اتفاق الانسحاب الأمريكي من العراق.. مجرد "مسرحية دبلوماسية"؟
٢٩ يوليو ٢٠٢١شهد هذا الأسبوع اتفاق الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي على إنهاء المهام القتالية للقوات الأمريكية في العراق بنهاية العام الجاري وذلك خلال زيارة الكاظمي للولايات المتحدة الاثنين الماضي.
وأكد البيان المشترك للجولة الرابعة من "الحوار الاستراتيجي" بين بغداد وواشنطن أن "العلاقة الأمنية سوف تنتقل بالكامل إلى دور خاص بالتدريب وتقديم المشورة والمساعدة وتبادل المعلومات الاستخباراتية".
وأضاف البيان "لن تكون هناك قوات أمريكية تقوم بدور قتالي في العراق بنهاية الحادي والثلاثين من ديسمبر / كانون الأول عام 2021."
وأشار البيان إلى أن القواعد العسكرية التي استخدمتها القوات الأمريكية "هي قواعد عراقية تعمل وفقا للقوانين العراقية" وأن الجنود الدوليين المتمركزين في هذه القواعد كانوا فقط للمساعدة في الحرب على "داعش".
غضب عراقي
ولم يحمل إعلان اتفاق الانسحاب أو التوصل إليه أي مفاجأة للمراقبين أو حتى للعراقيين بسبب أن الاتفاق جاء كنتيجة غير مباشرة للأحداث التي وقعت في يناير / كانون الثاني عام 2020.
ففي الثالث من ذاك الشهر، قٌتل قاسم سليماني - القائد السابق لفيلق القدس الإيراني- ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس وشخصيات أخرى من ميليشيات تدعمها إيران في غارة شنتها الولايات المتحدة بطائرة مسيرة استهدفت موكبهم في مطار بغداد.
وعلى وقع الغضب إزاء انتهاك السيادة العراقية، صوت البرلمان في أواخر يناير / تشرين الثاني على طرد القوات الأمريكية من العراق.
بيد أن تصويت البرلمان العراقي على الانسحاب لم يكن ملزما، لكن جاء اتفاق الانسحاب الأمريكي من العراق من قبل بايدن والكاظمي لينهي فصلا من الوجود القتالي للجنود الأمريكيين في العراق.
ومع ذلك ورغم الضجة التي صاحبت الإعلان عن الاتفاق، فإنه يجدر الإشارة إلى أن الانسحاب الأمريكي من العراق ليس انسحابا كاملا على غرار السيناريو الأمريكي في أفغانستان إذ قررت إدارة بايدن الانسحاب الكامل من أفغانستان قبل الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2021.
فمن المرجح أن يشهد القرار الأمريكي-العراقي إعادة ترتيب القوات الأمريكية وتحديد دورها أكثر من خفض عددها.
ويتواجد على الأراضي العراقية حاليا قرابة 2500 جندي أمريكي.
"مسرحية دبلوماسية"؟
وقبل زيارة الكاظمي إلى الولايات المتحدة، وصفت صحيفة "نيويورك تايمز" الاتفاق الجديد بكونه ليس سوى "مسرحية دبلوماسية"، فيما انتقدت قناة "صابرين نيوز" التابعة للحشد الشعبي على منصة تليغرام الاتفاق إذ قالت في منشور: "لن يتم سحب أي جندي أمريكي...سوف يتم تغيير توصيفهم على الورق !".
ونشرت "صابرين نيوز" العديد من الرسائل عن استمرار محاربة القوات الأمريكية تحت وسم #الانسحاب_بشروط_المقاومة.
فلماذا يُنظر إلى الاتفاق باعتباره "عرضا مسرحيا"؟ يرجع هذا الأمر إلى التسامح المستمر للوجود الأمريكي في العراق باعتباره سرا لكنه مكشوف بمعنى أن كل شخص في السلطة يتفق عليه ضمنيا لكنه لا يمكنه الحديث عنه علنا.
وفي ذلك، قال ريناد منصور - مدير "مشروع مبادرة العراق" في معهد تشاتام هاوس السياسي في لندن- إن "معظم القادة العراقيين يدركون أهمية التواجد الأمريكي في العراق بما في ذلك السياسيين الذين لا يتحدثون عن الأمر علنا".
وفي مقابلة مع DW، أضاف منصور "يريد عدد قليل من القادة العراقيين ـ بما ذلك بعض القادة شبه العسكريين – انسحاب الولايات المتحدة من العراق بشكل كامل وقطع العلاقات"، في إشارة إلى قادة الميليشيات المدعومة من إيران التي يعتقد أنها وراء الهجمات بطائرات مسيرة التي تستهدف قواعد تستخدمها القوات الأمريكية وكذلك قوافل إمدادات أمريكية.
وأكد منصور "بشكل عام، توفر الولايات المتحدة غطاءً للتمثيل الغربي في العراق بمعنى إذا غادرت الولايات المتحدة بشكل كامل، فمن المحتمل أن تحذو دول أخرى حذوها مثل بريطانيا وألمانيا. وفي هذه الحالة، يصبح العراق بلدا منبوذا ومنغلقا على العالم".
وأشار منصور إلى أن هذا السيناريو ربما لا ترغب الأطراف الدولية في حدوثه بما في ذلك إيران- خصم أمريكا اللدود في العراق – إذ أن طهران لا تريد هذا الانسحاب الكامل بالضرورة.
وأوضح منصور ما ذهب إليه بقوله إن إيران تستفيد من أن حدود العراق في جوارها لا تزال مفتوحة على العالم الخارجي في الوقت الذي تجد فيه طهران نفسها محاصرة بالعقوبات ومنبوذة من الكثير من أعضاء المجتمع الدولي.
انتهاء المهام القتالية
وفي مقابلة مع DW، أكد مسؤول بارز في الحكومة العراقية – طلب عدم الكشف عن هويته – أن "القوات الأمريكية يُنظر إليها بأنها تحقق توازنا وتردع إيران".
ويقوم النظام السياسي في العراق على أساس التوازن بين مكوناته السكانية الثلاثة الرئيسية وهم الشيعة والسنة والكرد.
ويخشى المكونان السني والكردي من أنه في حالة الانسحاب الأمريكي الكامل فإن المليشيات الشيعية المدعومة من إيران ستملأ أي فراغ أمني.
وفي تعليقه على إعلان الكاظمي أن العراق لا يحتاج لقوات قتالية أمريكية، قال المسؤول إن "هذا الأمر حقيقي".
وقال المسؤول "لكن من الناحية العملية، لا نزال في حاجة إلى القوات الأمريكية في العراق خاصة عندما يتطرق الأمر إلى المقاتلات العسكرية والغطاء الجوي. السلاح الجوي العراقي ضعيف بشكل نسبي ومن غير القوات الجوية الأمريكية، لكان العراق أكثر عرضة للهجمات الطائرات المسيرة الخارجية وأيضا سيواجه صعوبات في شن هجمات جوية ضد داعش."
وأضاف المسؤول أن "الجيش العراقي أيضا في حاجة إلى الحصول على معلومات استخباراتية أمريكية بشأن إرهابيي داعش".
بيد أن المسؤول شدد على أن الأمر البالغ في الأهمية يتمثل في التدريب، مضيفا "نحن في حاجة إلى ضمان أن جيشنا محايد وقوي ومحترف. وإذا تراجعت قدرات الجيش العراقي، فإن هذا الأمر سيصب مرة أخرى في صالح التنظيمات شبه العسكرية (الموالية لإيران)".
الأسلوب الأمثل
أما فيما يتعلق بالولايات المتحدة، فإن الانسحاب الكامل من العراق سيضر أيضا بمصالحها، وفقا لما ذكره باحثون من منظمة "راند" البحثية ومقرها ولاية كاليفورنيا الأمريكية في تقرير نشر في مايو / أيار عام 2020 بشأن خيارات أمريكا في العراق.
وخلص الباحثون بعد دراسة كافة الاحتمالات بما في ذلك الانسحاب الأمريكي الكامل، إلى أن أفضل الخيارات أمام واشنطن يتمثل في التوسط في أمر الانسحاب بمعنى الحفاظ على قوة صغيرة من المستشارين والمدربين.
وأشار الباحثون في التقرير إلى أن "دعم عراق مستقر وصديق يخدم المصالح الأمريكية طويلة الأمد، فضلا عن أن التواجد (الأمريكي) طويل الأمد سيحافظ أيضا على النفوذ الأمريكي في العراق وبالتالي يمكن أن يساعد في تخفيف النفوذ الإيراني والروسي وأشكال أخرى من النفوذ الخبيث".
وتتواجد القوات الأمريكية في العراق منذ عام 2003 عندما وصل قرابة 125 ألف جندي أمريكي إلى العراق في مارس / أذار من ذاك العام بزعم تدمير "أسلحة الدمار الشامل" ليسفر الغزو الأمريكي عن الإطاحة بالرئيس الأسبق صدام حسين.
تحولات سياسية
وعقب تولي الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما زمام الأمور في البيت الأبيض عام 2009، تعهد بسحب القوات الأمريكية من العراق إذ بدأ خفض عدد الجنود الأمريكيين بشكل مطرد.
وقال مراقبون للسياسة الخارجية في تغريدات إنه كان من المفترض "أن ينتقل دور الدور الأمريكي إلى الدور الاستشاري" منذ سنوات وحتى اليوم مثلما كان الأمر بين عامي 2007 و2009.
بيد أن ظهور داعش في العراق وسوريا عام 2014 كشف عن حاجة العراق لاستمرار الدعم العسكري الأمريكي مرة أخرى.
وفي ضوء عدم تمكن الجيش العراقي والقوات الكردية من شن هجمات دفاعية ضد "داعش" في بداية الأمر، اعتمدت هذه القوات بشكل كبير على الضربات الجوية الأمريكية لصد تقدم التنظيم.
وفي ذاك الوقت، كان عدد الجنود الأمريكيين في العراق يقترب من خمسة آلاف جندي.
وعلى وقع هزيمة "داعش" إلى حد ما فيما بعد، بدأ عدد القوات الأمريكية في العراق في الانخفاض وفي العام الماضي، قرر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خفض هذا العدد ليصل إلى 2500.
وبعيدا عن السياسية، فإن اتفاق الانسحاب الأمريكي الذي أعلنه بايدن والكاظمي من غير المحتمل أن يحمل في طياته تغييرا كبيرا على حياة العراقيين العاديين إذ اختفت منذ زمن طويل من المدن العراقية نقاط التفتيش التي كانت قوات أمريكية تتمركز فيها.
ففي الوقت الحالي، باتت كافة نقاط التفتيش في العراق تتمركز فيها قوات من الجيش أو الشرطة أو عناصر من الحشد الشعبي.
وبات الحديث عن الوجود العسكري الأمريكي في الشارع العراقي منحصرا على سماع أنباء عن شن القوات الأمريكية ضربات جوية أو غارات بطائرات مسيرة. ولم ير معظم العراقيين العاديين جنديا أمريكيا أمامهم منذ سنوات فقد غاب مشهد الجنود الأمريكيين من الشوارع العراقية.
كاثرين شاير / م ع