اعتقال كاتب سعودي بتهمة "الإساءة" للذات الإلهية

أعلنت الشرطة الماليزية الجمعة أنها اعتقلت الكاتب الصحفي والشاعر السعودي الشاب حمزة كشغري، الذي فر من بلاده بعد تعليقات اثارت استنكارا كتبها على موقع تويتر حول الله والنبي محمد وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأاف المتحدث باسم الشرطة راملي يوسف لوكالة فرانس برس "لقد اعتقل كاشغري عند وصوله بموجب مذكرة توقيف صدرت عن الانتربول بناء على طلب من السلطات السعودية". ومن المحتمل أن يتم ترحيل كشغري إلى السعودية وفق ترتيبات أمنية بين البلدين.

وكانت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء السعودية الذي يرأسها مفتي المملكة عبدالعزيز ال الشيخ قد أعتبرت كشغري "كافرا" و"مرتدا" يجب محاكمته. وأصدر العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز تعليماته لوزير الداخلية بـ" القبض فورا على الكاتب بجريدة البلاد حمزة كشغري.

خواطر أعتبرت مسئية للذات الإلهية وللنبي محمد

بدأت القصة عندما كتب الشاعر الشاب حمزة كشغري (23 عاما) مجموعة خواطر تتضمن آرائه في الدين الإسلامي وفي الوجود الإلهي ومسألتي الموت والخلود. ويقول في أحد هذه الخواطر: كونوا جيدين فحسب، لا تؤذوا أحدا، فإن ثواب الخير هو الخير ذاته، ولو افترضنا وجود الله فانه سيجعلكم في عينه على الدوام مادمتم جيدين". وعن موقفه من الظلم واللاعدل نقرأ قوله: "صديقي صرخ في وجهي أين الله عن كل هذا الظلم؟ قلت له إنني فعلا لا أعرف! ولكنني أعرف أن الإنسان لم يحاول بما يكفي ليمنع هذا الظلم!". ويواصل" لكل المخلوقات ردة فعل، لكن ما اسم ذلك الشيء العظيم الذي يشاهد كل هذا الخراب والدمار والأذى ولا يقوم بأدنى ردة فعل".

ونسب الى كشغري عدد من الرسائل عبر تويتر تشبه الخواطر واعتبرت مسيئة جدا للنبي محمد. كما نسب بيان لجنة الافتاء الى كاشغري رسائل اخرى تناولت الذات الالهية. ومن هذه الرسائل "نيتشه قال مرة أن قدرة الاله على البقاء ستكون محدودة لولا وجود الحمقى (...). ماذا سيقول لو رأى الهيئة"، في اشارة الى هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر (المطاوعة) في السعودية.

"المرأة السعودية لن تدخل إلى جهنم مرتين"

كما تحمل خواطر الشاعر كشغري مواقف مساندة لقضية المرأة السعودية، في أحد الخواطر كتب " لا يوجد امرأة سعودية واحدة ستدخل إلى جهنم...لأن الإنسان لا يدخل إلى جهنم مرتين". كما يدعوا في بعض خواطره إلى الثورة ضد الظلم والطغيان قائلا" لا تركعوا لسواكم ولو ملكا أو إلها جديدا"، وهذا ما يمكن أن تفهمه السلطات السعودية على أنه تحريض على المؤسسة الملكية ودعوة للانتفاض ضدها.

كما اعتبرت إحدى الخواطر التي نسبت لكشغري "إساءة وتهكماً" على النبي محمد، حين كتب " في يوم مولدك لن أنحني لك، لن أقبل يديك، سأصافحك مصافحة الند للند، وابتسم لك كما تبتسم لي، وأتحدث معك كصديق فحسب"، وأضاف كشغري "في يوم مولدك أجدك في وجهي أينما اتجهت، سأقول إنني أحببت أشياء فيك، وكرهت أشياءً أخرى ولم أفهم الكثير من الأشياء الأخرى". وذكر في خاطرة أخرى "في يوم مولدك سأقول إنني أحببت الثائر فيك، لطالما كان ملهماً لي وإنني لم أحب هالات القداسة، لن أصلي عليك".

ردود فعل واسعة في الساحة السعودية

وقد اختار كتاب وصحفيون الرد على كشغري بمقالات تمتزج بالترغيب والترهيب، بينما شن عدد من المعلقين على شبكة الانترنيت حملة سب وشتم لكشغري، فنقرأ على سبليل المثال: "يجب أن يُطبق حكم الشرع في الكشغري حتى لايظهر في الساحة كشغرياً غيره". ويعلق آخر "كل شي مسموح الا التطاول على الله ورسوله، فهما خط أحمر لن يتجراء أي زنديق أن يتطاول عليهما، لأننا نفدي الله ورسوله بأموالنا وأنفسنا وأهلينا والسيف، لمن تفوه بكلمة عنهما او شكك في حكمهما، ويجب إقامة الحد عليه لأنه زنديق وهذي ثقافه القنوات الغربية والليبراليين والمنافقين. غير ان معلقين آخرين دافعوا عن كشغري وعن حقه في التفكير الحر، مطالبين بعدم فهم خواطره فهما سطحياً.

الداعية سلمان العودة دعا الى تقبل توبة كاشغري وعدم تضخيم الامور خصوصا انه اعلن توبته عما كتب.ودعا كتاب آخرون الى القبول بتوبة كاشغري.من جانبه أعلن الداعية ماجد أيوب، احد أقرباء الشاعر، في بيان أن كشغري اعتذر وأعلن التوبة عن ما كتبه. وكالة الأنباء الفرنسية نقلت على لسان كشغري قوله "يزعمون أنني تطاولت عليك وأنا الذي استحضرك دائما كقدوة (...) والله لم اكتب ما كتبت الا بدافع الحب للنبي الاكرم، لكنني اخطأت وأتمنى أن يغفر الله خطئي، وأن يسامحني كل من شعر بالاساءة".

ونقلت رويترز عن موقع (ديلي بيست) أن كشغري قال "أرى أن أفعالي جزء من عملية من أجل الحرية. كنت أطالب بحقي في ممارسة أبسط حقوقي البشرية وهو حرية التعبير والتفكير."

غير أن آخرين اعتبروا هروبه خارج البلاد وعدم تقديم نفسه للسلطات السعودية أمر غامض ويحمل في ثناياه نوايا غير جيدة من طرفه. وقد وصل النقاش إلى حدود مناقشة أمور فقهية كجواز "توبة المرتد"، كما ذهب آخرون إلى مناقشة "الردة" في الإسلام وحرية الخروج عن الدين الإسلامي وهي أمور تتشدد السلطات السعودية معها.

منع كشغري من الكتابة

وتناقلت مجموعة من المواقع تعليقات مفادها أن حالة كشغري ليست حالة معزولة لأن الدولة تعودت على قمع الحريات خصوصا في صفوف الشباب. وتصنف السعودية من قبل المنظمات الحقوقية العالمية ضمن أكثر الدول قمعاً لحرية الرأي والتعبير والصحافة، وتشددا إزاء النشر اللكتروني، إذ يشترط على المدونين تقديم عناوين سكناهم وبيانات شخصية عنهم وذلك لتسهيل مراقبتهم.

وفي وقت سابق تبرأت المؤسسة الصحفية التي يشتغل فيها كشغري منه وأوقفت التعاون معه، كما أصدر وزير الثقافة والإعلام السعودي عبد العزيز خوجة، قرارا بإيقاف كشغري عن الكتابة في المطبوعات السعودية وذلك في إنتظار القبض عليه ومحاكمته، وكتب الوزير في موقعه في تويتر "وجهت بمنعه من الكتابة في أي صحيفة او مجلة سعودية مع اتخاذ الاجراء القانوني حيال ذلك".

عبد الرحمان عمار (د ب أ، أ ف ب، رويترز)

مراجعة: عبده جميل المخلافي