الأسد يستجيب للضغوط ويعلن انسحاباً قريباً لقواته من لبنان
٥ مارس ٢٠٠٥ألقى الرئيس بشار الأسد اليوم خطاباً أمام البرلمان السوري أعلن فيه سحب وحداث الجيش السوري إلى البقاع ثم إلى الحدود السورية- اللبنانية. وذكر الأسد أنه اتفق مع الرئيس اللبناني اميل لحود على عقد اجتماع للمجلس الأعلى السوري اللبناني خلال هذا الأسبوع من أجل وضع جدول زمني لسحب القوات السورية. وفي هذا السياق ذكر الأسد أنه لا يجوز البقاء يوماً واحداً في لبنان إذا أراد اللبنانيون ذلك. واضاف أن الوضع الطبيعي أن تكون القوات السورية في سورية وليس في مكان آخر. وبخصوص القرار 1559 قال الأسد أنه لا يرى مشكلة فيه وإنما في آلية تنفيذه. ورأى أنه يكرّس تدخل أطراف دولية في لبنان بشكل مخالف لميثاق الأمم المتحدة. ويتساءل المراقبون الآن فيما إذا كان تعهد الرئيس السوري والانسحاب سيخففان من الضغوط الأمريكية على دمشق. يأتي ذلك في الوقت الذي جدد فيه الرئيس بوش مطالبته إياها بسحب قواتها من الأراضي اللبنانية.
وتطرق الأسد في خطابه إلى عملية السلام ورأى أنها لن تتقدم على المسار السوري في المدى القريب. وذكر أن سورية طالبت باستئناف المحادثات لحل مشكل الأراضي السورية المحتلة غير أن إسرائيل لا تبدو جادة في الأمر حسب قوله. وبخصوص العراق قال الأسد أن بلاده طلبت من الولايات المتحدة أدلة على تورطها في الأحداث هناك، غير أنها لم تحصل على أجوبة حتى الآن. وأكد الرئيس السوري أن بلاده حريصة على الاستقرار في العراق لأنه يشكل جزءاً من أمن المنطقة ككل.
ضغوط من كل حدب وصوب
يأتي قرار الرئيس السوري بالانسحاب من لبنان استجابة للضغوط الدولية والعربية المتزايدة التي تواجه دمشق منذ اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري أواسط فبراير/ شباط الماضي. غير أن العديد من المراقبين يرى فيها كذلك استجابة لضغط الشارع السوري الذي يريد أن يعرف ما الذي تنوي حكومته القيام به على ضوء هذه الضغوط. ولا يبدي الشارع المذكور قلقه على مصير وحداث الجيش السوري العاملة في لبنان والتي يقدر تعدادها بنحو 14 ألفاً، فهذا القلق يتزايد أيضاً حول مستقبل العمالة السورية في لبنان التي تتضارب المعلومات حول عددها، ففي الوقت الذي تقدر فيه مصادر المجلس الأعلى السوري- اللبناني هذا العدد بنحو ربع مليون تقول مصادر المعارضة اللبنانية أنه بحدود المليون. ويعمل السوريون في لبنان بشكل أساسي في قطاع البناء كعمال عاديين. وقد تراجع دورهم في القطاعات الخدمية الأخرى لصالح العمالة الآسيوية القادمة من الفلبين وسيرلانكا وبلدان أخرى.
علاقات أبعد من التواجد العسكري
تتجاوز العلاقات السورية- اللبنانية التواجد العسكري السوري الذي يعود إلى أيام الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت عام 1975 واستمرت حتى أواخر الثمانينات. فمن المعروف أن البلدين شكلا منطقة اقتصادية بعملة مشتركة حتى أوائل خمسينيات القرن الماضي. وبعد الانفصال الاقتصادي بقيت العلاقات خاصة بين الجانبين، ولذلك لم يتخللها إقامة علاقات دبلوماسية حتى الآن. وخلال سنوات النهضة الاقتصادية التي شهدها لبنان خلال ستينيات القرن الماضي تدفق عشرات الآلاف من السوريين للعمل في الزراعة وقطاع البناء بالدرجة الأولى. وتكرر هذا الوضع بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية وانطلاق ورشة إعادة الإعمار التي قادها رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري. على الجانب الآخر يودع الأغنياء السوريون في البنوك اللبنانية نحو 10 مليارات من الدولارات. وقد هربت هذه الأموال من سورية بعد تأميم البنوك الخاصة فيها خلال ستينات القرن الماضي واتباعها نظام الاقتصاد الحكومي الموجه. وتقول مصادر اتحاد غرف التجارة والصناعة السورية أن صفقات يومية بملايين الدولارات يقوم بها سوريون عبر بيروت. من ناحية أخرى يجمع اللبنانيون والسوريون روابط اجتماعية قوية تتمثل في علاقات القرابة التي تجمع عشرات آلاف العائلات في البلدين. ويعبر الحدود المشتركة يومياً عشرات الآلاف من مواطنيهما بقصد زيارة الأقارب والتسوق. وينعش طلب اللبنانيين على السلع المحلية السورية حركة السوق في دمشق والمدن السورية الأخرى التي يقصدونها. وبالمقابل يساهم السوريون في إنعاش حركة السوق اللبنانية من خلال إقبالهم على مختلف البضائع المستوردة هناك.