الاتفاق التركي الأوروبي حول اللاجئين بين النظرية والتطبيق
١٩ مارس ٢٠١٦يهدف الاتفاق الذي أبرم بين الاتحاد الأوروبي وتركيا يوم أمس الجمعة إلى الحد من تدفق المهاجرين على أوروبا، مقابل امتيازات مالية وسياسية. لكنه قد ينهار في غضون أشهر نظرا لعدم قدرة الطرفين فيما يبدو على الوفاء بالالتزامات.
وتبادل رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك ابتسامات الارتياح أمس الجمعة بعد أن توصلا لاتفاق تستعيد بموجبه أنقرة جميع المهاجرين واللاجئين الذين يعبرون إلى اليونان بطريقة غير نظامية، مقابل المزيد من الأموال والموافقة بشكل أسرع على سفر الأتراك لدول الاتحاد دون تأشيرات وتسريع طفيف لمحادثات عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي.
مهمات تركية المرتقبة
لكن لكي تتمكن تركيا من وقف تدفق المهاجرين على أوروبا فستحتاج إلى عملية إعادة انتشار كبيرة لأجهزتها الأمنية للقضاء على عمليات تهريب البشر المربحة في وقت يرى فيه الرئيس رجب طيب إردوغان أولويات أخرى أكثر إلحاحا.
وفي توقيت حالفه الصواب أعلنت السلطات التركية أنها اعتقلت ثلاثة آلاف من المهاجرين المحتملين أمس الجمعة لكن مسؤولين يونانيين يقولون إن أنقرة لم تفعل شيئا يذكر لوقف تدفق المهاجرين منذ نوفمبر تشرين الثاني عندما أبرم الاتحاد الأوروبي وتركيا اتفاقا أوليا.
لكن أردوغان بات أكثر تركيزا على توسيع سلطاته الرئاسية ومحاربة المسلحين الأكراد ومنع اتساع نطاق الحرب في سوريا.
صعوبات اليونان
ولكي تكون اليونان قادرة على إعادة أولئك المهاجرين الذين يستمرون في الوصول إلى جزرها تحتاج إلى تعديل في نظم غير فعالة للجوء والعدالة، في ظل موارد شحيحة ومساعدات غير مؤكدة من الاتحاد الأوروبي. وترى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن نظام أثينا ضعيف للغاية مما دفعها للحكم بأن إرسال المهاجرين من البلدان الأوروبية الأخرى إلى هناك غير إنساني.
ومع ذلك من المفترض أن تبدأ الترتيبات الجديدة غدا الأحد، على أن تعود أول مجموعة في الرابع من أبريل/ نيسان.
ولكي يتمكن الاتحاد الأوروبي من إعادة التوطين، بعد أن تعهد بإعادة توطين آلاف اللاجئين السوريين بشكل قانوني مباشرة من تركيا – لاجئ واحد مقابل كل سوري عاد من الجزر اليونانية- ستحتاج غالبية الدول الأعضاء إلى استقبال لاجئين أكثر مما كانت تريد حتى الآن. وفي ظل المناخ الشعبوي الحالي المناهض للهجرة في العديد من البلدان فقد تكون المهمة عسيرة.
ولم يوضح البيان المشترك من الذي سيقوم بإعادة المهاجرين ربما غير الراغبين في المغادرة من اليونان إلى تركيا، وهي مهمة قد تقع على عاتق وكالة حماية حدود الاتحاد الأوروبي (فرونتكس) تحت أنظار وسائل الإعلام والمنظمات الإنسانية. ويقول مسؤولون يونانيون إنهم يشعرون بالقلق من أن تتحول المهمة إلى أعمال عنف.
وقد تؤدي صور عمليات إعادة لاجئين أفغان أو عراقيين أو سوريين ضد رغبتهم إلى تركيا إلى انتقادات دولية. وفي دلالة منذرة نشرت منظمة العفو الدولية صورة مروعة للاجئين يرتعدون وراء أسلاك شائكة خارج مركز انعقاد قمة الاتحاد الأوروبي ويحملون شعارا يقول "لا تتاجروا باللاجئين. أوقفوا الاتفاق!"
تحديات لوجستية
وتواجه اليونان بالفعل تحديا لوجستيا ضخما مع تكدس 43 ألف مهاجر في البلاد منذ أن أغلق جيرانها في الشمال الحدود ومع استمرار وصول آخرين يوميا وإن كان بوتيرة أبطأ. وكان كل هذا العدد قبل طقس الصيف عندما تكون البحار أكثر هدوءا وهو ما يسر التدفق الشامل للاجئين في العام الماضي.
ولكي يمنح الاتحاد الأوروبي الأتراك حق السفر دون تأشيرات بحلول نهاية يونيو/ حزيران القادم يحتاج أيضا قفزة في الثقة لأن أنقرة أوفت حتى الآن بأقل من نصف الشروط المطلوبة والبالغ عددها 72. ويؤكد مسؤولون أوروبيون على أن الكرة الآن في ملعب تركيا لإقرار القوانين اللازمة وتغيير نظام التأشيرات الخاص بها مع الدول الأخرى لاسيما تلك القوانين التي تحمل صفات إسلامية.
وتمكن الاتحاد الأوروبي من تجنب حجر عثرة محتمل بشأن قبرص من خلال الموافقة على اقتصار تقدم مفاوضات عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي على مجال واحد وهو الميزانية الذي لا تحظره نيقوسيا.
وأدى ذلك إلى تجنب مواجهة بسبب رفض أنقرة فتح الموانئ والمطارات التركية أمام حركة النقل القبرصية.
ويذكر الاتفاق أنقرة أيضا بالتزاماتها تجاه الاتحاد الجمركي بين تركيا والاتحاد الأوروبي والذي يجب أن تفتح موانئها بموجبه.
وإذا حالف الحظ الجانبين فقد لا تمس قضية قبرص الشائكة اتفاق الهجرة لأشهر مما يتيح الوقت لمحادثات السلام الجارية الآن والتي قد تؤدي إلى إعادة توحيد الجزيرة الواقعة في شرق البحر المتوسط بعد ما يربو على 40 عاما من الانقسام.
ويعتزم قادة الاتحاد الأوروبي اليائسون من وقف فوضى تدفق الهجرة تعليق انعدام الثقة وغض الطرف عن الشكوك القانونية، على الأقل في العلن، لأنهم لا يملكون بديلا أفضل. لكن لا تزال لديهم بعض دواعي القلق.
ميركل تدرك الصعوبات
وقالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي شاركت في هندسة الاتفاق إن الاتفاق قد يواجه انتكاسات وتحديات قانونية كبيرة لكنها عبرت عن أملها في يكون الاتفاق قد حقق "زخما لا رجعة فيه".
وقال توسك الذي ترأس القمة إن الاتفاق أفضل ما يمكن للاتحاد الأوروبي أن يقوم به في الوقت الراهن. وأضاف "ما لا يدرك كله لا يترك جله".
كما أقر مسؤول بارز في الاتحاد الأوروبي بأن "هناك بنودا عديدة في الاتفاق لا معنى لها بشكل واضح... ستترك تفاصيل كثيرة لصياغتها في وقت لاحق على مستوى أدنى". وتقول الرؤية المتفائلة التي عبر عنها وزير الخارجية الهولندي بيرت كوندرز إن قدرا من "التزامن الذكي" يمكن إيجاده بين عملية السلام القبرصية واتفاق الهجرة مع تركيا. ويقول منتقدون إن هذا ما يتمناه الاتحاد الأوروبي.
لا بديل عن الاتفاق
ويعتقد بعض الخبراء أن القادة الأتراك لا يتوقعون أن يفي الاتحاد الأوروبي بتعهده بشأن التأشيرات وإعادة توطين اللاجئين أو محادثات العضوية وأنهم يخططون لتحويل الفشل المتوقع إلى مكاسب سياسية على المستوى المحلي.
وقال مايكل لي العضو البارز في مؤسسة صندوق مارشال الألمانية البحثية والمدير العام السابق بإدارة توسع الاتحاد الأوروبي "يعرف داود أوغلو وأردوغان جيدا أن أيا من الطرفين لن ينفذ". وأضاف لي "ما يريده أردوغان هو تغيير السلطة في الدستور... ومن ثم سيقدم على ذلك في لحظة مناسبة مثل الخيانة الأوروبية ويدعو لاستفتاء للحصول على المزيد من الصلاحيات."
وقال إن الاتحاد الأوروبي على الأكثر قد ينفذ الجزء المالي من الاتفاق إذا دفعت ألمانيا نصيب الأسد من ثلاثة مليارات يورو إضافية (3.4 مليار دولار) تلقت بها أنقرة تعهدات لدعم اللاجئين السوريين في تركيا.
وفي حين تجاهلت ميركل الحديث عن الالتزام بمعايير الاتحاد الأوروبي عندما صاغت اتفاق الإطار مع داود أوغلو الأسبوع الماضي أكد الرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند أنه سيتمسك بالتزام تركيا بتلبية جميع معايير الاتحاد الأوروبي المتعلقة بدخول مواطنيها دول الاتحاد دون تأشيرات.
وقال اولاند للصحفيين "لن يتسنى تحرير التأشيرات إلا إذا تم استيفاء جميع الشروط وأود أن أذكركم أن هناك 72 شرطا." وقال دبلوماسي فرنسي إن تركيا لم تنفذ سوى 10 شروط بالكامل حتى الآن ويجري تنفيذ 26 شرطا.
ويتشكك دبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي في أن أنقرة ستكون قادرة على تلبية جميع المعايير المطلوبة في الوقت المناسب لكن الحاجة الملحة للسيطرة على أزمة الهجرة جعلتهم يفضلون التوصل إلى اتفاق الآن والتعامل مع أوجه القصور في وقت لاحق.
وقال دبلوماسي بارز في الاتحاد الأوروبي "الأمر صعب لكن لدى الجميع مصلحة في محاولة جعل هذا ينجح ولا يوجد لدى أحد خطة بديلة أفضل بديلة.
ح.ع.ح/ف.ي(رويترز)