الأزهر في زمن الإرهاب.. بين حتمية التجديد وحسابات السياسة
١١ أبريل ٢٠١٧عقب الهجومين الإرهابيين اللذين وقعا في طنطا والإسكندرية، توجه شيخ الأزهر، في كلمة نقلها التلفزيون المصري مساء الأحد (التاسع أبريل/ نيسان 2017) إلى جموع المصرين قال فيها إن "الإرهاب الأسود لم يفرِّق بين مسيحي ومسلمٍ، ولكنه يستهدف أمن مصر واستقرارها ولن يفلح في ذلك".
الإمام الأكبر أحمد الطيب كما يُوصف، يقدم بذلك على موقف الأزهر الرافض والمندد بالإرهاب وبقتل "النفس البريئة على غير وجه حق" والداعي إلى التسامح، في مواقف أعلنها بقوة عقب كل هجوم إرهابي استهدف المسلمين وغير المسلمين.
لكن في ظل تغلغل الفكر الإرهابي المقيت بات الأزهر يواجه على الرغم من ذلك ضغوطات متزايدة لضرورة تبني المؤسسة السنية الأقدم والأعرق في العالم الإسلامي لعملية تجديد الفكر الديني. هذه الدعوات أطلقها رجال دين ومفكرون من على بلدان إسلامية مختلفة، كما أطلقها أيضاً الجانب الرسمي في مصر ممثلاً في الرئيس عبد الفتاح السيسي.
غير أن دعوة السيسي إلى ما أسماها "ثورة دينية" بداية العام الجاري، لا يمكن قراءتها من منظور خارج عن التطورات السياسية التي تشهدها البلاد. فالرئيس المصري الذي يحكم البلاد بقبضة من حديد، يقود حرباً على مقاتلي "الدولة الإسلامية" في سيناء وضد جماعة الإخوان المسلمين، مصنفاً تنظيماتها الدعوية والسياسية كمنظمات إرهابية محظورة.
السيسي يحيل الأزهر "على التقاعد"
هذا التوجه وما تبع ذلك من مواجهات أمنية راح ضحيتها العشرات جعلت أحمد الطيب يقف بوجه السيسي، حتى قال له الأخير "تعبتني يا مولانا"، وفق ما نشرته صحيفة "الإيكومونست" في مقال صادر في فبراير/ شباط الماضي تناولت فيه الخلاف بين المؤسسة الدينية المصرية والنظام بمصر.
الأزهر لم ينسق إلى اعتماد النهج المطلوب، حقيقة أقرها فيما بعد وزير الثقافة حلمي النمنم قائلاً: "لم يطرأ تغيير منذ دعوة الرئيس للتجديد". فقد عارض وفق "الإيكومونسيت" قرار الحكومة توحيد خطب الجمعة لقطع الطريق على الأئمة المتشددين، كما رفض دعوة السيسي إلى اعتبار "الطلاق الشفهي" لاغياً مادام لم يُسجل في دوائر الدولة.
"تمرد" الأزهر على السيسي جعل الكثيرين يرون في إعلانه عن إنشاء مجلس أعلى لمكافحة التطرف والإرهاب في مصر عقب تفجير الكنيستين خطوة لسحب البساط من الأزهر في عملية تجديد الخطاب الديني. بل وتحدثت صحيفة "العرب" اليومية الثلاثاء (11 نيسان/ أبريل 2017) عن أنه وبهذا الإجراء يكون السيسي قد "أحال الأزهر على التقاعد من أحد مهامه الرئيسية المتمثلة في ملء الفراغ العقائدي والديني، وقيادة معركة فكرية حاسمة بصفته حامل لواء الإسلام السني في العالم".
"الأزهر يدرّس وداعش يطبق"
لا يواجه الأزهر انتقادات من قبل المؤسسات الرسمية فقط، بل يوجه له البعض الأخر تهمة "تدريس مناهج تحض على التطرف". ومن بين الأصوات المنتقدة للأزهر بهذا الخصوص المستشار أحمد عبده ماهر، الذي يعرف عن نفسه في حسابه على تويتر بأنه "محام بالنقض ومحكم دولي ومستشار قانوني وضابط سابق برتبة عميد... وضابط مخابرات سابق وباحث إسلامي".
وفي حوار مع DW عربية هاجم ماهر مناهج الأزهر قائلاً: "داعش والأزهر صنوان لهدف واحد؛ ألا وهو تأصيل الفكر القديم التراثي: إقصاء وازدراء المخالف والكراهية والعنصرية ضد الأديان الأخرى وضد المرأة. الأزهر لا يستحي أن يدرس في كتبه ومناهجه دمويته وهدم الكنائس وقتل المرتد وقتل تارك الصلاة وقتل الأسرى وأخذ السبايا. الأزهر يدّرس وداعش يطبق".
ومن بين الأمثلة التي يوردها ماهر على "شذوذ المناهج الدراسية للأزهر" - على حد تعبيره- كتاب "الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع"، الذي يُدرس في ثانوي أزهري وكتاب "الاختيار لتعليل المختار" وكتاب "الروض المربع في شرح زاد المستقنع".
ويصف أحمد عبد ماهر هذه الكتب بأنها "عار على الفكر الإنساني". غير أن الباحث محمد عبد الفضيل، الباحث في علم مقارنة الأديان ومنسق مركز المرصد لمكافحة التطرف التابع للأزهر، يقول في معرض رده على ماهر: "من الظلم تقييم نصوص قديمة كلاسيكية والحكم عليها بمنظور العصر الحالي". ويتابع محمد عبد الفضيل في حوار مع DW عربية: "هذه الكتب لا تُدرس كلها بشكل عام، بل يُدرس بعض الفصول والأبواب الخاصة منها والتي تتناول مواضيع فقهية مثل الطلاق والزواج والمواضيع الحياتية وليس مواضيع الجهاد وغيرها".
رؤية لـ"إصلاح الأزهر"
ويقدم المستشار أحمد عبده ماهر رؤية خاصة به لـ"إصلاح الأزهر" تتلخص أولاً في "إغلاق الأزهر لعشر سنوات، على الأقل، حتى نصنع فاصل بين هذا الجيل المهلهل فقهياً وفكرياً وبين الجيل الجديد الذي سيقدم الإسلام للعالم".
ولكن ما هي مواصفات هذا الجيل الجديد من الأزهريين؟ عن هذا يقول ماهر: "الجيل الجديد من الدعاة يجب أن يكون من حملة شهادات المرحلة الجامعية الأولى من كل التخصصات العلمية والأدبية والإنسانية. وبعد الانتهاء من الدراسة الجامعية الأولى يدخلون للأزهر للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه ويختصون بعلوم الدين، ثم بعد ذلك يصبحون دعاة". ويعتقد ماهر أن هذا الجيل "سيقدم مذاقاً آخر لمعنى الدين".
بيد أن محمد عبد الفضيل يقول في حواره مع DW عربية إن الأزهر "أجرى قبل عامين تقييماً لكل مناهجه وتم حذف أي مفردة أو عبارة أو موضوع من الممكن أن تُفهم أو تُفسر بشكل خاطئ"، مضيفاً بأنه "يتحدى أن يجلب أحد أي عبارات أو مفردات من المنهج، وليس من الكتب المرجعية، تحرض على التطرف".
جهود أزهرية لمواجهة التطرف
ويرى عبد الفضيل أن الأزهر أدان بشكل رسمي وصريح الأحداث الإرهابية التي تتعرض لها البلاد، وأكد على الأخوة الإسلامية المسيحية في حواره الرسمي، وكذلك في مناهجه التعليمية.
كما أنه أقام عدة مراكز لمحاربة التطرف مثل مرصد مكافحة التطرف والفتوى الإلكتروني ومركز الترجمة لمخاطبة الرأي العام العالمي، بالإضافة إلى "مركز بيت العائلة المصري" الذي يجمع بين أئمة مسلمين وقساوسة من أجل إيجاد خطاب مصري مشترك بمكونيه المسيحي والإسلامي يكون منفتحاً على الآخر. كذلك يقوم الأزهر بتدريس جميع المذاهب السنية، وأيضا العديد من المذاهب الشيعية من باب المقارنة. وهو ما يدلل على أن الأزهر مؤسسة منفتحة على جميع الاختلافات ولا تقوم على مبدأ الرأي الواحد.
الباحث الأزهري أكد في حديثه على دور مؤسسات الدولة الأخرى في مكافحة التطرف في المجتمع ونشر الاعتدال والوسطية، وأضاف قائلاً: "هناك أمر هام يجب التأكيد عليه هنا، وهو أن بعض الأصوات تنتقد الأزهر في كل مناسبة من أجل إظهاره بموقف المقصر في عمله، وذلك خدمة لمصالحها. مكافحة التطرف عمل مهم وواجب على جميع المصريين إلا أنه ليس واجب الأزهر فقط".
مكافحة التطرف تستوجب تكاملاً بين المنظومة الأمنية والجانب الفكري والتعليمي والتربوي، وهو ما يؤكده عبد الفضيل بقوله: "دور الأزهر فقط منحصر هنا في الدور الفكري وهو ما يقوم به ضمن المراكز التابعة له. وهو ما يستدعي تكاتفاً ومسؤولية على مؤسسات أخرى عديدة موجودة في الدولة مثل وزارة الثقافة ووزارة التربية والتعليم وصناع الفن ووزارة الإعلام ومؤسسات المرأة والطفل بالإضافة إلى مؤسسات الدولة الأمنية لذلك فإن تحميل الأزهر فقط أي تقصير حاصل هو غبن في حقه".
ع.أ.ج/ و.ب/ خ.س