اعتداء ميونيخ الإرهابي عام 1972 لايزال جرحاً مفتوحاً
٥ سبتمبر ٢٠٢٤حتى يومنا هذا، الخامس من أيلول/سبتمبر 2024، يشعر هانز فولكل بعدم الارتياح عند سماع صوت هدير أجنحة الطائرة المروحية؛ إذ أنها تعيد له ذكرى المروحيتين من طراز "Bell-UH 1"، التي تطارده منذ ليلة السادس من أيلول/سبتمبر 1972.
في ذلك الوقت، كان هانز فولكل جندياً في الجيش الألماني ويخدم في قاعدة "فورستنفيلدبروك" الجوية. صادفت مناوبته الليلية مع اقتحام إرهابيين فلسطينيين مقر الفريق الأولمبي الإسرائيلي في القرية الأولمبية في ميونيخ. تابع هانز البالغ من العمر 21 عاماً آنذاك ما حدث في القرية الأولمبية على بعد 20 كيلومتراً من مكان خدمته على شاشة التلفزيون.
أطلق الإرهابيون النار على رافع الأثقال جوزيف رومانو ومدرب المصارعة موشيه فاينبرغ واحتجزوا تسعة إسرائيليين آخرين كرهائن.
ساعات من الخوف
وفي المساء، استقل الإرهابيون الثمانية مع الرهائن التسعة طائرتين مروحيتين. ولم ينفذ مطلب الإرهابيين بإطلاق سراح سجناء من رفاقهم في إسرائيل وألمانيا. وبعد ساعات من المفاوضات، وعدهم وزير الداخلية الألماني وقتها هانز-ديتريش غينشر بالسماح لهم بالتوجه مع الرهائن إلى العاصمة المصرية القاهرة. وحسب الوعد، كان من المفترض أن تنقلهم المروحيات إلى مطار ميونيخ القريب، ومن هناك تأخذهم طائرة مدنية إلى القاهرة.
وبدلاً من ذلك، نقلهم طيارو حرس الحدود الاتحادي إلى قاعدة الجيش الألماني الجوية في "فورستنفيلدبروك". وصلت طائرات الهيلوكوبتر هناك الساعة 10:30 مساءً، كما يتذكر هانز فولكل في مقابلة مع DW. حلقت المروحيات على ارتفاع منخفض من ميونيخ وهبطت مباشرة أمام نافذة مكتبه في الطابق الأرضي.
فشل ذريع
كانت خطة الشرطة تقضي بأن يقوم القناصون بقتل الإرهابيين وتحرير الرهائن، لكن الخطة فشلت. ورد محتجزو الرهائن بإطلاق النار من بنادق الكلاشينكوف. وعلى الجانب الألماني لم يكن التنسيق بين الأطراف الفاعلة في العملية موجوداً؛ إذ أن عملية إنقاذ رهائن لم يتم التدرب عليه من قبل. ولم يكن بحوزة ضباط الشرطة أجهزة اتصال لاسلكية وتعرض بعضهم لإطلاق النار من رفاق لهم.
ولم يبلغ هانز فولكل ورفاقه في القاعدة الجوية بأن الإرهابيين والرهائن المحتجزين بأيديهم قادمون إلى "فورستنفيلدبروك". يقول فولكل: "دخلنا في المعمعة لأنها حدثت في نوبتنا الليلية. ولم يخبرنا أحد بأي شيء بشكل مسبق". اختبأ هانز فولكل وراء جهاز التدفئة المركزية بينما كان صوت الرصاص يتردد في المكان. وعلى بعد أمتار قليلة من مكتبه أصيب شرطي: "قضى أنطون فليغرباور وغطت قطع رأسه الجدران: أصابته الرصاصة في الرأس".
مهرجان للسلام
ظل صوت الرصاص يتردد في أرجاء القاعدة الجوية حتى منتصف الليل. ثم دوى انفجار: ألقى إرهابي قنبلة يدوية على الرهائن الذين كانوا لايزالون مقيدين في إحدى المروحيتين. ومع بزوغ فجر الصباح في "فورستنفيلدبروك"، اتضحت الصورة: بالإضافة إلى مقتل ضابط الشرطة أنطون فليغرباور، أصيب خمسة من الإرهابيين بجروح قاتلة. ولم ينج أي من الرهائن الإسرائيليين من الهجوم.
باستضافة دورة الألعاب الأولمبية في ميونيخ، أرادت ألمانيا أن تظهر وجهها الجديد للعالم. كان من المفترض أن يكون "مهرجانا للسلام"، بعد مرور 27 عامًا فقط على الحرب ومقتل ستة ملايين يهودي على يد ألمانيا النازية. لكن اليهود قتلوا مرة أخرى على الأراضي الألمانية، وأثبتت الدولة الألمانية عجزها عن حمايتهم.
40 سنة من التجاهل
بعد استراحة لمدة يوم وحفل تأبيني، تم استئناف منافسات الألعاب الأولمبية في ميونيخ. ولم يصدر أي اعتذار من السياسيين أو الشرطة عن فشل عملية تحرير الرهائن. ولم يتم تشكيل لجنة تحقيق ولم يتحمل أي أحد مسؤولية ما حدث، وحتى مسؤولية رفض قبول المساعدة من قوات إسرائيلية مختصة بتحرير الرهائن.
وتعين على أقارب الضحايا النضال لعقود من أجل الوصول إلى ملفات التحقيق. واستغرق الأمر حتى عام 2022، في الذكرى الخمسين للجريمة، حتى توصلت الحكومة الألمانية وأقارب الضحايا إلى اتفاق بشأن التعويضات.
يقول لودفيغ شباينلي مفوض معاداة السامية في ولاية بافاريا في مقابلة مع DW عام 2022: "ما حدث بعد فشل العملية وطريقة تعامل الحكومة مع الشهود والضحايا وأقاربهم هو فشل دراماتيكي آخر للدولة. أُريد أن يجري نسيان ما حدث بسرعة كبيرة وبوعي شديد". ولم يتم بذل الجهود لدراسة ما حدث إلا خلال السنوات الأخيرة، على سبيل المثال من خلال إقامة نصب تذكاري في الحديقة الأولمبية. كما تقام فعاليات لإحياء الذكرى في قاعدة فورستنفيلدبروك الجوية منذ عام 1997.
اضطرابات ما بعد الصدمة
عاد هانز فولكل ورفاقه إلى روتين عملهم اليومي بعد ما حدث في تلك الليلة من عام 1972 وكأن شيئاً لم يحدث. وعادت عمليات إقلاع وهبوط الطائرات في القاعدة إلى روتينها اليومي، بينما كان حطام المروحيتين لا يزال ملقى أمام البرج، كما يتذكر هانز فولكل، الذي لم يتلق ورفاقه أي دعم نفسي؛ بل مجرد توصية بتناول كوب من الكونياك بعد الصدمة.
تقول آنا أولريكي بيرغهايم، رئيسة "جمعية فورستنفيلدبروك التاريخية" نقلًا عن شهود على الهجوم لسنوات إذ عثرت على أشخاص مثل هانز فولكل، لـ DW: "جرت محاولات تجاهل الصدمة (النفسية للضحايا) وطوي الملف. ولا يقتصر الأمر على أقارب الضحايا الذين تعرضوا للإهمال لفترة طويلة. على مدار 50 عاماً، لم تسأل الجهات الرسمية عن حال ضباط الشرطة وأفراد القوات الجوية ورجال الإطفاء الذين شاركوا وحضروا العملية الفاشلة لتحرير الرهائن".
يتحدث هانز فولكل علنًا عما عاشه ليلة 6 أيلول/سبتمبر 1972. على سبيل المثال، مشاهدة جثتي أندريه شبيتزر ويوسيف غوتفروند في المروحيات، وهما لا يزالان مقيدين بمقاعدهما. ويقول إنه لم يسع للاتصال بأقارب الضحايا. لم يكن يريد أن يفرض نفسه. ولكن في حال اتصل به أي أحد، فالأمر مختلف. حتى بعد مرور أكثر من خمسين عاماً على مذبحة ميونيخ، لا يزال هناك الكثير مما ينبغي قوله.
أعده للعربية خ. س.