إلى أين يقود القادة العراقيون البلاد بعد عودة السيادة؟
٤ يناير ٢٠١٢لا ينفك المشهد العراقي أن يشهد هدوءا لفترة ما، حتى تعود أجواء الأزمة إليه من جديد. وبعد انسحاب القوات الأميركية من العراق، تنوعت ردود فعل القوى السياسية العراقية على هذا الانسحاب، بين مؤيد، مرحب بعودة السيادة العراقية، ومعارض خائف من تداعياته. الخوف والترحيب من مغادرة آخر جندي أميركي اعتمدا على طبيعة التغيير في موازين القوى بالعراق بعد سقوط نظام صدام حسين. فللمرة الأولى منذ عقود تسلمت شخصية شيعية قيادة الحكم في البلاد ما اعتبر تغييرا في موازين القوى في بلد عربي محاط بدول عربية ذات غالبية سنية وإيران شيعية.
الموقف الأميركي
الولايات المتحدة انسحبت من العراق رغم الخسائر المادية والبشرية التي قدمتها بعد تسع سنوات من الحرب. وهو ما أثار تساؤلات عن جدوى هذه الحرب. عن ذلك يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة أيرفورت، ديتير هيرتز: "عانى الأميركيون خلال الحرب في العراق من مشاكل عدة، فهناك الحرب في أفغانستان. وصراعات دولية عدة بالإضافة إلى تكاليف قواعدها في كوريا وأوروبا. لم يكن بالإمكان العمل على هذه الجبهات بوقت واحد. لقد كان الأمر يشبه التمدد الإمبراطوري الذي لم تتمكن الولايات المتحدة من السيطرة عليه".
ومباشرة بعد انسحاب قوات الجيش الأميركي تصاعدت حدة التوترات بين القوى الشيعية والأخرى المحسوبة على السنة، ليتعرض العراق لموجة من أعمال العنف، حيث قتل ما يربو على 70 شخصا في سلسلة التفجيرات نفذت بسيارات مفخخة في بغداد يوم 22 كانون أول/ ديسمبر الماضي. وأثارت هذه الهجمات مخاوف من انزلاق البلاد إلى حرب أهلية، خاصة وأن العراق يعانى من أزمة سياسية. ويربط البعض بين هذه التفجيرات وبين مذكرة الاعتقال التي أصدرتها وزارة الداخلية العراقية بحق طارق الهاشمي، النائب السني للرئيس العراقي، والعديد من حراسه الأمنيين. رغم أن تنظيم القاعدة الإرهابي أعلن عن مسؤوليته عن هذه التفجيرات.
ويتهم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الهاشمي بالوقوف وراء هجوم استهدفه في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، غير أن نائب الرئيس العراقي ينفي هذه الاتهامات. وهناك مخاوف من أن تؤدي التوترات المتصاعدة بين الأطراف السياسية إلى انهيار التجربة الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة في العراق، في الوقت الذي ما زالت البلاد تعيد فيه بناء قوات الأمن التي تواجه مسلحين من السنة مرتبطين بالقاعدة، قادرين على تنفيذ هجمات فتاكة شبه يومية.
التفاوض وتقسيم الكعكة
لكن لعبة المفاوضات بين القوى السياسية تؤدي في أغلب الأحيان إلى صفقات ترضي جميع الأطراف. فهناك أحزاب شيعية، يقودها ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي. وهناك القائمة العراقية تحت قيادة العلماني الشيعي إياد علاوي، والتي ينضوي تحت جناحها السنة. وهناك الأكراد، الذين يمثلون حجر التوازن بين القوتين الشيعية والسنية. فالرئيس العراقي جلال الطالباني الكردي، يحاول بجانب رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني الحفاظ على تماسك الحكومة، وتجنب دخول العراق في حرب أهلية. والبعض يرى أن الأكراد ربما يرون ميزة أخرى في استغلال الأزمة كوسيلة للتفاوض مع المالكي في القضايا المتعلقة بهم مثل السيطرة على موارد النفط والأراضي المتنازع عليها بين بغداد وكردستان العراق بدلا من مساندة القائمة "العراقية".
وفي محاولة للتراجع عن شفا الأزمة تعمل الفصائل السياسية المنقسمة في العراق على التوصل إلى حلول على المدى القصير لتهدئة الأزمة التي تهدد بالعودة إلى الصراع الطائفي، لكن ربما تظل الاختلافات الجوهرية بين الأطراف السياسية قائمة. ويعمل زعماء سياسيون من كتل سنية وشيعية وكردية على عقد مؤتمر وطني هذا الشهر للحد من أجواء التوتر التي خيمت على العراق بعد توجيه التهم للهاشمي.
عباس الخشالي
مراجعة: أحمد حسو