اتفاق التعاون الليبي الأوروبي خطوة على درب مفاوضات صعبة
١٢ يونيو ٢٠١٠وقع الإتحاد الأوروبي وليبيا اتفاقا للتعاون وتعميق الحوار السياسي بين الجانبين والعمل من أجل النهوض بمبادرات الشراكة بينهما، ووقع الاتفاق في طرابلس يوم الخميس( 10 مايو/أيار 2010) في ختام الجولة السابعة من مفاوضات الجانبين الهادفة إلى التوصل إلى اتفاق شراكة بينهما.
ويعتبر الاتفاق الليبي الأوروبي الأول من نوعه يتوصل إليه الجانبان منذ نهاية أزمة لوكربي وقضية الممرضات البلغاريات (2007)، بيد أن المراقبين يرون أن الإتفاق ليس سوى خطوة أولى في طريق مفاوضات صعبة يخوضها الجانبان منذ بضعة أشهر من أجل التوصل إلى إتفاق شراكة. ومن المتوقع أن يعقد الجانبان خلال الشهر المقبل جولة جديدة من المحادثات في بروكسل ستتركز حول القضايا العالقة ومن أبرزها ملف الهجرة غير الشرعية.
الاتفاق خطوة أولى
يشمل اتفاق التعاون الذي وقعه الإتحاد الأوروبي وليبيا على تعميق التعاون في مجالات والتجارة والضرائب والطاقات المتجددة وقطاعات النقل والعلوم والتقنية. وينص الإتفاق على أن تقدما حصل في مفاوضات الجانبين بشأن تشجيع تقارب المؤسسات والقواعد التنظيمية للمعاملات الإدارية والتجارية.
وحسب هيغو منغريلي، مدير إدارة العلاقات الخارجية في مفوضية الإتحاد الأوروبي، فإن الجانبين اتفاقا على تعميق الحوار السياسي من أجل تعزيز التعاون في المؤسسات والمحافل الإقليمية والدولية. وقال المسؤول الأوروبي في أعقاب توقيع الإتفاق إن "الجانبين اتفاقا كذلك على التعاون في إطار أجهزة الأمم المتحدة والسعي إلى كبح إطار انتشار أسلحة الدمار الشامل ومكافحة الإرهاب".
بيد أن التوصل لاتفاق بين ليبيا والإتحاد الأوروبي تزامن مع إشارات متناقضة وخصوصا من الجانب الليبي، فبقدر ما بعث قرار السلطات الليبية بالإفراج عن رجل الأعمال السويسري ماكس غولدي من سجن ليبي أجواء ارتياح في سويسرا وأوروبا بشكل عام، فقد كان قرار طرابلس بإغلاق مكتب مفوضية الأمم المتحدة للاجئين في ليبيا إشارة سلبية موجهة للدول الأوروبية وخصوصا إيطاليا التي تقوم بعمليات "إعادة قسرية للاجئين والمهاجرين غير الشرعيين الوافدين إليها عبر السواحل الليبية". ومن المتوقع أن يسفر قرار إغلاق مكتب مفوضية اللاجئين عن تعقيد أوضاع عشرات آلاف اللاجئين في ليبيا، وهو ما أبدى الإتحاد الأوروبي قلقه الشديد بشأنه.
اهتمام أوروبي متزايد بدور ليبيا
ورغم الأهمية التي يبديها الجانبان الأوروبي والليبي بالتوصل إلى اتفاق طرابلس فإن الجانبين يدركان أنه ليس سوى خطوة أولى على درب التوصل إلى إتفاق شراكة على غرار الاتفاقيات التي تربط باقي دول المغرب العربي بالإتحاد الأوروبي. وقد أبدى سفير الإتحاد الأوروبي في تونس أدريانوس هوتسنجر الذي يعد أحد أبرز المفاوضين الأوروبيين مع الجانب الليبي، "تفاؤله بمستقبل المفاوضات المتواصلة مع ليبيا"، مبرزا أن الهدف يكمن في التوصل إلى اتفاق إطار للشراكة بين الجانبين وأن الأمور "تسير في هذا الاتجاه". وقال السفير الأوروبي خلال ندوة حول "العلاقات الأوروبية المغاربية" عقدت الأسبوع الماضي في تونس، وذلك قبيل توقيع الإتفاق، إنه يدرك أن هنالك ملفات ما تزال تتطلب مزيدا من المفاوضات، مشيرا على الخصوص إلى ملف الهجرة غير الشرعية وتأشيرات السفر بين الجانبين إضافة لمسألة الاعتراف بالمحكمة الجنائية الدولية التي ترفضها ليبيا لحد الآن.
من جهته قال مصطفى فيتوري رئيس قسم إدارة الأعمال في أكاديمية الدراسات العليا في طرابلس في حوار مع دويتشه فيله إن " توقيع إتفاق الإطار الجزئي يشكل الخطوة الأولى على طريق الارتباط الوثيق بين الجانبين". وأضاف أن توقيع الاتفاق "بمثابة إعلان بأن ليبيا لم تعد يُنظر لها أوروبيا بشكل مطابق للمنظور الأميركي الذي طبع علاقات واشنطن بطرابلس خلال العقود الماضية". وأشار الباحث الليبي إلى الأهمية المتزايدة التي تحظى بها ليبيا لدى الإتحاد الأوروبي كونها مصدرا قريبا للطاقة ولديها اتفاقيات تعاون عديدة مع دول أوروبية، وتذهب حوالي 90 في المائة من صادراتها من الطاقة إلى أوروبا، وتعتبر ايطاليا الشريك التجاري الأول لليبيا. وأضاف فيتوري أن قرب ليبيا الجغرافي من أوروبا ضاعف من أهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه هذا البلد في ملف الهجرة غير الشرعية الذي يوليه الأوروبيون أولوية كبيرة.
"ليبيا ترفض دور حارس حدود أوروبا"
ويسعى الجانبان الليبي والأوروبي إلى التوصل إلى اتفاق شراكة قبل نهاية العام الحالي، وذلك حسب ما أكده السفير الأوروبي ادريانوس هوتسنجرخلال ندوة" العلاقات الأوروبية المغاربية" التي عقدتها أخيرا الجمعية التونسية للدراسات الدولية بالتعاون مع مؤسسة فريدريتش ايبرت الألمانية. ويشكل ملف الهجرة غير الشرعية العقبة الرئيسية في سبيل التوصل إلى اتفاق شراكة، ويسعى الإتحاد الأوروبي لإقناع ليبيا بلعب دور قوي في مكافحة تسلل المهاجرين غير الشرعيين الوافدين من أنحاء مختلفة من القارة الإفريقية، ويستخدمون الشواطئ الليبية كمنطلق لرحلاتهم عبر مياه البحر الأبيض المتوسط إلى الشواطئ الإيطالية.
وبرأي الباحث الليبي مصطفى فيتوري فإن عدم الاتفاق لحد الآن بين ليبيا والإتحاد الأوروبي حول ملف الهجرة غير الشرعية مرده إلى تباين وجهات نظر الطرفين إزاء معالجة هذه الظاهرة، موضحا أن "ليبيا لا تريد القيام بدور الشرطي حارس حدود أوروبا".
وأوضح فيتوري أن "ليبيا تصر على عدم استقبال المهاجرين غير الشرعيين الذين يتم ترحيلهم من الدول الأوروبية، وهي (ليبيا) ترى أنه من الضروري ترحيلهم مباشرة إلى بلدانهم الأصلية". وأشار الباحث الليبي إلى ضعف الدعم التقني واللوجستي الأوروبي المقدم لليبيا لمساعدتها على مراقبة حدوها التي تمتد التي لأكثر من ألفي كيلومتر على سواحل البحر الأبيض المتوسط ناهيك عن حدودها المترامية مع دول جنوب الصحراء الإفريقية.
وبالإضافة إلى الخلاف حول ملف الهجرة غير الشرعية، ما تزال الهوة قائمة بين المفاوضين الليبيين والأوروبيين بشأن موضوع تسهيل حصول المواطنين الليبيين على تأشيرات السفر إلى أوروبا، ومسألة اعتراف ليبيا بالمحكمة الجنائية الدولية وموضوع حقوق الإنسان، إضافة إلى بعض مخلفات قضية الممرضات البلغاريات، حيث تطالب طرابلس بمزيد من الدعم الأوروبي لمعالجة الأطفال الليبيين المصابين بالأيدز.
ويذكر أن ليبيا لم تنضم إلى مسار الشراكة الأوروبية المتوسطية التي انطلقت من برشلونة منذ عام 1995. وشهدت علاقاتها بالدول الأوروبية في السنوات القليلة الأخيرة تحسنا ملحوظا. وكان من المنتظر أن تشارك في قمة "الإتحاد من أجل المتوسط" التي كان مقررا عقدها في السابع من شهر يونيو/ حزيران الحالي في برشلونة، قبل أن يتقرر إرجاؤها إلى شهر نوفمبر /تشرين الثاني المقبل.
الكاتب: منصف السليمي
مراجعة: عبده جميل الخلافي