الأزمة الاقتصادية في تركيا: الانتحار كمخرج أخير
٢٠ نوفمبر ٢٠١٩تدخل الشرطة في حي باكيركوي في اسطنبول في الساعات الأولى من الصباح: في الجمعة الأخيرة فتحت الشرطة باب شقة بعدما اشتكى جيران من رائحة كيماوية تنبعث من داخل الشقة، ووجب التدخل لمعرفة ماذا يحصل. ووجدت الشرطة داخل الشقة ثلاثة أجساد هامدة. صائغ يبلغ من العمر 38 عاما وزوجته وابنه البالغ من العمر ست سنوات تسمموا بسيانيد الهيدروجين وهي مادة تُستخدم في الغالب في المناجم. والرجل الذي أخذ معه عائلته إلى الموت كان، على ما يبدو، يعاني قبل انتحاره من مشاكل مالية. وهذه الحادثة صدمت الرأي العام التركي، لأنه يوجد أوجه شبه مع حالتين أخريين انتحرت فيهما عائلات بتجرع سيانيد الهيدروجين: في حي فاتح باسطنبول جلبت لافتة انتباه السكان قبل أسبوع معلقة على باب شقة كُتب عليها: "انتباه. الشقة ملوثة بالسيانيد. أخبروا الشرطة. لا تدخلوا الشقة". وفتحت الشرطة الشقة لتعثر على أربع جثت في أعمار تتراوح بين 48 و 60 عاما، رجلان وامرأتان، إخوة.
"لا يمكن لي فعل شيء"
وبعدها بأيام في مدينة أنطاليا الساحلية، عثرت الشرطة في شقة على جثت عائلة مكونة من أربعة أشخاص بينهم بنت في التاسعة من العمر وولد عمره خمسة أعوام تسمموا جميعا بسيانيد الهيدروجين. وذكرت وسائل إعلام تركية بأن رب العائلة الذي كان قبل موته عاطلا عن العمل ترك رسالة وداع: "أطلب الصفح، لكن لا يمكن لي فعل شيء". ليس فقط الموت عن طريق التسمم يجمع بين هذه الحالات التي سبقتها مشاكل مثل الفقر والمديونية أو البطالة. وتذكر وسائل إعلام تركية أن الكهرباء انقطعت فورا في حي فاتح عندما تم إبعاد الجثت من الشقة، فطوال شهور لم يدفع الإخوة الأربعة فواتير الكهرباء.
المعارضة: الأزمة الاقتصادية هي السبب
وفي وسائل الإعلام التركية والمواقع الاجتماعية يتم الحديث بإسهاب عن سلسلة الانتحارات ـ وحتى نظريات المؤامرة تروج. والمثير للجدل هي العلاقة القائمة بين الأزمة الاقتصادية في تركيا وعمليات الانتحار. البطالة وانهيار الليرة التركية ساهما في انتشار جو من اليأس، كما يفيد انتقاد المعارضة.
رئيس أكبر حزب معارض، حزب الشعب الجمهوري، كمال كيليتشدار أوغلو أثار في كلمته الحالات المسجلة: "لماذا حصل هذا؟ فبالقرب من حاويات النفايات نرى نسوة يبحثن في القمامة عن الأكل. نحن بحاجة إلى دولة اجتماعية. نحن نحتاج إلى مزيد من الاستدامة"، كما طالب هذا السياسي.
ويفيد خبراء أتراك أن سلسلة الانتحارات ليست حالات متفرقة. "من الخطأ اعتبار الانتحار قضية فردية ونفسية بحتة"، تقول الباحثة في قضايا الفقر، هاجر فوغو من نادي Cimen Ev.. وأكدت أن الانتحار تسبقه في الغالب أسباب اجتماعية. "هؤلاء الناس لا يلقون الاعتبار في المجتمع. يشعرون بأنهم لوحدهم وبدون مساعدة. وإذا أضيف لذلك متاعب اقتصادية واحتياجات أولية مثل الأكل والماء والكهرباء التي لا تلقى الحل، فإن المشاكل تزداد حدة".
سيانيد الهيدروجين.. الحصول عليه سهل في تركيا
وتنفي الحكومة التركية وجود علاقة بين الأزمة الاقتصادية وعمليات الانتحار. وبالنسبة إليها فإن الانتحارات مؤشر على أنه في تركيا لا توجد عقبات للحصول على السيانيد المسموم، إذ يجب فرض حظر وترشيد. ومنذ يونيو/حزيران شدد حزب الحركة القومية المشارك في الائتلاف الحكومي على ضرورة حظر سيانيد الهيدروجين، لكن إلى حد الآن لم يحصل شيء. والآن شكلت وزارة العائلة التركية لجنة للتحقق من الحوادث. والتقرير وجب عرضه على الرأي العام. وتصل نسبة البطالة في تركيا إلى 14 في المائة. والبطالة بين الشباب إلى 27 في المائة. والتضخم أدى إلى ارتفاع الأسعار في مواد استهلاكية أساسية مثل المواد الغذائية والأدوية أو البنزين.
مكتب الاحصاءات: الانتحارات ارتفعت بقوة منذ 2002
وأن تكون الأزمة الاقتصادية العامل الحاسم وراء الانتحارات في أنطاليا وفاتح وباكركوي لا يمكن قرائته من الإحصائيات. فطبقا لمعطيات المعهد التركي للإحصائيات، فإن عدد الانتحارات في عام 2018 وصل إلى 3161 حالة. وزيادة منذ بداية الأزمة الاقتصادية في صيف 2018 لا يمكن ضبطها. وفي المقابل هناك زيادة بـ 27 في المائة منذ سنة الحكم الأولى لحزب العدالة والتنمية في عام 2002. ولاسيما في السنوات السبع الأخيرة وُجد عدد الانتحارات باستمرار في مستوى عال.
دانييل بيلوت/ م.أ.م
تنبيه: دويتشه فيله تغطي بتحفظ موضوع الانتحار، لأنه يوجد معلومات على أن بعض أنواع التغطية الإعلامية تؤدي إلى ردود فعل مقلدة.