ماهو الهدف من اختطاف الصحفيين في سوريا؟
٢٤ يوليو ٢٠١٥لا يزال مصير الصحفيين الإسبان الثلاثة الذين دخلوا إلى سوريا مجهولا. ففي 11 يوليو/ تموز الجاري دخلوا إلى الأراضي السورية عبر تركيا، وفي اليوم التالي وصلوا إلى حلب، ليختفى فيها أثرهم. ورغم أنه لا يزال هناك أمل بأن يظهروا من جديد وهم أحرار، إلا أنه يجب أيضا توقع فرضية اختطافهم. وأكد رافائيل كاتالا وزير العدل الإسباني بأن "الحكومة الإسبانية تبذل كل ما بوسعها" من أجل العثور على الصحفيين. وأوضح الوزير الإسباني أنه "لا يستطيع أن يقول أشياء أخرى كثيرة في الوقت الحالي"، مضيفاً: "نحن أولا بحاجة إلى معرفة ماذا حدث".
ويرى هذا المسؤول الإسباني أنه لابد من معرفة "ما إذا كان الصحفيون الثلاثة محتجزين"، وإذا كان الأمر كذلك، "فما هو الهدف؟". ولم يستبعد رافائيل كاتالا فرضية رغبة الجهة الخاطفة في الحصول على فدية، ولكن لا يوجد أي تأكيد لهذه الفرضية، على حد تعبير رافائيل كاتالا.
ويعد الصحفيون المختفون، وهم أنتونيو بامبليخا وخوسيه مانويل لوبيز وأنجل ساستر، مراسلين صحفيين ذوي خبرة كبيرة في أماكن الحروب. فقد سبق لهم تغطية الأخبار في عدة مناطق اندلعت فيها الحرب في كل من الشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. كما حظيت أعمالهم الصحفية التي أنجزوها لصالح وسائل إعلام دولية، بالتكريم ونالت عدة جوائز.
سوريا من أخطر الدول للصحفيين
تعد سوريا في الوقت الحالي واحدة من بين البلدان الأكثر خطورة بالنسبة للصحفيين. فحسب المؤشر العالمي لحرية الصحافة، الذي تنشره منظمة مراسلون بلا حدود كل سنة، جاءت سوريا حاليا في الرتبة 177 من أصل 180. ووفقا لمعلومات صادرة عن منظمة مراسلون بلا حدود، فمنذ اندلاع أعمال العنف عام 2011 توفي في سوريا، 134 صحفيا و46 مراسلا. وفي أواخر عام 2014 تم اختطاف 27 صحفيا، بينما لا يزال 21 آخرون محتجزين كرهائن، وفقا لمنظمة مراسلون بلا حدود. ومن بين الصحفيين المفقودين لأطول مدة الأمريكي أوستن تايس، الذي اختفى في شهر مايو/ أيار 2012 دون أن يعثر له على أثر. وينحدر معظم الصحفيين المفقودين من سوريا نفسها أو من الدول المجاورة لها.
كما أنه ليست هذه المرة الأولى التي يُختطف فيها صحفيون إسبان. فقد سقط صحفي من صحيفة "الموندو" وآخر من صحيفة "بيريوديكو دي كاتالونيا" في شهر سبتمبر/ أيلول 2013 بين أيدي الإرهابيين. وبعد مفاوضات طويلة امتدت لأكثر من نصف عام تم إطلاق سراحهما في ربيع 2014. ولا يُعرف هل تم ذلك بعد دفع فدية أم لا.
الصحفي المستقل: شاهد غير مرغوب فيه
ورغم أن المجموعات الإرهابية في سوريا والعراق تمول نفسها أيضا عبر فديات مقابل تحرير المختطفين، لكن الدافع الرئيسي لخطف الصحفيين له هدف آخر، وهو: رغبة تلك الجماعات الإرهابية في عدم نشر تقارير صحفية عنها. فالمعلومات التي ينشرها الصحفيون المستقلون لا يستطيع الإرهابيون التحكم فيها أو توجيهها. فعندما لا تصل التقارير والمعلومات المستقلة إلى البلاد، فذلك يفسح المجال أمام الإرهابيين للسيطرة الكاملة على تدفق المعلومات. لكن هذا التدفق يمكن أن يتحول بسرعة إلى قوة دعاية. وبالتالي فردع الصحفيين أو احتجازهم، هو جزء من حسابات الإرهابيين، الذين لا يريدون وجود أي شهود على جرائمهم.
لكن نفس الشيء ينطبق أيضاً على الجانب الآخر، أي نظام بشار الأسد. فهذا الأخير ليس لديه مصلحة في أن يكتب الصحفيون عن الجرائم التي ارتكبها مثل البراميل المتفجرة التي رماها الجيش النظامي على مناطق كان يسيطر عليها تنظيم "الدولة الإسلامية"، لكن معظمم سكانها من المدنيين. ولهذا فالصحفيون الذين يسافرون إلى مناطق نفوذ الأسد يكونون مرافقين باستمرار من قبل ضباط الصحافة. ولهذا السبب لا يقدرون على إنجاز تقارير مستقلة وبحرية.
عدم الالتزام باحتياطات السلامة بسبب كلفتها الباهظة
وأمام هذا الوضع، فاحتياطات السلامة ضرورية للصحفيين العاملين في سوريا. والحد الأدنى المطلوب منها هو الحضور لدورة أساسية لتعلم احتياطات السلامة، وتصل تكلفتها إلى حوالي ألفي يورو. وغالبا ما لا يحضرها الصحفيون المستقلون الذين يسافرون إلى سوريا على حسابهم الخاص. كما أن غالبية الصحفيين لا يستطيعون دفع تكاليف "مرافق إعلامي" يقوم أيضاً بدور مترجم ووسيط يربط الاتصالات بين الصحفي والأطراف المتحاربة.
ومن المفارقات أن عدم الاستفادة من هذه الاحتياطات الأمنية يحدث في بلد خطير مثل سوريا، لأن سعر "المرافق الإعلامي" يرتفع كلما ازدادت خطورة المهمة والمناطق التي سيذهبون إليها. وفي سوريا، فإن درجة الخطورة مرتفعة للغاية. وفي هذا الصدد كتبت صحيفة البايس الإسبانية أن "إنجاز تقارير في زمن الحرب داخل سوريا أصبح يشكل خطرا كبيرا على الصحفيين المستقلين". كما أن المصور الصحفي الإسباني خيرفاسيو سانشيز قال في حوار مع صحيفة "إيلموندو" الإسبانية: "لأول مرة أتساءل مع نفسي هل يستحق الأمر انجاز تقارير من أماكن تقع فيها مثل هذه الأمور". وبالنسبة للإرهابيين، فهم بدؤوا في جني ثمار تعاملهم مع الصحفيين: ففي الوقت الحالي لا يوجد سوى عدد قليل جدا من الصحفيين في سوريا.