الأسد بين شقي رحى إيران وإسرائيل.. فهل يبقى خارج الصراع؟
٣ نوفمبر ٢٠٢٤جاءت الضربات التي شنتها إسرائيل على إيران الأسبوع الماضي، جزءا من تصعيد أوسع منذ اندلاع حرب غزة العام الماضي، لكن الهجوم يرمي أيضا إلى تعطيل أنظمة الدفاع الجوي والرادار في سوريا التي قد تستخدم لتحذير إيران من أي هجمات جوية.
ونفذت بقية الطائرات الإسرائيلية الهجوم على أهداف إيرانية بالتحليق فوق أجواء سوريا و العراق الذي تقدم بمذكرة احتجاج رسمية إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي تدين انتهاك إسرائيل "الصارخ" لأجوائه في هجومها على إيران، وفق بيان الخارجية العراقية.
وعلى وقع الهجوم، سارعت دول مجاورة مثل الأردن و السعودية إلى التأكيد على أن الطائرات الإسرائيلية لم تمر فوق أجوائها في محاولة ضمنية للنأي بنفسها عن أي إشارة قد تُفهم على أنها تساعد إسرائيل. وتخشى الإمارات والسعودية الانجرار إلى الصراع، إذ حاولتا في السابق طمأنة إيران بأنهما لن تكون لهما أي علاقة بأي عمل عسكري إسرائيلي ضدها.
ويقول مراقبون إن الرئيس السوري بشار الأسد يواجه ضغوط هائلة. وفي ذلك، قالت الخبيرة المستقلة في شؤون الشرق الأوسط إيفا كولوريوتيس، إن الأيام المقبلة "قد تكون الأكثر تعقيدا بالنسبة لنظام الأسد."
وفي مقابلة مع DW، أضافت أن "سوريا تقف بين شقي رحى إيران وإسرائيل. كحليف لإيران، يجد الأسد نفسه مضطرا إلى استخدام كل أوراقه الاستراتيجية لحماية أمنه القومي ومصالحه الإقليمية، وأيضا يواجه الأسد حكومة إسرائيلية تريد إعادة رسم خطوط النفوذ في الشرق الأوسط وخاصة فيما يتعلق بالنفوذ الإيراني".
التحالف "التاريخي" بين إيران وسوريا
يعود التحالف بين سوريا وإيران إلى ثمانينيات القرن الماضي، إذ تعد دمشق من أكثر الحلفاء العرب لطهران منذ الحرب العراقية-الإيرانية. ومنذ دعم إيران لحزب الله منذ تشكيله، أضحت سوريا قناة لنقل الأسلحة من إيران والجماعات الموالية لها خاصة حزب الله.
ومع اندلاع الأزمة السورية، ساعد حزب الله، نظام الأسد في بسط سيطرته على مناطق كثيرة في سوريا وترجيح كفة الحكومة أمام المعارضة.
ورغم التحالفات، التزم النظام السوري الهدوء بشكل نسبي عقب قيام إسرائيل بقتل العديد من قادة حزب الله والبدء في عمليات برية عسكرية في جنوب لبنان حيث تتبادل إسرائيل إطلاق النار مع حزب الله المدعوم من طهران منذ أن بدأت الجماعة إطلاق الصواريخ عبر الحدود اللبنانية.
في المقابل، سعت الحكومة السورية إلى البقاء بعيدا عن المعارك منذ تصاعد التوتر الإقليمي و اندلاع حرب غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي.
ونشرت رويترز في يناير /كانون الثاني الماضي تقريرا أفاد بأن الأسد أحجم عن اتخاذ أي إجراء لدعم الفصائل الفلسطينية في غزة بعد تهديدات إسرائيلية. كما "أبعد" حزب الله عن نشر أي قوات في الجزء الخاضع لسيطرة سوريا في الجولان، بحسب التقرير.
الأسد..."البقاء في السلطة.. الأولوية"
ويقول مراقبون إن الأسد رغم تحالفه الوثيق مع طهران، إلا أنه حافظ على نوع ما من التوازن مع إسرائيل.
وفي هذا الصدد، ذكرت مجموعة "سوفان" المتخصصة في الاستشارات الأمنية ومقرها نيويورك، أن الأسد يدرك أن التورط بشكل كبير في الصراع الآن "سيؤدي إلى عمل إسرائيلي يمكن أن يضعف بشكل حاسم قدرة الجيش (السوري) على حماية قبضته على السلطة".
وفي مقابلة مع DW، قال حايد حايد، الباحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمركز "تشاتام هاوس" البحثي في لندن، "أعتقد أن الأمر يتعلق في المقام الأول بالبقاء في السلطة. من الصعب التكهن بشأن ما يحدث خلف الأبواب المغلقة، لكن إسرائيل أوضحت منذ البداية بطرق عدة بأن أي تورط (سوري) سيأتي بثمن باهظ".
وأشار حايد إلى أن طهران أوضحت للأسد أن طريق تسليح حزب الله يجب أن يظل مفتوحا، مضيفا: "يمكن القول بإن إيران حاولت الحصول على المزيد من (الدعم) من الأسد، لكن الأخير حاول الممانعة، بينما تحدثت تقارير عن هذا الأمر تسبب في بعض التوتر".
وتعتقد كولوريوتيس أن الأسد منع اندلاع مظاهرات مؤيدة لحزب الله فضلا عن سحبه قوات من قرب الجولان، طالبا من روسيا استبدالها بقوات روسية، بهدف إرضاء إسرائيل، لكنه في المقابل أرسل جنود إلى حلب وإدلب حتى يتمكن مسلحو حزب الله من التوجه إلى لبنان فضلا عن تسلحيهم، وذلك في محاولة لإرضاء إيران.
وفي هذا السياق، قال حايد إن إيران لم تخف حقيقة مفادها أن أحد أهدافها في سوريا يتمثل في إنشاء قوات يمكن استخدامها ضد إسرائيل إذا لزم الأمر، مضيفا "لذا من هذا المنطلق، يمكن القول إنه إذا لم يتمكن الأسد من إبقاء خطوط الإمداد مفتوحة، فقد يكون هذا أحد طلبات إيران. وسيكون لسان إيران في ذاك الموقف: (إذا كنت لا تريد التورط مباشرة، فاسمح لنا بتنفيذ هجمات من سوريا)".
ويشير حايد إلى أن الأسد يمكنه - حتى هذه الحالة - أن ينأى بنفسه ويزعم "عدم المعرفة بالأمر".
ماذا عن التقارب العربي؟
ورغم قوة التحالف مع إيران، إلا أن الأسد سعى إلى التقارب مع بلدان عربية.
وفي ذلك، يتفق كلا من حايد وكولوريوتيس على أن الأسد لن يتخلى عن تحالفه مع إيران لصالح إعادة التطبيع مع دول الخليج.
ورجحت كولوريوتيس بأن النظام السوري ربما سيسعى إلى تكرار نوع من التوازن على غرار توازن مواقفه بين إسرائيل وإيران، مشددة على أن الأسد "لن يضحي بهذه العلاقات إلا إذا كان نظامه وهو شخصيا في خطر وجودي".
وأكد حايد على أن السوريين من يدفعون ثمن سياسات الأسد، قائلا: "بسبب توقف خطوط الإمداد وحركة البضائع من لبنان وفي ضوء تدفق النازحين، فإن الجميع في سوريا يئن تحت وطأة ارتفاع الأسعار. حتى بدون تورط النظام المباشر في التصعيد العسكري في المنطقة، فإن السوريين من يدفعون الثمن".
أعده للعربية: محمد فرحان