إسرائيل ودول عربية .. تقارب متسارع أو عداء مستمر
٣ يونيو ٢٠٢٢بأغلبية واضحة صوّت 275 نائبا من بين 329 الأسبوع الماضي في البرلمان العراقي لصالح قانون يجرّم أي نوع من العلاقات مع إسرائيل والإسرائيليين. ومن يخالف يعاقب بالسجن مدى الحياة أو حتى الإعدام، والقانون ينفذ بحق العراقيين داخل العراق وخارجه والمؤسسات العراقية وكذلك الأفراد الأجانب والشركات الأجنبية العاملة داخل العراق.
وبحسب تقارير إعلامية فإن كتلة التيار الصدري التابعة للسيد مقتدى الصدر هي التي اقترحت القانون ودفعت للتصديق عليه، وهي الكتلة التي تعتبر الرابحة في الانتخابات التشريعية التي جرت نهاية العام الماضي.
عقوبة التواصل مع إسرائيل
يرى المؤرخ وخبير شؤون الشرق الأوسط بيتر وين في جامعة ماريلاند أن مقتدى الصدر يحاول رفع مكانته من خلال القانون الجديد. وهو عكس الجماعات الشيعية الأخرى، يحاول النأي بنفسه عن الجارة إيران التي تملك نفوذا سياسيا واسعا في العراق. كما يتهمه خصومه من القيادات الشيعية بالذهاب بعيدا جدا تجاه السنة والأكراد في البلاد. وينظر من داخل المؤسسة السياسية القائمة في العراق إلى الأكراد بعين الريبة، ويُشتبه أحيانا في رغبتهم في الدفع إلى المزيد من جهود الاستقلال السياسي بمساعدة إسرائيل. ومن وجهة نظر كثير من العراقيين، يشكل هذا خرقا خطيرا للمحرمات، يشرح بيتر وين بالقول: "لهذا السبب يحاول الصدر استخدام القانون الجديد الذي بادر به لتقديم نفسه كمتحدث حازم للقوى المعادية لإسرائيل".
لكن هذا القانون ليس مفاجئا أيضا، بحسب الباحث في العلوم الإسلامية بجامعة اوزنابروك الألمانية، ميشائيل كيفر. ويوضح بالقول : "هو يتبع الخط الذي انتهج في العراق خصوصا من قبل الأغلبية الشيعية في البرلمان العراقي تجاه إسرائيل". ورغم ذلك فإن العراق ليس البلد الوحيد في المنطقة الذي فيه ميول معادية لإسرائيل ومعادية لليهود أيضا، حسبما يقول كيفر. ورغم التقارب الذي تشهده العلاقات بين دول عربية وإسرائيل، الذي ظهر في عام 2020 ، إلا أن العداء لإسرائيل مازال موجودا في الجزء الأكبر من المنطقة، خاصة وأن أقلية فقط من الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية تقيم علاقات رسمية مع إسرائيل. يقول كيفر: "لم يكن الوضع قاسياً كما كان في التسعينيات". "لكن لا يزال من الممكن صنع السياسة بخطاب مناهض لإسرائيل".
ويمكن ملاحظة ذلك جليا خلال حوادث معينة، مثل مقتل الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة والاضطرابات في الحرم القدسي، حيث تصاعدت وتيرة الصراع في الشرق الأوسط، وركزت الكثير من المواقع ووسائل الإعلام في العالم العربي على الضحايا في الجانب الفلسطيني.
نبرة معادية لإسرائيل من تونس
في تونس أيضا، إذ صرح مسؤول بوزارة الرياضة في وقت سابق من هذا الأسبوع حول اتخاذ إجراءات لمنع اللاعبة الإسرائيلية هاجار كوهين كاليف من المشاركة في بطولة دولية للترياتلون في أوائل حزيران/ يونيو في مدينة الحمامات التونسية. وقالت الوزارة إنها تعمل انطلاقا من الالتزام "بالمبادئ الوطنية" ودعم "الشعب الفلسطيني الشقيق".
يشار إلى أن العلاقات بين تونس وإسرائيل تدهورت بشكل كبير منذ تولي الرئيس قيس سعيد منصبه في خريف عام 2019. وخلال الحملة الانتخابية أدلى سعيد بتصريحات معادية لإسرائيل ووصف "اتفاقية إبراهيم" للتطبيع بين إسرائيل ودول عربية بأنها "خيانة كبرى".
ويأتي قرار استبعاد الرياضية الإسرائيلية في وقت تشهد فيه تونس توترا سياسيا داخليا. ففي صيف العام الماضي أوقف الرئيس قيس سعيد عمل البرلمان ثم حله في شهر آذار/ مارس. نهجه الاستبدادي المستمر دفع إلى ظهور عداء داخلي له. ميشائيل كيفر يرى في ذلك دافعا ويقول إن "الخطاب المعادي لإسرائيل في العالم العربي غالبا مايكون وسيلة دفاعية لتوحيد سكان بلد ما، أو على الأقل محاولة لتوحيد الناس".
الإمارات مستمرة في التطبيع
ومن اللافت للنظر أن العديد من الدول العربية الأخرى بقيت على مسارها التقاربي حتى الآن مع إسرائيل، رغم تجدد العنف في المنطقة والتضامن الواسع النطاق مع الفلسطينيين. ومنذ توقيع ما يسمى باتفاقيات إبراهيم مع إسرائيل في أيلول/ سبتمبر 2020، يظهر هذا بوضوح في سياسة الإمارات العربية المتحدة والبحرين. هذان البلدان يلتقيان في مصالح عليا مشتركة مع إسرائيل: فالدول الثلاث تشترك بالعداء مع إيران وترفض نفوذ طهران القوي في المنطقة خصوصا العسكري منه. وفي الأيام الماضية وقعت الإمارات وإسرائيل اتفاقية تبادل تجاري حر. وبحسب رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بنيت، فإن هذه الاتفاقية هي الأكبر من نوعها مع دولة عربية.
وينطبق الأمر نفسه على المغرب، إلى جانب الإمارات والبحرين والسودان، كرابع دولة عربية تواصلت مع إسرائيل في السنوات الأخيرة بوساطة أمريكية في إطار "اتفاقية إبراهيم". وبالنسبة للمغرب صب اتفاق التقارب مع إسرائيل بصالح الرباط ، لأن واشنطن قبلت بالمقابل موقف المغرب تجاه الوضع القانوني للصحراء الغربية. فبعد تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2020، لحق ذلك في شهر شباط/ فبراير 2021 اتفاق تجاري بين البلدين. كما فتحت قناة "I24NEWS" الإسرائيلية مكتبا لها في المغرب لأول مرة.
إشارات قوية من السعودية
من وراء الكواليس، تتحسن علاقة إسرائيل بالسعودية، القوة السنية الأكبر في المنطقة. ورغم أن العائلة المالكة السعودية مازالت مترددة في توقيع اتفاقية تطبيع رسمية مع إسرائيل، ولكن وفقًا لتقارير نشرت، فقد أجريت بالفعل محادثات عدة بين الطرفين. لكن من الظاهر أن السعودية تريد أن تتجنب الانطباع بأن المملكة، بصفتها حارسة الأماكن المقدسة، ستسحب تضامنها مع الفلسطينيين بالاقتراب من إسرائيل. وعلى أرض الواقع فإن التقارب قد حصل فعلا منذ فترة طويلة، ففي صيف عام 2020، منحت المملكة العربية السعودية الطيران الإسرائيلي الحق في التحليق فوق السعودية في رحلات جوية إلى الإمارات العربية المتحدة.
التقارب السعودي الإسرائيلي له خلفية العداء مع إيران وكذلك المفاوضات حول جزيرتي صنافير وتيران اللتين تريد مصر نقل السيادة عليهما إلى السعودية، الأمر الذي يتطلب موافقة إسرائيلية، بسبب اتفاقية السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل عام 1979.
في وقت سابق من هذا الأسبوع ، أكد وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد أن التطبيع مع السعودية ممكن. إلا أنه حذر من المبالغة في الآمال: إذ أن عملية التقارب هذه طويلة ولا تتقدم إلا بخطوات صغيرة. لكنه قال إن هذا "جيد تماما" أيضا.
كيرستين كنيب/ ع.خ