اعتراف الكونغرس بمذابح الأرمن.. ورقة ضغط "فعالة" ضد تركيا!
٣ نوفمبر ٢٠١٩ضجة سياسية واسعة في أنقرة أثارها الاعتراف الأمريكي بـ"الإبادة الجماعية للأرمن". فقد صوت مجلس النواب الأمريكي يوم الثلاثاء (29 تشرين الأول/ أكتوبر 2019) بأغلبية ساحقة لصالح قرار يعترف بأن عمليات القتل الجماعي التي تعرض لها الأرمن بين عامي 1915 و1917 هي "إبادة جماعية".
فقد أدى تهجير الأرمن من الأناضول في عهد الدولة العثمانية إلى مقتل نحو 1,5 مليون أرمني. ورغم أن تركيا، باعتبارها وريثة الدولة العثمانية، تعترف بمقتل ما بين 300 ألف و500 ألف أرمني خلال الحرب العالمية الأولى، إلا أنها ترفض رفضاً قاطعاً اعتبار ذلك "إبادة جماعية". ولذلك فقد أثار القرار الأمريكي موجة غضب واسعة بين السياسيين الأتراك بمختلف توجهاتهم السياسية والحزبية.
ردة الفعل الغاضبة جاءت أولاً من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي أكد أن القرار الأمريكي "لا قيمة له"، وأضاف أن تركيا "لا تعترف به"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن القرار يمثل "أكبر إهانة" للشعب التركي.
زعيم حزب الشعب الجمهوري (أكبر حزب معارض)، كمال كليجدار أوغلو، لم يكن أقل انزعاجاً من أردوغان، إذ اعتبر أن القرار الأمريكي "لن يضر فقط بالعلاقات مع أرمينيا، بل سيؤثر سلباً على العلاقات التركية الأمريكية"، وأضاف: "لا نريد توترات جديدة في مناطقنا". الحزبان القوميان اليمينيان (الحزب الجيد وحزب الحركة القومية) أيضاً أكدا رفضهما للقرار الأمريكي.
الحزب التركي الوحيد الذي أبدى تفهمه للقرار الأمريكي هو حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد. وقال النائب عن الحزب غارو بايلان: "الكارثة الكبرى بالنسبة للشعب الأرمني هي أن الموضوع (الاعتراف بالإبادة) يأتي من برلمانات أجنبية"، وتابع: "لكن البرلمان الوحيد الذي يمكنه مداواة جراح الشعب الأرمني هو البرلمان التركي".
"رمزية كبيرة"
رغم أن قرار مجلس النواب الأمريكي الاعتراف بـ "الإبادة الجماعية" للأرمن ليس ملزماً قانونياً، إلا أن له رمزية كبيرة، إذ يثقل كاهل العلاقات الأمريكية التركية. فلم يستطع الكونغرس الأمريكي لمدة طويلة أن يعتبر مجازر الأرمن "إبادة جماعية"، لكي لا يؤثر ذلك على علاقات واشنطن مع شريكها في الناتو.
لكن يبدو أن صبر النواب الأمريكيين من الحكومة التركية قد نفذ، بعد العملية العسكرية التركية في شمال سوريا. فقد سبق لأنقرة أن أثارت غضب النواب الأمريكيين عندما اشترت منظومة صواريخ الدفاع الجوي الروسية إس-400.
ويقول خبير العلاقات الدولية في جامعة أنقرة، إلهان أوزغل: "لا تزال واشنطن تشعر بالاستياء لما حدث في سوريا"، ويضيف: "العملية العسكرية التركية (في سوريا) وكذلك شراء نظام الصواريخ إس-400 يعطي الانطباع بأن تركيا تغازل روسيا. ولذلك فهم يحاولون أن يحشروا تركيا في الزاوية لبعض الوقت". ويرى أوزغل أن أنقرة لا تستطيع تحمل مثل هذا النزاع مع واشنطن، ويوضح: "يجب ألا ننسى أن الظروف الاقتصادية في تركيا ليست جيدة، ولذلك لا تستطيع تركيا مواجهة ضربة أمريكية قوية للاقتصاد التركي"، ويتابع: "أعتقد أننا وصلنا إلى أصعب مرحلة للعلاقات التركية الأمريكية في عهد أردوغان".
"ورقة رابحة"
كذلك صوت مجلس النواب الأمريكي أيضاً على قرار يطالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض عقوبات صارمة على تركيا، بما في ذلك عقوبات على مسؤولين أتراك رفيعي المستوى بالإضافة إلى حظر بيع أسلحة قد تستخدمها أنقرة في سوريا.
ويرى مصطفى سردار بالابييك، الخبير في مذابح الأرمن بجامعة TOBB في أنقرة، أن للقرار الأمريكي أهمية سياسية كبيرة، رغم عدم أهميته من الناحية القانونية البحتة، ويقول: رغم اعتراف أمريكا بمذابح الأرمن كإبادة جماعية، إلا أن ذلك لا يعني جر تركيا إلى المحاكم" ويضيف بأن "مجلس النواب الأمريكي قام بهذه الخطوة في خضم علاقات متوترة بين تركيا وأمريكا، وهي خطوة من شأنها أن تزيد التوتر بينهما. وإذا حدثت مستقبلا خلافات مثل تلك التي حصلت بشأن سوريا أو شراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي، فإن مثل هذه التصادمات أمر وارد، والآن لدى الأمريكيين ورقة رابحة فعالة ضد تركيا".
كما أن توقيت القرار الأمريكي حساس، إذ جاء قبل وقت قصير من زيارة أردوغان المرتقبة إلى الولايات المتحدة في 13 تشرين الثاني/نوفمبر. فبعد القرار قال أردوغان إنه لم يقرر بعد فيما إذا كان سيقوم بالزيارة أم لا، مشيراً إلى أن هناك "علامة استفهام"، حسب ما نقلت عنه وكالة أنباء الأناضول التركية. وإذا تم إلغاء الزيارة بعد القرار الأمريكي، فلن يكون ذلك أمراً مفاجئاً.
وقد ظهرت حساسية الاعتراف بـ "الإبادة الجماعية" للأرمن بالنسبة لتركيا في عام 2016 أيضا، ففي ذلك الوقت أصدر البرلمان الألماني (بوندستاغ) قراراً اعتبر فيه مذابح الأرمن "إبادة جماعية". وقد أثقل ذلك القرار كاهل العلاقات الألمانية التركية. وقد يعني قرار الكونغرس شيئاً مشابهاً بالنسبة للعلاقات التركية الأمريكية.
هلال كويلو/م.ع.ح