الأهمية الاستراتيجية لحلب المدمرة في الصراع السوري
٢٣ سبتمبر ٢٠١٦مرة أخرى ينهار اتفاق الهدنة في سوريا ويلقى نفس المصير الذي لقيته الجهود السابقة لإنهاء الحرب المتسمرة منذ خمسة أعوام وقتل فيها مئات آلاف السوريين. وقد يكون انهيار الهدنة هذا آخر محاولة لتحقيق انفراج في مساعي السلام قبل أن يترك الرئيس الأمريكي باراك أوباما منصبه كرئيس للولايات المتحدة.
وكالكثير من المرات انهار اتفاق الهدنة في حلب، هذه المدينة التي يخوض فيها النظام والمعارضة حرب كسر عظم منذ اندلاع المعارك في صيف عام 2012 بين النظام السوري وحلفائه من جهة، والفصائل المعارضة له، بعد عام من اندلاع انتفاضة شعبية في عموم أنحاء البلاد ضد النظام الحاكم.
وفي تصعيد جديد أعلن الجيش السوري، في بيان أمس الخميس، بدء عملياته في أحياء شرق حلب ودعا الناس إلى الابتعاد عن مقار ومواقع ما أسماها "العصابات الإرهابية المسلحة". البيان لم يقدم أي تفاصيل عن العملية. لكن شرق حلب تعرض بالفعل لضربات جوية كثيفة أمس الخميس واليوم الجمعة. وغرقت الأحياء الشرقية في المدينة في جحيم الغارات الكثيفة التي شنتها طائرات سورية وروسية، متسببة بدمار هائل ومقتل أكثر من 80 مدنيا، كما نقلت وكالتا رويترز والفرنسية عن مصادر طبية وإغاثية داخل تلك الأحياء.
وقال مصدر مقرب من دمشق لرويترز اليوم الجمعة إن عملية برية كبرى لم تبدأ بعد. وتزامن إعلان الجيش السوري للهجوم مع اجتماعات دولية بشأن سوريا في نيويورك في أحدث جهود دبلوماسية رامية إلى إحياء الهدنة التي توسطت فيها الولايات المتحدة وروسيا. فلماذا يكاد يبدأ وينتهي كل اتفاق هدنة من مدينة حلب بالذات، ولماذا تحظى هذه المدينة المدمرة بكل هذه الأهمية بالنسبة لكل أطراف النزاع؟
حلب - الرقم الصعب
منذ الأسابيع الأولى للتدخل العسكري الروسي في سوريا مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، كان نظام الأسد واضحا في إعلانه أن استعادة حلب هي هدفه الأول، ليبدأ بعدها بشهر حملة كبيرة لاستعادة السيطرة على كامل المدينة، التي يقتسم هو والمعارضة السيطرة عليها منذ عام 2012. حيث كان النظام يسيطر على قرابة 40 في المائة من المدينة ويتركز تواجده في الجزء الغربي، بينما تسيطر قوات المعارضة على بقية أجزاء المدينة ويتركز تواجدها في الجزء الشرقي.وبالفعل تمكن النظام السوري من توسيع نفوذه في حلب هذا العام مدعوما بالطائرات الروسية وفصائل، مكونة من مقاتلين عراقيين ولبنانيين وأفغان، مدعومة من إيران. وقد تمكن في الصيف من تحقيق هدف طال انتظاره هو تطويق المنطقة بالكامل.ويسيطر النظام حاليا على النصف الغربي لحلب التي كان يقطن فيها قبل الحرب نحو ثلاثة ملايين نسمة وكانت المركز الاقتصادي لسوريا. بينما تسيطر المعارضة على الأحياء الشرقية حيث لايزال 250 ألف شخص تحت الحصار.
ويقول خطار أبو دياب أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس وعضو المركز الدولي للجيوبوليتيك، في تصريحات لDW عربية، إن حلب تكتسي أهمية لعدة أسباب أبرزها أنها كانت العاصمة الاقتصادية للبلاد ولها بعد تاريخي معين كحاضرة الشمال في سوريا وهي من جهة قريبة من الحدود التركية، كما أنها ليست بعيدة عن الحدود العراقية بالإضافة إلى أنها تشكل عقدة بين عدة محافظات سورية. والعنصر السكاني مهم أيضا فالأحياء المحاصرة تضم ربع مليون شخص. لهذا يرى المحلل السياسي أن النظام يعتقد أن السيطرة على حلب تعني انتصاره في الحرب فمن جهة سترفع معنويات مقاتليه كما ستمنحه شرعية أكبر وتنشر فكرة ديمومة النظام وديمومة سيطرته على كل المناطق "المفيدة". أما بالنسبة للمعارضة فيرى مراقبون أن فقدان حلب سيعني خسارة كبيرة باعتبارالمدينة تشكل إلى جانب إدلب معقلين كبيرين للمعارضة على الحدود الشمالية مع تركيا. كما أن فقدان السيطرة على المدينة يعني أن طريق الإمدادات الوحيد المتبقي سيكون إدلب خاصة مع نقص الإمدادات الذي تعاني منه قوات المعارضة منذ التدخل الروسي في الأزمة.
هل تُحسم الحرب قريبا؟
من جهته يرى تركي الحسن، الخبير العسكري والمحلل الاستراتيجي السوري، أن محافظة حلب (مدينة وريف) تكتسي أهمية كبيرة بالنسبة للنظام السوري لكونها تشكل أكثر من 22 بالمائة من سكان سوريا. ويضيف في حوار أجرته معه DWعربية: "رغم أن أجزاء كبيرة من المدينة تدمرت إلا أن بعض المصانع عادت للعمل في مناطق تمكن النظام من السيطرة عليها كما أن عملية إعادة الإعمار في المدينة تتم بشكل سريع وقدرة التجار الحلبيين على النهوض بسرعة أيضا".
وعن السبب وراء عدم اهتمام النظام السوري باستعادة مدن أخرى كإدلب والرقة التي تعتبر معقل تنظيم داعش الإرهابي يقول الحسن إن لكل دولة أو جيش أولويات، ومن هذا المنطلق فحلب تكاد تضاهي أهمية دمشق بالنسبة للنظام، والسيطرة عليها تعني الفوز في الحرب بنسبة 50 بالمائة لذا فهي بالطبع تحظى بأهمية أكبر من إدلب والرقة. ويشرح الخبير السوري ذلك قائلا "مع بدء الحرب في سوريا كان المخطط هو تقسيم سوريا"، واتهم الحسن تركيا بأنها كانت "تحلم بضم حلب إليها، وبعد فشل هذا المشروع أصبحت تتحدث عن المنطقة الآمنة أو العازلة وهو ما فشل أيضا. والآن قوات المعارضة تتركز في المدينة برغبة من تركيا".
لكن دولا غربية تتهم النظام السوري بسعيه لتقسيم البلاد. وأحدث هذه الاتهامات صدرت عن وزير خارجية فرنسا، جان مارك ايرولت، الذي قال الجمعة: "من خلال قصف حلب يلعب النظام ورقة تقسيم سوريا، وداعموه يدعونه يفعل ذلك".
أما خطار أبو دياب فيرى أن الاعتقاد بأن من يسيطر على حلب سينتصر في الحرب أمر مبالغ فيه، ويضيف "صحيح أن النظام بسيطرته على حلب سيسيطر على الخط من دمشق مرورا بحمص واللاذقية إلى حلب وهذا مهم بالنسبة له وتخشاه المعارضة، ولكن ذلك لا يعني حسم الحرب فسوريا أكبر من حلب، والفوز في الحرب لا يكون بعدد الكيلومترات المسيطر عليها وإنما بإيجاد حل سياسي إنساني وإلا فإن الحرب ستستمر بطرق أخرى حتى وإن سيطر طرف على الأرض" ويعطي المحلل السياسي ما يحدث في العراق كمثال على ذلك.
ويثير تجدد القصف على أحياء حلب الشرقية بعد قصف قوافل مساعدات إنسانية لسكان حلب المحاصرين، مواقف دولية غاضبة، ففي ألمانيا دعا وزير الاقتصاد الألماني ونائب المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، زيغمار جابريل، إلى تنظيم مسيرات سلام من أجل سورية أمام سفارتي الولايات المتحدة وروسيا في برلين عقب القصف الجوي الأخير لقافلة إغاثة تابعة للأمم المتحدة في سوريا.
وكانت الأمم المتحدة طلبت يوم الخميس من الرئيس السوري بشار الأسد السماح لها بتوزيع المساعدات الغذائية العالقة على الحدود التركية السورية، محذرة بأنها ستفسد. وقال يان إيغلاند رئيس مجموعة العمل حول المساعدات الإنسانية في سوريا للصحافيين في جنيف إن 40 شاحنة تنتظر على الحدود التركية السورية والمواد الغذائية ستفسد يوم الاثنين، وهو ما يرى فيه أبو دياب سلوكا معهودا من النظام"فهو سبق واتبع سياسة التجويع والإركاع في مناطق أخرى كمضايا والزبداني، ونفس السياسة يتبعها الآن في حلب".