استقالة نائب المستشارة الألمانية تنذر بتصدع التحالف الحكومي الألماني
١٥ نوفمبر ٢٠٠٧على الرغم من بوادر الصدمة التي سادت أمس في برلين وفي أروقة صناعة القرار السياسي الألماني بعد الإعلان عن عزم نائب مستشارة ألمانيا، وزير العمل فرانز مونتفيرنغ الاستقالة من منصبيه "لأسباب عائلية محضة"، إلا أن "هذا الزلزال البرليني المتوسط"، على حد تعبير أحد المعلقين، لم يشكل مفاجأة حقيقية للمراقبين السياسيين والمُطّلعين على آليات عمل الأحزاب السياسية الألمانية. فنائب المستشارة مونتفيرينغ، المعروف برصانته وابتعاده عن الهرولة السياسية المعتادة من أجل تحقيق مكاسب شخصية أو حزبية بأي ثمن، اضطر في الآونة الأخيرة إلى استيعاب سلسلة من الهزائم السياسية، بدأت باستقالته من رئاسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي قبل زهاء عامين وانتهت أمس باستقالته من التحالف الحكومي الموسع بعد ساعات من فشل الحزب الاشتراكي الديمقراطي في تمرير قانون يقضي بضمان حد أدنى لأجور موظفي شركة البريد الألمانية دافع عنه مونتفيرينغ بكل ما يملك من قوة.
تحولات مونتيفيرنغ و"عقلانية فن الممكن"
وعلى ما يبدو فإن التعاطف الشعبي العام مع مونتيفيرنغ ومرض زوجته بالسرطان صرفا الأنظار عن جملة التحولات التي شهدتها شخصيته والتي تفسر صعود نجمه في آخر مشواره السياسي. فمونتيفيرنغ اعتبر نفسه مرارا وتكرارا "جندي مشاة مخلصا" يضع الأولوية للدفاع عن هوية الحزب الاشتراكي الديمقراطي قبل طموحاته الشخصية. "لكنه تحول في السنوات الأخيرة من اشتراكي تقليدي مُطبع بقيم وتقاليد الحركة العمالية إلى سياسي وسطي برغماتي يتعاطى مع تحديات الواقع بعقلانية فن الممكن"، وفقا لرؤية المحلل السياسي في صحيفة "فرانكفورتر ألغماينة" الرصينة فولف شميزه. ومن هذا المنطلق تمسك فرانز مونتيفيرنغ بالسياسة الإصلاحية التي بدأها المستشار شرودر وعرفت باسم "أجندة 2010". كما تحول إلى "أهم المدافعين عن التحالف الحكومي الموسع، الذي شكل أحد أركانه السياسية منذ رؤيته النور".
مهام جديدة لشتاينماير وشولتز
أما أقطاب المعارضة الألمانية فيعتبرون أن استقالة مونتيفيرنغ ستؤدي إلى "خسارة الحزب الاشتراكي الديمقراطي عموده الفقري وواجهته الإعلامية الأولى في ظل ضعف حضور رئيس الحزب كورت بيك وتواضع قدراته القيادية"، على حد قول رئيس حزب اليسار لوثار بيسكي. وفضلا عن ذلك، أثار تبوء كل من وزير الخارجية شتاينماير منصب نائب المستشارة، والقائم بأعمال الكتلة البرلمانية الاشتراكية أولاف شولتز منصب وزير العمل شكوكا حول قدرتهما على سد الفراغ الذي سيتركه مونتيفيرنغ في الحكومة الألمانية، الأمر الذي علقت عليه مساعدة ومستشارة ميركل هيلديغارد موللر بالقول: "على السيد شولتز أن يثبت قدراته التنظيمية والمهنية في إطار آليات عمل الحكومة".
"غياب بدائل حقيقية في الخارطة الحزبية الألمانية"
لكن المراقبين يستبعدون أن تؤدي استقالة مونتفيرغ إلى انهيار الائتلاف الحكومي الموسع في برلين نظراً لغياب بدائل حقيقة له في بنية الطيف السياسي الألماني الحالية. ففي مطلع قراءته لتداعيات هذه الخطوة، يشير أستاذ العلوم السياسية في جامعة ماينز يورغن فالتر إلى أن تصدع التحالف الحكومي الموسع في برلين "أمر لا محالة منه بعد غياب مونتفيرغ، لأن هذا السياسي المخضرم لا يتمتع بثقة غالبية الناخبين الألمان فحسب، بل إنه شكل ركناَ رئيسيا في هيكلة التحالف بين الحزبيين الكبيرين في برلين".
وعلاوة على ذلك، يشدد الباحث المختص بشؤون الأحزاب السياسية الألمانية في مقابلة أجرتها معه صحيفة "نيويه باساور بريسه" على أن "انسحاب مونتفيرغ يعنى على أرض الواقع خسارة المستشارة ميركل ساعدها الأيمن وأهم شريك سياسي لها في برلين". وعلى الرغم من هذا التصدع الواضح، الذي سيصعب عمل الحكومة الائتلافية في السنتين القادمتين، إلا أن البروفسور فالتر على يقين من استمرار عمل الحكومة الحالية حتى الانتخابات البرلمانية القادمة التي ستجري في نهاية عام 2009، "نظرا لغياب بدائل حقيقية له في الخارطة الحزبية الألمانية في الوقت الراهن."
لؤي المدهون