هدوء حذر في الخرطوم ـ الوساطة الإثيوبية تؤتي أكلها؟
١٢ يونيو ٢٠١٩زيارة خاطفة لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى السودان أخذت نتائجها تظهر شيئا فشيئا. وكان أحمد قد التقى مع قادة الجيش وقيادات الحراك السلمي السوداني في محاولة منه لإحياء المباحثات بين الطرفين بعد الفض الدموي لاعتصام القيادة العامة وتصاعد الإدانات الدولية للمجلس العسكري.
التحرك الإثيوبي.. لماذا؟
يقول إسماعيل التاج، المتحدث الرسمي باسم تجمع المهنيين السودانيين المعارض، إن "الحالة السودانية إن لم تعد إلى مسارها الصحيح فسوف يكون هناك انفلات إقليمي لأن الكتائب والميليشيات المسلحة الموجودة في السودان تنتشر بين عدة دول بسبب الصفة القبلية التي تتمتع بها". ويضيف في مقابلة له مع DW عربية أن رئيس الوزراء الإثيوبي "يدرك أهمية وجود سودان مستقر حتى لا تمتد آثار عدم استقراره إلى القرن الإفريقي ودول الجوار".
هذا التفاؤل - وإن كان حذراً - والذي يبديه المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين، لا يتفق معه جان بابتيست جالوبين الباحث في علم الاجتماع والخبير في دور القوات المسلحة في الثورات وخبير الشؤون الإفريقية.
يقول جالوبين إن وساطة إثيوبيا لم تنطلق من نفسها وإنما جاءت بناء على توصية من الاتحاد الأفريقي لاستكمال المفاوضات بين العسكر والحراك المدني. ويرى الخبير الفرنسي أن محور هذه المباحثات سيكون هو مدى قبول المجلس العسكري بالدور المدني في قيادة البلاد وحجم هذا الدور وسيتضح مع الوقت ما اذا كان العسكر سيقاومون ذلك ويعملون بكل طاقتهم لمنع انتقال السلطة للمدنيين أم لا، بحسب ما أفاد خلال مقابلة له مع DW عربية.
أوراق القوة إثيوبية.. فماذا عن الآخرين؟
دخل الزعيم الإثيوبي إلى مشهد الأزمة السياسية في السودان بثقله مُسلَحاً بعدد من أوراق القوة التي قد تضمن لتدخله هذا إحداث بعض التقدم في ملف المباحثات المعلقة بين المجلس العسكري الانتقالي والحراك المدني السوداني.
وتتمثل أوراق القوة هذه، بحسب إسماعيل التاج المتحدث الرسمي باسم تجمع المهنيين السودانيين، في "مكانته السياسية الآن في القارة الإفريقية باعتباره أحد القادة الشباب الذين استطاعوا أن يقودوا إثيوبيا في كافة المجالات سواء سياسياً أو اقتصادياً. بالإضافة إلى أنه قادم من دولة ديمقراطية وأنه مدعوم بشدة من جانب منظمة (الإيغاد) والاتحاد الإفريقي باعتبار أن إثيوبيا هي مقر الاتحاد".
لكن اللواء المتقاعد بابكر إبراهيم أحمد الخبير العسكري والاستراتيجي يرى أن إثيوبيا لا تنفرد وحدها بالعمل على حل الأزمة السياسية بالسودان. ويؤكد الخبير العسكري في مقابلة مع DW عربية أن "الدول العربية تحركت بالفعل لحل الأزمة في السودان لكنها لم تتحرك في العلن". ويضيف الخبير العسكري السوداني بأنه على علم بأن "هناك دورا مصريا شديد الأهمية"، مشيرا إلى أن هذا الدور مدعوم إقليميا ودوليا.
لكن الخبير في الشأن الأفريقي، جان بابتيست جالوبين، يرى أن "القوى الإقليمية خاصة الحلف المصري السعودي الإماراتي وهو التحالف الوحيد الذي يمكنه أن يضغط على المجلس العسكري لضمان نقل السلطة للمدنيين".
ويوضح جالوبين بأن هذا التحالف تحديداً لديه "خوف شديد من نجاح تجربة انتقال السلطة من العسكر إلى المدنيين عبر حراك شعبي سلمي لينتج عند ذلك دولة ديمقراطية ما قد يؤدي لانتقال الحلم بالحرية والتغيير إلى شعوب تلك الأنظمة هو الأمر الذي يهدد استقرار تلك الأنظمة بشدة".
ويقلل الباحث الفرنسي من شأن الأوراق التي يملكها الحراك المدني في السودان ويقول: "لا يوجد لديه حالياً أي أوراق قوة فعلية قد تسهم في تغيير المشهد لصالحه إلا بعض المظاهرات والعصيان المدني وهي أوراق لا أعتقد أنها ضاغطة أو قوية بما فيه الكفاية لتجعل العسكر يتنازلون طوعاً عن السلطة".
هل تنجح الوساطة الإثيوبية؟
يأمل الكثيرين في أن تنجح مساعي رئيس الوزراء الإثيوبي في نزع فتيل الأزمة خاصة بعد نجاحه في إقناع الحراك المدني السوداني بانهاء العصيان المدني والعودة للتفاوض مع المجلس العسكري.
لكن، وبحسب جالوبين، فإن الأمر يبدو أعقد من ذلك بكثير، "فالحقيقة أنه لا توجد ضغوط فعلية على العسكر لتسليم السلطة وإنما فقط للعودة إلى التفاوض"، وهو ما كان الوضع عليه قبل فك الاعتصام بالقوة. ويعرب الباحث الفرنسي عن اعتقاده أن أياً من الطرفين "لن يقدم تنازلات إضافية لأن المدنيين سيكونون غاضبين للغاية من قادة إعلان الحرية والتغيير حال التوصل لأي اتفاق يبقى العسكر في الحكم بأي صورة وخصوصاً البرهان أو حميدتي (رئيس المجلس العسكري ونائبه) ".
ويضيف الخبير الفرنسي في الشأن الإفريقي أن "قادة الحراك المدني إن وافقوا على اتفاق من هذا النوع فسيفقدون مصداقيتهم لدى الشارع السوداني، وعلى الجانب الآخر فإنه من الصعب أن يوافق العسكر على تقزيم دورهم والحد من قدراتهم أو الإطاحة بأي من القادة السبعة (اعضاء المجلس) وبالتالي فإن هوامش المناورة لدى الطرفين محدودة للغاية".
في هذا الإطار ظهر أكثر من اقتراح أحدها كان الإبقاء على نوع من التمثيل للعسكر في الحكومة الانتقالية الجديدة، كما أن رئيس الوزراء الإثيوبي اقترح أن تكون الأغلبية في المجلس السيادي للمدنيين على أن تكون رئاسة المجلس بالتبادل بين العسكر والمدنيين لحين انتهاء الفترة الانتقالية.
ع.ح/ أ.ح