيراني عقب ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية". ولفت إلى أن هناك بعض الجهات الغربية التي تدعم بعض الجماعات المعارضة والتي تعيش في الخارج، ولكنّه شدّد في الوقت نفسه على عدم تدخّل أي جهات رسمية في الولايات المتحدة أو في أوروبا في الشؤون الداخلية الإيرانية.
الكاتبة: شمس العياري
تحرير: هيثم عبد العظيم