الأكراد.. من ورقة إلى لاعب إقليمي يملك أوراقا
٢٢ نوفمبر ٢٠١٣يبلغ عدد الأكراد الذين يوصفون بأنهم أكبر جماعة عرقية بلا دولة في العالم، حوالي 30 مليون نسمة يتمركزون في أجزاء من تركيا وإيران وسوريا والعراق. وفيما يتمتعون بحكم ذاتي جزئي في كردستان العراق منذ عام 1991، فان الحركات القومية للأكراد تعرضت للقمع لفترات طويلة في تركيا وسوريا وإيران.
رئيس إقليم كردستان العراق ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، اكبر الأحزاب الكردية في البلدان الأربعة، مسعود البرزاني زار مدينة ديار بكر، المدينة الرئيسة في منطقة جنوب شرق تركيا، التي يغلب الأكراد على سكانها للقاء أردوغان، بينما تضع أنقرة اللمسات الأخيرة على صفقات للطاقة بمليارات الدولارات مع الإقليم شبه المستقل ووسط قلق متزايد بشأن طموحات ميليشيات كردية في خضم الفوضى التي تعم سوريا المجاورة.
لا للدعاية الانتخابية
المراقبون يرون أن الكرد بدأوا يلعبون دورا إقليميا في المنطقة، التي تتعرض لهزات كبيرة. بين حرب أهلية في سوريا التي يقطن شمالها أيضا جزء منهم، وبين وصول قادة تركيا إلى قناعة أن الحرب مع حزب العمال الكردستاني يجب أن تنتهي وأن يكون السلام هو الحل مع جزء كبير من الكرد الذين يقطنون جنوب تركيا. لكن عملية التغيير هذه ليست سهلة.
البروفسور فرهاد إبراهيم أستاذ التأريخ الحديث والمعاصر في جامعة ايرفورت قال في لقاء مع برنامج العراق اليوم إن "تحول الأكراد من ورقة إلى لاعب إقليمي في المنطقة سيهدده قضية الخلاف بين الحزب الديمقراطي الكردستاني (العراق) وحزب العمال الكردستاني (تركيا)".
لكن البعض يشكك في خطوة رئيس الوزراء التركي اردوغان في استقبال مسعود البرزاني، والترحيب الأول من نوعه من قبل أرفع مسؤول تركي بقائد كردي. البعض يقول إنها ربما تكون ورقة انتخابية داخلية تركية فقط. الأكاديمي والكاتب السياسي التركي الأستاذ سمير صالحة يشكك في ذلك خلال حوار برنامج العراق اليوم ويضيف" لا اتفق مع الرأي أن ما يفعله اردوغان وتطور السياسة التركية تجاه الأكراد هو للدعاية الانتخابية. هذه مخاطرة كبيرة وستنعكس على حكومة اردوغان". كما يشير إلى أنه يجب تجنب تحويل المسألة الكردية الدقيقة والحساسة إلى موضوع انتخابي ضيق من قبل الأحزاب السياسية التركية.
مصالح ووحدة
ليس سرا أن الكرد يطالبون بدولة كردية تجمعهم. البرزاني تحدث مرارا عن توحيدهم. التوحيد الذي يفهمه البروفسور فرهاد إبراهيم على أنه "توحيد للمواقف وليس توحيدا جغرافيا. هناك تباين بين (حزب العمال الكردستاني) وبين الحزب الديمقراطي الكردستاني حول مسألة عملية السلام مع تركيا. الحزب الديمقراطي يؤيد السلام مع تركيا لأسباب اقتصادية سياسية وإستراتيجية". وهو أحد الأمور التي دفعت البرزاني لزيارة تركيا. مصالح الإقليم الاقتصادية والإستراتيجية.
حتى بالنسبة لموقف الحزبين تجاه ما يجري في سوريا تباينت المواقف، فرغم أن "البرزاني هو القائد الآن الذي يوجه الأكراد في إيران وتركيا وسوريا والعراق" حسب قول البروفسور فرهاد" إلا أن "هناك قوى تعارض ذلك". إذ يضيف أن "هناك تباينا بالمواقف حتى بالنسبة لموقف الأكراد لما يجري في سوريا".
إيران في الطريق
الأستاذ سمير صالحة نقل الحوار إلى نقطة مهمة من خلال تساؤله عن "إعلان منطقة إدارة كردية في شمال سوريا، هل جاء بالتنسيق مع قيادات كردية معينة، هل شجع النظام السوري بشكل غير مباشر على ذلك، هل إيران تحاول أن تخفف الضغوط على نظام دمشق ولهذا تحاول أن تغض الطرف عما يجري هناك؟". خاصة وأن "حديث البرزاني عن كردستان الكبرى يعني إيران، مثلما يعني تركيا وباقي الدول التي يتواجد فيها الأكراد". ويضيف بالقول"زيارة البرزاني لها فائدة للإقليم وللمركز. لكن إيران تحاول أن تضغط لمنع التقارب بين الإقليم والمركز وبين المركز والجمهورية التركية". إيران تحاول الهيمنة على العراق وهذا ليس سرا"، حسب قول الأستاذ سمير صالحة.
البرزاني قال خلال خطابه وسط مدينة ديار بكر وهو مرتديا الزي الكردي فيما تحوم حوله الأعلام الكردية بحضور رئيس الوزراء التركي اردوغان إن "هذه زيارة تاريخية بالنسبة لي ... نحن جميعا نعرف أنه كان من المستحيل أن أتحدث هنا قبل 15 أو 20 عاما." وأضاف قائلا "رئيس الوزراء طيب أردوغان اتخذ خطوة بالغة الشجاعة نحو السلام. وأريد من أخوتي الأكراد والأتراك أن يؤيدوا عملية السلام". وحينما يدور الحديث عن السلام بين الأكراد والأتراك يدور الحديث عن عبد الله اوجلان، قائد حزب العمال الكردستاني المعتقل في تركيا. فهل صفقة إطلاق سراحه من ضمن حوار السلام؟ البروفسور فرهاد يقول "برزاني يؤيد عملية السلام في تركيا وإطلاق أوجلان جزء من هذه العملية. وربما أوجلان سيغير اتجاه المفاوضات". لكن الأستاذ سمير صالحة يشير إلى أن "مسالة إطلاق أوجلان هي مسألة داخلية تركية متشعبة بين الأحزاب التركية".
أخيرا، فإن الأكراد وخاصة أكراد العراق لم يعودوا ورقة بين القوى الإقليمية ، بل لاعبا يحرك قضايا إستراتيجية. وتبقى مخاوف الدول التي يعيشون فيها من استقلالهم عنها قائمة. البروفسور فرهاد يوافق على ظهور ما يسمى "استقواء" الجماعات الاثنية والمذهبية بالشرق الأوسط، الذي يتمتع بتعدد اثني ومذهبي كبير. حسب قوله، لكنه يطالب بالقول" يجب على العرب عدم الخوف من التنوع في بيئتهم".
الأستاذ سمير صالحة يشير من جانبه إلى أنه لا مفر من تغيير الخرائط "إعادة تشكيل الخرائط بدأت منذ سنوات في المنطقة منذ مشروع الشرق الأوسط الجديد. النقاش في السنوات القادمة هو حول: في أي اتجاه ستحسم الأمور. ومن هي الدول التي ستتغير خرائطها؟".