إيمانويل ماكرون الابن المشاكس لحلف شمال الأطلسي!
٣ ديسمبر ٢٠١٩وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تصريحات نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون التي قال فيها إن حلف شمال الأطلسي (ناتو) "في حالة موت سريري"، بأنها "سيئة" و"مهينة" و"شديدة الخطورة". واعتبر أنه "لا أحد يحتاج للناتو أكثر من فرنسا".
وقلب ترامب الطاولة على نظيره الفرنسي، وقال إن فرنسا تعاني من "معدل بطالة شديد الارتفاع" وضعف في الأداء الاقتصادي ومشكلات مع محتجي "السترات الصفراء". كما انتقد ضريبة جديدة أقرتها فرنسا تطال بشكل اساسي عمالقة الانترنت غوغل وأمازون وآبل وفيسبوك، وهي كلها شركات أمريكية.
ويبدو أن ماكرون سياسي غير صبور، إذ يفضل الهرولة نحو المستقبل، واختيار عبارات قاسية والتقدم إلى الأمام. وعلى هذا النحو فاز كسياسي غير معروف بالانتخابات الرئاسية في فرنسا عام 2017. والآن يتطلع إلى تحقيق ثورة في سياسة الدفاع الأوروبية، لأنه وحسب ماكرون لا يمكن التعويل على الأمريكيين كضامن للأمن الأطلسي الأوروبي. وأوصى ماكرون بأنه يجب على الأوروبيين أخذ الدفاع بأيديهم وإلا سيهددهم التهميش الجيو سياسي. لكن ماكرون بذلك أثار غضب الشركاء الأوروبيين. "ويُتهم بأنه أخذ الحق في التحدث لصالح أوروبا، إلا أنه لم يتحدث مع أوروبا"، كما قالت خبيرة شؤون الدفاع كلاوديا مايور. وفي بولندا ودول البلطيق يشعر الناس مباشرة بالتهديد من تصورات ماكرون. فهناك يُعتبر حلف الناتو هو الضمانة الوحيدة ضد الجارة الكبيرة المهددة لهم روسيا. وفي البداية أعلن ماكرون عن نيته تطبيع العلاقات مع روسيا. والآن تظهر كلماته "خطيرة"، كما يقول رئيس الوزراء البولندي.
ألمانيا: لا للتجارب
وفي ألمانيا جاء رد الفعل على تصريحات ماكرون سلبيا، وبهذا يتكرر نموذج يطغى على العلاقات الألمانية الفرنسية منذ تولي ماكرون زمام الحكم، حيث يطرح أفكارا وتصورات كبيرة لبداية أوروبية جديدة والألمان يستخدمون يكبحون جماحه.
وفي هذا السياق كشف استطلاع حديث أن أغلب المواطنين الألمان يؤيدون الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فيما يتعلق بضرورة تحقيق استقلالية أوروبية عن الولايات المتحدة الأمريكية في شؤون الدفاع وكذلك بشأن تحقيق مزيد من التقارب مع روسيا.
وبحسب الاستطلاع الذي أجراه معهد "يوغوف" لاستطلاعات الرأي بتكليف من وكالة الأنباء الألمانية، يرغب 55 بالمائة من الألمان في أن تحمي الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي "ناتو" نفسها من أية هجمات بشكل مستقل بدون مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية. وأعرب 21 بالمائة فقط من المشاركين في الاستطلاع عن رغبتهم في عدم الاستغناء عن الدعم العسكري الأمريكي.
وأيّد 48 بالمائة من المواطنين الألمان الانسحاب التام أو الجزئي لنحو 35 ألف جندي أمريكي من ألمانيا، فيما عارض 32 بالمائة ذلك، وقالوا إنه يجب أن تظل القوات الأمريكية بكامل قوتها في ألمانيا. وأعرب 54 بالمائة ممن شملهم الاستطلاع عن ضرورة أن يعول حلف الأطلسي مجددا بشكل أقوى على التعاون مع روسيا بدلا من الردع العسكري، فيما أيّد 21 بالمائة مواصلة النهج الصارم تجاه موسكو.
ولكن فيما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا، فقد انقسم الألمان في الرأي في هذا الشأن، حيث أعرب 34 بالمائة منهم عن تأييدهم لإلغائها، وعارض 37 بالمائة الإلغاء، وأحجم 29 بالمائة عن التصريح برأي تجاه الأمر. وشمل استطلاع معهد "يوغوف" 2049 شخصا وتم إجراؤه في الفترة الزمنية بين 29 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي والثاني من ديسمبر/ كانون الأول الجاري.
ماكرون يريد فرض النقاش المبدئي
لكن ماكرون يريد النقاش حول "الموت السريري" المفترض لحلف شمال الأطلسي. وتقليديا تبقى المواقف الألمانية والفرنسية متباينة في عدة مجالات. ففي فرنسا تسود الشكوك تجاه حلف الناتو، إذ يعتقد الفرنسيون أنه بالإمكان تولي مهام الدفاع دون الأمريكيين، وتملك فرنسا بخلاف ألمانيا القنبلة النووية. والألمان يعولون في الردع النووي والدفاع الذاتي على أمريكا. وحلف الناتو يلعب هنا دورا محوريا. ونأت الحكومة الألمانية بنفسها عن الموقف الفرنسي الذي اتهم الناتو بالموت السريري. وأكدت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ووزير خارجيتها هايكو ماس أن أوروبا لا يمكنها الدفاع عن نفسها دون الولايات المتحدة الأمريكية.
ويفيد الخبراء بأن الحلف الأطلسي يعاني من مشكلة سياسية عميقة. وهذا يعود لضعف في النظرة الاستراتيجية، فالأوروبيون ليس لديهم مشروع استراتيجي لكيفية تأمين الدفاع عن أنفسهم بعد عشر أو خمس عشرة سنة، حين ينسحب الأمريكيون من أوروبا.
لكن يجب الاعتراف بأن الوضع العسكري للناتو جيد، إذ يبقى هو الحلف العسكري الأقوى في التاريخ. وميزانيات الدفاع تزداد بعد 25 عاما لأول مرة. وهذا ما يؤكده ينس شتولتنبيرغ، الأمين العام للحلف عندما إثارة انتقاد ماكرون ويتجاهل المشكلة الحقيقية المتمثلة في التوجه السياسي للحلف.
لويزا فون ريشتهوفن/ م.أ.م