إشكالية في تغطية إعلام ألمانيا لأزمة أوكرانيا؟
١٧ أبريل ٢٠١٤عند اندلاع الثورة في أوكرانيا، بثت القنوات التلفزيونية الأوروبية والألمانية مئات من الصور لمتظاهرين مسالمين يطالبون بمستقبل أفضل لبلادهم. من تابع تلك الأحداث في بداياتها عبر وسائل الإعلام الألمانية، فإنه سيجد نفسه أمام صورة نمطية جرى فيها الحديث عن متظاهرين موالين للغرب مناهضين للرئيس المعزول فيكتور يانوكوفيتش الموالي لروسيا. وهذا يعني أن الإعلام الألماني صور الأحداث من زاوية الصراع بين "الخير" و"الشر"، وأعطى انطباعا بأن الأمور واضحة. والتعاطف يميل بطبيعة الحال إلى "قوى الخير".
بيد أنه من الخطأ الاعتقاد أن معادلة الصراع في أوكرانيا بهذا الوضوح، كما يقول هانو غونديرت المشرف على موقع جنوب-شمال المختص بالشؤون الأوروبية (www.n-ost.org)، مضيفا أن القوى الأوكرانية المختلفة نفسها لها مصالح متضاربة.
وكون الوضع في غاية التعقيد حقيقة لم تعكسها تقارير المراسلين الميدانيين الأولية، الذين كانوا متواجدين في قلب الأحداث، بحسب الخبير. فلا أحد منهم ترك ميدان الاعتصام، ليغطي ما يجري في باقي أرجاء أوكرانيا، وإنما اجتمع جل الإعلاميين حول الميدان وفي فندق "أوكرانيا" بالقرب من المقر الإعلامي التابع آنذاك للمعارضة، كما يقول هانو غوندريت، مشيرا إلى فترة الاحتجاجات التي أطاحت بياكونوفيتش.
خطاب الحرب الباردة
"العالم كان ينظر إلى مشهد يضم مجتمعاً مدنيا يقف في مواجهة حاكم سيِّئ"، كما يقول سيمون فايس من جامعة هايدلبيرغ الألمانية، في حديث لـــ DW عربية. وفي المراحل الأولى من الأحداث بأوكرانيا، كانت الصورة التي نقلها الإعلام غير محايدة ومفادها "هنا الغرب- وهناك الحاكم الظلامي وروسيا الظلامية- التقدم مقابل الفساد"، بمعنى أن الإعلام نظر مثله مثل الحكومة الألمانية إلى تلك التطورات من جانب أحادي وغير موضوعي، يقول فايس.
النتيجة ذاتها، استخلصها برنامج "تساب" الألماني التلفزيوني، الذي تبثه القناة العمومية لشمال ألمانيا. وذلك بعد دراسة التقارير الإخبارية حول الأزمة بأوكرانيا في نشرتي الأخبار الرئيسيتين في القناة الألمانية الأولى ARD، طيلة شهري يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط الماضيين. وخلص البرنامج إلى أن المتحدث الرئيسي، الذي تمت الاستعانة به للتعقيب على تطور الأحداث، كان الملاكم السابق الذي يتقن الألمانية، فيتالي كليتشكو، مع تقديمه للمشاهد أنه من أبرز رموز المعارضة الموالية للغرب، رغم أن الأخير كان ولا يزال فقط أحد الوجوه الفاعلة في الساحة السياسية من بين كثيرين. فهل هناك انحياز إعلامي إذاً؟ يجيب أستاذ العلوم السياسية فايس أنه الانطباع الذي توّلد بالفعل لدى القراء والمشاهدين داخل ألمانيا.
بعد الإطاحة بيانوكوفيتش، تغيرت الصورة وفجأة بدأ الحديث عن حزب "سوفوبودا (الحرية)"، الحزب القومي الأوكراني المتطرف الذي أضحى طرفا في الحكومة المؤقتة الحالية. وبعد أن تحاشى الإعلام الألماني الحديث عنه عند بداية الأحداث، انزلق اليوم الحزب إلى دائرة الضوء. وهكذا "تحول الخطاب المتعاطف مع معتصمي الميدان، إلى آخر انتقادي"، بحسب سيمون فايس.
التركيز على روسيا في تغطية الأزمة الأوكرانية
على صعيد آخر، وبعد أن استولت موسكو على شبه جزيرة القرم، باتت روسيا إعلاميا محور الصراع في أوكرانيا، في حين اتجهت أصابع الاتهام مباشرة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبات بعض وسائل الإعلام تنعثه "بمشعل الحرائق" و"بعديم الضمير".
الخطاب الإعلامي السائد، يقتبس الآن عباراته من سجل الحرب الباردة، على غرار أن بوتين في مواجهة مع أوروبا وأمريكا. وليس هذا فحسب، وإنما هناك تبادل اتهامات بـ" عدم الحيادية" بين منتقدي روسيا ومتفهميها، كما يقول هانو غونديرت. فضلا عن ترويج البعض الآخر لأخبار، اقتبسوها من آلة موسكو الدعائية دون التحقق منها، مثل: تعهد الناتو بعدم توسيع حدوده باتجاه روسيا.
وأمام تعقيد الأوضاع والمواجهة الأمنية شرق أوكرانيا بين القوات الأوكرانية النظامية وانفصاليين مسلحين موالين لروسيا، يرى غونديرت الخبير في شؤون دول شرق أوروبا أن على التغطية الإعلامية الألمانية عدم نسيان أوكرانيا عند الحديث عن أمن أوروبا، لأن الأزمة تتعلق بأوكرانيا أساسا، وليس فقط بروسيا والرئيس بوتين.