الإفلات من العقاب.. اختطاف النساء يعود من جديد إلى السودان!
٥ أغسطس ٢٠٢٣قصص اختطاف النساء والفتيات في السودان ليست جديدة، قديمة قِدم النزاعات المسلحة في السودان والتي لم تتوقف منذ عقود، وللحروب ضحايا من المدنيين، وأبرزهم الأطفال والنساء والفتيات.
تقرير منظمة العفو الدولية الذي صدر الخميس (الثالث من آب/ أغسطس 2023) ينقل روايات الضحايا وأقاربهم الذين يقولون إن ميليشيا قوات الدعم السريع والجيش ارتكبوا عنفا جنسيا ضد النساء والفتيات.
"ثقافة الغنيمة والإذلال"
مبادرة القرن الإفريقي لمساعدة النساء المعروفة باسم "صيحة"، أفادت في تقرير لها أن "العدد التقريبي للنساء اللواتي لازلن مفقودات هو 31 وهو قابل للزيادة". وأضافت المبادرة التي تقوم بتوثيق أعداد المفقودين، في بيان أرسل لوكالة فرانس برس: "نعتقد أن العدد أكبر من ذلك بكثير، نظرًا لتجنب التبليغ عن المفقودات خشية من الوصمة وما إلى ذلك". وفي شهر يوليو/ تموز المنصرم تلقّت "صيحة" معلومات قالت إنها "مقلقة وخطيرة" اتهمت أفراداً من قوات الدعم السريع باختطاف نساء وفتيات واحتجازهن كرهائن في مناطق محددة من إقليم شمال دارفور، ثمّ إطلاقِ سراحهنّ ليعدن إلى عائلاتهن مقابل فدية أو ربما لبيعهن لاحقًا في الأسواق، بحسب تخمين الشبكة.
ونُقِل أن المواطنين ناشدوا إطلاق سراح الرهائن وأن المحتجِزين وافقوا على إطلاق سراح الرهائن الإناث مقابل فدية قدرها 30 مليون جنيه سوداني، ثمّ أُعطينَ هواتف محمولة للاتصال بأسرهن في الخرطوم لدفع المبلغ المطلوب. وبعد مزيد من المفاوضات دُفِع ما مجموعه 21 مليون جنيه سوداني، وأطلِق سراح الفتيات الثلاث. وأكد المصدر نفسه للشبكة حدوث واقعة أخرى أطلق فيها سراح رهينة أخرى بعد دفع مبلغ 650 ألفً جنيهٍ سوداني مقابل إطلاق سراحها.
ويبدو أن المال وحده ليس الهدف كما أوضحت سليمى إسحق، مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة لبرنامج DW الإذاعي "السودان الآن" : "الأهداف هي إطالة أمد النزاع وإثارة الفوضى، إشاعة الكراهية العرقية، والإذلال العرقي. والحروب هي ساحة لمثل هذه التصرفات لإذلال الإنسان بشكل عام. وهناك الكثير ممن في السودان يرون فيها ثقافة الغنيمة وليس فيها مشكلة". وترى إسحق أن المشكلة تكمن فيالسودان حيث: "تحكمنا ثقافة الاغتصاب، ونحن دائما ما نجرم الضحية ونبرئ الجاني. ومن الصعوبة على المغتصبات أن يبلغن عن حالاتهن حتى في حال السلم. فما بالكم بوقت الحرب؟. هي جريمة مسكوت عنها مغلفة بالصمت".
كذلك تؤكد الحقوقية والأستاذة بجامعة هانوفر إيمان سيف الدين أن "ثقافة العنف الجنسي خلال الحروب في السودان هي ثقافة طويلة ومتجذرة. فمنذ ثمانينات القرن الماضي جرى استرقاق النساء ونشط حينها عدد من المنظمات الدولية أشهرها منظمة التضامن المسيحي في سويسرا واطلقت عددا كبير من النساء المسترقات".
البحث عن الضحية على مواقع التواصل
موقع مبادرة القرن الإفريقي لمساعدة النساء المعروفة باسم "صيحة" على الفيسبوك ينشر صورا للنساء المختطفات ويترك على كل صورة أرقام هواتف للاتصال في حال العثور على المختطفة. مثل أمل حسن التي غادرت في نهاية أيار/ مايو منزلها في ضاحية غرب الخرطومالكبرى أم درمان لزيارة والدتها في ضاحية بحري شمال العاصمة في رحلة تستغرق 30 دقيقة، ولكنها لم تعد منذ ذلك الحين إلى بيتها وزوجها وأطفالها الثلاثة، كما تنقل وكالة فرانس برس.
وعلى غرار واقعة اختفاء أمل حسن، نشرت أسرة الشابة السودانية سبأ بلولة مختار (17 عاما) صورتها على مواقع التواصل الاجتماعي لطلب المساعدة في العثور عليها، بعد أن فُقدت في حي أمبدة غرب أم درمان في 18 أيار/ مايو ولم تعد إلى أسرتها حتى الآن.
ومنذ اندلاع الحرب في السودان حول السلطة بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، تنتشر على منصات التواصل الاجتماعي صور العديد من الشابات والنساء المفقودات مرفقة بأرقام هواتف عائلاتهن.
وتزيد أعمال العنف التي تستخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة، من احتمال تعرض المدنيين للخطر، فضلا عن اتهام أحد أطراف الصراع باختطاف النساء لأغراض الخدمة.
وأفادت مبادرة "مفقود" السودانية المعنية بالبحث عن المفقودين في بيان مطلع الأسبوع أنه "تم العثور على (السودانية) هبة عبيد وعادت إلى أسرتها سالمة .. بواسطة القوات الخاصة في منزل بالحلفايا (شمال الخرطوم) هي ومعها مجموعة من الفتيات ونساء من كبار السن". وكانت عبيد فقدت في الأسبوع الأول من الحرب.
وأوضح البيان بحسب إفادة أسرة عبيد، بأن الفتيات والنساء "خُطفن من قبل الدعم السريع حتى يقومن بتضميد الجرحى من القوات وطهي الطعام". وتعتقد منظمة صيحة أن "قوات الدعم السريع تقف وراء حوادث الاختفاء"، رغم عدم اتهام قوات دقلو بشكل صريح فيما تلقت المنظمة بلاغات عن مفقودات.
وأوضحت المبادرة الإقليمية أن هذا الافتراض أتى "لأن بعض النساء اللواتي كُنّ مفقودات صرّحن بأنهن أجبرن من قبل قوات الدعم السريع عن طريق العُنف والترهيب على أداء مهام مثل الطبخ وغسل الثياب في ظروف صحيّة وأمنية رديئة". والشهر الماضي، تلقّت المبادرة معلومات تفيد بأن أفرادًا من الدعم السريع "قاموا باختطاف نساء وفتيات واحتجزوهن كرهائن في مناطق محددة من إقليم شمال دارفور، ثمّ ـ أطلق سراحهنّ .. مقابل فدية أو ربما بيعهن لاحقًا في الأسواق".
دارفور وتوثيق الانتهاكات
المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري قالت إنها سجلت "430 بلاغا عن مفقودين أثناء الحرب". وأبلغت عن أسماء رجال ونساء وأطفال مفقودين لمراكز شرطة في ود مدني (200 كلم جنوب الخرطوم) التي استقبلت آلاف النازحين من العاصمة. وقال المحامي بالمجموعة عثمان البصري "حسبما سمعنا من ناجين، يتم الاحتجاز من قبل قوات الدعم السريع".
لكن مصدرا بقوات الدعم السريع نفى لفرانس برس وجود محتجزين لديهم وقال إن "القوات لم تختطف أحدا ولم نحتجز إلا شخصا متورطا في جريمة".
ولفتت مبادرة القرن الإفريقي إلى إقليم دارفور باعتباره بين المناطق التي تأثرت بحالات الاختفاء أو الفقد. حول ذلك تقول الحقوقية والأستاذة بجامعة هانوفر إيمان سيف الدين : "يجب أن أقول إن العنف تجاه النساء يمضي من دون توثيق، وفي دارفور جرى اغتصاب أعداد هائلة من النساء في كل الإقليم وجرى أخذهن كسبايا واسترققن لفترات طويلة والآن تعود الممارسة لتطال برأسها من جديد". وترى سيف الدين أن العنف تجاه المرأة متجذر "لأن الجناة لم يقدموا إلى العدالة من خلال تحقيق دولي شفاف يقدم المجرمين للعدالة. سواء أكانت العدالة في السودان أو العدالة الدولية".
والأسبوع الماضي أفاد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان مجلس الأمن الدولي بفتح تحقيق في أحداث العنف التي وقعت في دارفور بعد دعوات من منظمات حقوقية للتحقيق في تقارير عن حالات نهب وعنف جنسي واحتدام الصراعات العرقية. وكانت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل وثقت وقوع 108 حالة عنف جنسي بولاية جنوب دارفور والخرطوم. وبحسب بيان للوحدة "في جميع الحالات الجديدة الموثقة لدى الوحدة، أفادت الناجيات بأن الجناة كانوا عناصر من قوات الدعم السريع".
شبكة "صيحة" كتبت على موقعها أنها "تواصل العمل للحصول على مزيد من المعلومات الموثوقة، ومع ذلك، لا يزال الوضع مقلقًا للغاية، ولا تزال المصادر معرّضة لخطر الانتقام من قبل قوات الدعم السريع إذا تم اكتشاف تعاونهم مع جهات حقوقية".
عباس الخشالي