الأغلبية" بدءً من أربيل
٢٤ أبريل ٢٠١٤التجاذب السياسي حول تشكيلة الحكومة المحلية في إقليم كردستان العراق استمر ثمانية أشهر وما زال غير محسوم . تجاذب حول الحصص الوزارية و"حق " كل حزب فائز في الانتخابات . تماما كما حدث عند تشكيل الحكومة الفدرالية الحالية قبل حوالي أربع سنوات ، وكما هو متوقع الحدوث بعد الانتخابات البرلمانية القادمة وبدء مخاض التشكيل الحكومي.
المشكلة هي ذات المشكلة . كانت في الحكومة الفدرالية وانتقلت ألان إلى الإقليم بعدما كان الأمر محسوما فيه باتفاق بين الحزبين المتفردين بالحكم المحلي والمتقاسمين لموارده المالية بين منطقتي نفوذهما.
لا يمكن الاحتجاج في هذا الرفض بالشرعية الثورية وكون الحزبين تصديا للنضال ضد القمع الذي مارسته الأنظمة السابقة ، وبالتالي حقهما في التفرد في الحكم محاصصة ، فالشريك السياسي المنافس هو أيضا جزء من منظومة النضال السابق باعتباره انسلاخا من أحد الحزبين وبالتالي فانه يتمتع بذات الشرعية النضالية التي يستند اليها الحزبان الاخران . فقيادة التغيير هي جزء من قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني التاريخية ، يميّزها ما ترفعه من شعارات إصلاحية مدعومة بنزاهة مشهودة لها ، على الأقل ماليا.
الاغلبية لكوران
الانتخابات الاخيرة لبرلمان كردستان سجلت زحفا لحركة التغيير (كوران) على مقاعد الحزب الأم ، الاتحاد الوطني ، في البرلمان جعلها الثاني في الترتيب ، بعد الحزب الديمقراطي الممسك بمفاصل حكومة الاقليم منذ سنوات . هذا التغيّر في الإحجام وصعود قوى على حساب قوى أخرى ، تشير الى حيوية سياسية حقيقية تشهدها ساحة الإقليم وهو ما يشكل قاعدة لتنامي ديمقراطية حقيقية . لكن هذه الحيوية وهذا الديمقراطية المنشودة تواجه عقبة الثقافة السياسية لدى الأحزاب القائمة ، ليس في الاقليم فحسب بل في عموم الساحة العراقية . هي ثقافة حتمية المشاركة في الحكم لجميع الفصائل أي المحاصصة ولكن بأسماء تلميعية كحكومة الوحدة الوطنية تارة والشراكة الوطنية تارة أخرى . تجربة أثبتت فشلها ليس خلال العقد العراقي الماضي ،إنما في أغلب الدول التي اعتمدت النظام التوافقي بحجة إنصاف كافة المكونات . فقد حوّلت التوافقية كل من هذه الدول الى كانتونات مستقلة مجموعة في عقد زواج قسري مهدد بالطلاق عند كل جولة خلاف.
وفي ظل الأنظمة "التوافقية" يصبح تحصيل المكاسب وتحقيق المغانم هو الهدف : يبدأ بالمكاسب للطائفة ثم يتحول الى الحزب ليصل الى المكاسب الشخصية التي تجعل من التمسك بالامتيازات والمواقع الرسمية التي تؤمنها أو تحميها ، هدفا يستحق بذل "كل " الجهود . هكذا هو الوضع في عموم العراق والإقليم ليس استثناء ، إلا في موضوع غياب التنوع الاثني او المذهبي ، مما جعل التحاصص يبدأ من نقطة الأحزاب ليتسع الى العوائل والأشخاص.
هذه المحاصصة ، والمكاسب المتأتية منها والحرص عليها ، تجعل من المشاركة في الحكم هدفاّ لأغلب الأحزاب ، الأمر الذي يضعف من فرص قيام ديمقراطية حقيقية مستندة الى وجود أغلبية سياسية في الحكم ، وأقلية معارضة في البرلمان ترصد الاداء وتقومه وتعمل من أجل كسب الجمهور إستعدادا لجولة جديدة من الانتخابات . لا يعني هذا ان فرص قيام حكومة الاغلبية معدومة ، بل انها باتت خيارا ملحا يحتاج الى توفير ظروف تحقيقه.
برأيي المتواضع فان الاتحاد الوطني الكردستاني أمامه فرصة تاريخية : أن يقبل بالبقاء خارج الحكومة ويلعب دور المعارضة في البرلمان الكردستاني . هكذا سيثبت أنه يريد بناء بلد وليس بناء مصالح ، وسيقدم نموذجا مشجعا لبغداد ، في إمكانية الركون الى حكومة أغلبية سياسية تشرك كل المكونات وليس كل الاحزاب . علّنا نقطع شوطا باتجاه ديمقراطية حقيقة بدل خدعة التوافقية.