إغتيال البراهمي هل يؤدي إلى وأْد الانتقال الديمقراطي في مهد الربيع العربي؟
٢٧ يوليو ٢٠١٣شُيعت في تونس جنازة المعارض التونسي محمد البراهمي، النائب عن محافظة سيدي بوزيد عن حركة الشعب ذات التوجهات القومية، ولم تدفن معها الأسئلة الصعبة حول من يقف وراء حادث الإغتيال ومآلاته على مسار الانتقال الديمقراطي برمته. ففي شوارع تونس يعم غضب شديد إثر عملية الاغتيال السياسي الثانية التي تعيشها البلاد. اغتيال ذات التوجهات القومية، يأـي خمسة أشهر فقط بعد مقتل السياسي اليساري المعارض شكري بلعيد.
وتسود مخاوف في تونس من تداعيات حادث الإغتيال على المشهد السياسي العام وعلى المسار الانتقالي المتعث، بعد عامين من إسقاط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي. وتتعالى الاصوات داخل عديد الاحزاب وفعاليات المجتمع المدني للمطالبة بحل المجلس التأسيسي وإسقاط الحكومة التي تتألف من تحالف بين إسلاميي حزب النهضة وليبراليي حزبي "التكتل الديمقراطي" و"المؤتمر من أجل الجمهورية".
قيادات الجبهة الشعبية، وهي تحالف يضم أحزاب يسارية وقومية عربية وينتمي إليها البراهمي، دعت في بيان لها "إلى الخروج للتظاهر احتجاجا على الجريمة النكراء" و"محاصرة ممثلي الحكم في الولايات والمعتمديات(المحافظات والدوائر المحلية)". كما دعا البيان إلى "الاعتصام أمام مقر المجلس التأسيسي حتى سقوطه وسقوط الحكومة والرئاسات المنبثقة عنه. وتوخي أشكال الاحتجاج والتحرك السلميين والامتناع عن المساس بالممتلكات والأشخاص".
إعادة خلط الأوراق
وفي مؤشر على إعادة خلط الأوراق في المشهد السياسي التونسي، دعا احمد نجيب الشابي رئيس الهيئة السياسية للحزب الجمهورى(يسار، معارضة) في تصريحات صحافية إلى "حل الحكومة وتشكيل حكومة انقاذ وطني إلى جانب حل المجلس الوطني التأسيسي وتكليف لجنة خبراء بإعداد الدستور وعرضه على الاستفتاء" كما اعتبر الشابي أن "التأسيسي توفي وعلى هذه الحكومة أن ترحل" واعتبر أن "الحل في حكومة إنقاذ وطني".
وقال عبد الوهاب الهاني، رئيس حزب المجد في حديث لـ DW "أن الحل للخروج من الازمة التي تعصف بالبلاد يتمثل في انهاء المرحلة الانتقالية في أسرع وقت عبر "وضع خارطة واضحة وانهاء صياغة الدستور في غضون اسبوعين والمرور لإعداد قانون انتخابي وتشكيل حكومة انقاذ وطني أو تعديل حكومي يقع بموجبه اعفاء عديمي الكفاءة من الوزراء".
وفي تصعيد لتحركها في اتجاه اسقاط الحكومة وحل المجلس التأسيسي أعلنت عدد من الاحزاب لعل أهمها الأحزاب المكونة للجبهة الشعبية وحزب نداء تونس وعشرات منظمات المجتمع المدني في بيان صدر الجمعة عن بعث جبهة للإنقاذ الوطني تتولى تشكيل حكومة إنقاذ وطني لا تترشح في الانتخابات القادمة وتشكيل هيئة وطنية عليا للإنقاذ الوطني تتولى استكمال صياغة الدستور.
وحمّلت هذه الاحزاب المكونة "لجبهة للإنقاذ الوطني" أحزاب "الترويكا" الحاكمة وعلى رأسها حركة النهضة "مسؤولية انتشار العنف والتحريض عليه والجريمة السياسية المنظّمة التي طالت لطفي نڨض وشكري بلعيد ومحمد البراهمي". كما أعلنت جبهة الإنقاذ "استعدادها لدعوة الشعب التونسي للعصيان المدني السلمي دون المساس بالخدمات الاجتماعية والصحّة الدنيا وحركة المرور".
رفع سقف الاحتجاجات
وفي شوارع تونس وبمختلف الجهات لم تهدأ حركات الاحتجاج، فقد خرج التونسيون الذين صدمتهم جريمة إغتيال البراهمي، مطالبين بإسقاط الحكومة ويتهمون الاسلاميين بالوقوف وراء الاغتيال، كما أعلنت عديد المجموعات الشبابية تكوين هيئات للعصيان المدني ببعض المناطق. وسارت عديد المسيرات في شوارع كبرى المدن التونسية، واختار العديد من الشباب الاعتصام أمام المجلس التاسيسي للمطالبة بحله.
وفي تصريح لـ DW قال سمير الارناؤوط، الناشط السياسي "أنه نزل إلى الشارع للمطالبة بمناهضة العنف واسقاط الحكومة الفاشلة". وأشار إلى "أن هذه الجريمة هي آخر مسمار دق في نعش المسار الانتقالي". ويرى الارناؤوط "أن الاسلاميين هم المستفيدون من هذه الجريمة وأن رئيس كتلة حركة النهضة دعا في شارع الحبيب بورقيبة إلى استباحة دماء المطالبين بإسقاط الشرعية". ويعتبر الارناؤوط أن الحكام الجدد يسعون إلى التغلغل في عمق مؤسسات الدولة لضمان حظوظهم الانتخابية في المرحلة القادمة.
وبالتوازي مع هذا الحراك الشعبي، تتابع استقالات النواب من المجلس التأسيسي على خلفية جريمة الاغتيال فقد اعلنت أحزاب الجبهة الشعبية ونداء تونس والمبادرة عن سحب نوابهم من المجلس. وتشكل موجة الاستقالات التي من المتوقع أن تتبعها أخرى إلى مزيد ارباك المجلس التأسيسي المنهك أصلا بفعل التجاذب السياسي بين أطراف الحكم والمعارضة وعجزه عن ايجاد التوافقات اللازمة حول المسائل الخلافية في الدستور وانتخاب الهيئة المستقلة للانتخابات رغم التقدم الملموس منذ اسابيع بفعل مسار الحوار الوطني داخل وخارج المجلس.
ويرى الكثيرون أن موجة الاستقالات هي الاخطر على مسار الانتقال الديمقراطي، إذ تفقد الحكم شرعيته القانونية بعد فقدانه للشرعية الشعبية وتساهم في زعزعة السلطة المنتخبة الوحيدة في البلاد.
جريمة تستهدف المسار الانتقالي
ولا يخفي عديد التونسيين أن توقيت الجريمة يهدف إلى تقويض المسار الانتقالي برمته وتتوجه اصابع الاتهام إلى جماعات إسلامية، فقد اتهمت اغلب قيادات الجبهة الشعبية حركة النهضة الاسلامية بالوقوف وراء الجريمة. ووجه مراد العمدوني النائب المستقيل من التأسيس أصابع الاتهام صراحة لحركة النهضة.
وقال عصام الشابي الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري في بيان له أن "الحكومة الحالية بقيادة حركة النهضة تتحمل المسؤولية السياسية كاملة عن إغتيال الشهيد محمد البراهمي". واعتبر حادث الاغتيال "فشل جديد في إدارة الملف الأمني نتيجة تقاعسها( حركة النهضة) في التصدي للعنف السياسي والإرهاب والتراخي في حل ما يسمى رابطات حماية الثورة التي أجمعت كل القوى الوطنية على خطورتها و تهديدها للمسار الانتقالي."
وفي ردها على حملة الاتهامات الموجهة إليها أكدت حركة النهضة أن عملية الاغتيال محاولة جديدة تستهدف أمن البلاد ودفعها نحو العنف والتقاتل وتأتي في "سياق التقدم الذي شهدته العملية السياسية بانتخاب الهيئات التنظيمية (للانتخابات) وإعداد مشروع الدستور والتوافق على اغلب القضايا الخلافية".
ووصف حمادي الجبالي أمين عام حركة النهضة، في تصريحات اعلامية أن عملية الاغتيال "استهدفت اللمسات الاخيرة من المسار الانتقالي مما يدل على أن هناك مؤامرة بأتم معنى الكلمة تريد أن تضع البلاد في وضع خطير ومجهول." يورى قياديون في حزب النهضة أحزاب الترويكا الحاكمة، أن إغتيال البراهمي وكذلك بلعيد، حتى وإن نفذها عناصر سلفيون متشددون فإن هنالك أطراف تريد توظيفها سياسيا لإجهاض عملية الانتقال الديمقراطي التي حققت خطوات متقدمة.
ومن جانبها أشارت رئاسة الجمهورية إلى" أن من أطلق رصاصات الغدر على محمد البراهمي إنما أراد توجيهها نحو كل المسار الديمقراطي ويهدف من وراء ذلك إلى إيقاع البلاد في جحيم الفتنة".
ويتساءل كثير من التونسيين عن مستقبل بلادهم في ظل الازمة الحالية وينقسمون بين مؤيد لإسقاط المؤسسات القائمة وبين من يريد تسريع المسار الانتقالي. وقال الخبير الدولي وأستاذ القانون توفيق بوعشبة في حديث لـ DW "أن تونس تعيش اليوم مأزقا بأتم معنى الكلمة وأحزاب الترويكا الحاكمة لم يعد لها مصداقية منذ مدة".
وتساءل بوعشبة قائلا: "اذا اعتبرنا أن المجلس التأسيسي والحكومة قد فشلا ووجب حلهما فبأي آلية؟ ثم من سيقرر حل المجلس؟ ومن سيقدم على إنهاء عمل الحكومة؟". ويرى بوعشبة أنه في "ظل غياب مؤسسة تسند عملية الانتقال على غرار المؤسسة العسكرية وانقسام المعارضة يصبح من الصعب ايجاد حل للمآزق السياسي الذي تتخبط فيه البلاد."