"استراتيجية الغرب الحالية تقود إلى مواجهة عسكرية مع إيران"
٣١ أغسطس ٢٠٠٦مع انتهاء المهلة المعطاة لإيران من أجل حل النزاع القائم بشأن برنامجها النووي، تبدو الأمور سائرة نحو مزيد من التأزم بينها وبين الولايات المتحدة وحلفائها. ويأتي في مقدمة هؤلاء أعضاء الترويكا الأوروبية المؤلفة من بريطانيا وفرنسا وألمانيا. وجاء التأزم الجديد بعد رفض الرئيس الإيراني احمدي نجاد للعرض الغربي الذي يطالب إيران بوقف تخصيب اليورانيوم مقابل تقديم حوافز اقتصادية لبلاده. وأكد نجاد في خطابه قبل أمس الثلاثاء (29 أغسطس/ آب 2006) على حق طهران في هذا التخصيب وفي استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية. وعلى ضوء ذلك يتوقع المحللون أن يدفع الموقف الإيراني المتصلب باتجاه فرض عقوبات اقتصادية تمهد لحرب تقودها الولايات المتحدة ضد إيران. موقعنا التقى محسن ماسارات، أستاذ العلوم السياسية الخاصة بالشرق الأوسط والنزاعات بين الشمال والجنوب في جامعة اوسنابرك الألمانية وحاوره في احتمال تحول النزاع مع طهران إلى مواجهة عسكرية لا تحمد عقباها.
دويتشه فيله: تحدث وزير الدفاع الأمريكي رمسفيلد عن قدرة بلاده على استخدام القوة ضد طهران، هل تعتقد أن واشنطن في وضع يسمح لها باتباع الخيار العسكري رغم انشغالها بالعراق وأفغانستان؟
ماسارات: الإدارة الأمريكية لم تتحدث يوما عن خطة للقيام بهجوم بري على إيران. الحديث دار دائما عن توجيه ضربات جوية للمنشآت النووية. تبعا لذلك لا بد من أخذ تصريحات رمسفلد بمحمل الجد. من جهتي اعتقد أن الخيار العسكري الذي رسمته الولايات المتحدة لن يقتصر على ضرب المفاعلات النووية، بل سيكون على غرار التدمير الشامل الذي ألحقته إسرائيل بلبنان. ومما يعنيه ذلك ضرب البنية التحتية الإيرانية من أجل شل قدرة إيران على إعادة تجميع قواها لسنوات طويلة. أما ما سيعينه ذلك بالنسبة للاقتصاد الإيراني وردود أفعال طهران على ذلك فأمر لا يمكن التكهن به.
دويتشه فيله: دعنا نفترض إن واشنطن فضلت الخيار العسكري، أي دور يمكن أن يلعبه حزب الله هنا على ضوء الحرب الأخيرة بينه وبين إسرائيل؟
ماسارات: لا اعتقد أن حزب الله مجرد دمية في أيدي إيران، فهذا الحزب عبارة عن حركة لها مصالح وطنية وذات جذور قوية في صفوف الطائفة الشيعية اللبنانية. بلا شك هناك تعاون بين إيران وحزب الله كما هو عليه الحال بين إسرائيل والولايات المتحدة، وربما يكون تعاون الأخيرتين أقوى. غير أنه لا بد من القول إن كل من إسرائيل وحزب الله يتحرك وفقا لمصلحته الوطنية. لكن هذا لا يمنع دخول إيران على الخط لدعم حزب الله لأن قوته العسكرية تشكل أداة ردع لإسرائيل في حال تفكيرها بهجمات عسكرية ضد المنشآت والبنى التحتية الإيرانية. في هذا السياق يمكن القول إن المواجهة بين إيران وإسرائيل تشبه المواجهة بين القطبين الشيوعي والرأسمالي أيام الحرب الباردة، وإن حزب الله جزء منها.
دويتشه فيله: تنتهي اليوم المهلة المحددة لإيران بشأن موقفها من العرض الغربي الخاص بإنهاء النزاع معها في وقت يتم فيه التلويح بسلاح فرض عقوبات اقتصادية عليها، كيف يمكن فرض هذه العقوبات على ضوء الأهمية الاقتصادية والجغرافية والسياسية التي تتمتع بها في منطقة الشرق والأوسط والعالم الإسلامي؟
ماسارات: أعتقد أن العقوبات لن تحل المشكلة لأنها جزء من استراتيجية المواجهة. السؤال المطروح هو، ما الذي يريده الغرب؟ هل يريد شرق أوسط مستقر وخال من السلاح؟ أم يريد منطقة يحق فيها فقط لحلفاء أمريكا وفي مقدمتهم إسرائيل بناء ترساناتهم العسكرية، بينما يُحرم الآخرون من ذلك بغية إركاعهم لمخططات واشنطن. إذا كان الغرب يريد الأخيرة فإن الأمور تسير باتجاه الحرب. أما مقدمة ذلك فهي دفع أوروبا للمشاركة في فرض عقوبات تقود إلى مواجهة عسكرية. مثل هذه المواجهة ستضر بمصالح الأوروبيين، لاسيما وأنها تقع في منطقة تشكل مصدرا حيويا لطاقتهم. شيء مؤسف أن قادة أوروبا لا يعون حقيقة هذا الضرر ولا يسلكون طريقا آخر غير الطريق الذي رسمته واشنطن. إذا ألقى المرء نظرة على علاقة الترويكا الأوروبية بإيران سوف يكتشف بأنها لم تأخذ بعين الاعتبار مخاوف طهران الأمنية. على العكس من ذلك تم التركيز على هدف واحد يتمثل في منعها من تخصيب اليورانيوم. هذه ليست سياسة حكيمة وإنما سياسة يقود إلى مزيد من الحروب.
دويتشه فيله: ما هي الخيارات الممكنة أمام أوروبا لنزع فتيل النزاع مع إيران؟
ماسارات: نلاحظ من خلال النزاع بين إسرائيل ولبنان إلى أي مدى يرتبط هذه النزاع بالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي. إضافة لذلك هناك نزاعات حدودية كما هو عليه الحال بين سوريا وتركيا. وهناك نزاعات على حقول النفط كما هو عليه الحال بين الكويت والعراق، إضافة إلى النزاع في كردستان. وهكذا فإن منطقة الشرق الأوسط تشكل أرضا خصبة لمزيد من النزاعات. على صعيد توفر هذه المنطقة على ضوء أهميتها الخاصة للعالم شروط البدء بخطوات عملية لحل نزاعاتها على أساس التعاون الأمني والاقتصادي. مثل هذا الحل اتبعناه في أوروبا في إطار منظمة الأمن والتعاون الاقتصادي KSZE. فكرة مثل هذا التعاون التي ليست بجديدة طرحها وزير الخارجية الألمانية شتاينماير مؤخرا. غير أن المشكلة في إهمالها وتأخير البدء بتطبيقها. أعتقد أن مؤتمرا للأمن والتعاون الاقتصادي في الشرق الأوسط يجب أن يبدأ اليوم وليس غدا لأن كل تأخير يعني احتمال قيام نزاعات وحروب جديدة. وفي هذا السياق لا أرى مشكلة في عدم انضمام جميع الدول المعنية إليها في البداية. كما لا أرى مشكلة في رفض إسرائيل والولايات المتحدة لها. أقصد من ذلك أن يمكن البدء بالدول الأخرى على أن تنضم الدول الرافضة والمتحفظة لاحقا عندما تكتشف أن ذلك هو الطريق الفضل لضمان أمنها واستقرارها ومستقبلها.
محسن ماسارات، استاذ العلوم السياسية وباحث مختص بالنزاعات بين الشمال والجنوب في جامعة اوسنابرك الألمانية.
أجرى المقابلة لؤي المدهون