إسرائيل والعرب عام 2023 ـ ما مصير عملية التطبيع بعد حرب غزة؟
٢٩ ديسمبر ٢٠٢٣في السنوات الأخيرة، بدت القضية الفلسطينية وكأنها دخلت في طي النسيان في بلدان عربية وإسلامية، على الأقل في نظر العديد من القادة هناك. ولم تكن طموحات الفلسطينيين بشأن إنشاء دولتهم في أولوية وذات أهمية كبرى في حسابات العديد من الحكام.
وبعد عقود من الصراع، بدا الأمر كما لو أن التضامن مع الشعب الفلسطيني، قد استنفد نفسه، وأن الأولويات ـ على الأقل بين العديد من الدول الشريكة للغرب في المنطقة ـ قد تحولت تدريجياً، بعيداً عن الفلسطينيين، وبشكل ملحوظ، نحو إسرائيل.
أبرمت دول مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان اتفاقيات تطبيع، أو ما سمي باتفاقيات أبراهام ، مع إسرائيل عام 2020. ووفق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، كان من الممكن أن يكون ذلك إيذاناً ببدء "عصر السلام". وبفضل المزيد من المحادثات المفعمة بالأمل مع السعودية، بدا أن إسرائيل في طريقها لإنهاء الصراعات مع جيرانها.
ولكن بعد ذلك جاء يوم الـ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وشنت حركة حماس هجوما إرهابيا غير مسبوق على الأراضي الإسرائيلية. حماس، المصنفة كمنظمة إرهابية من قبل ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الأخرى، قتلت حوالي 1200 مواطن إسرائيلي واحتجزت أكثر من 250 رهينة واختطفتهم إلى قطاع غزة. وحتى الآن، أطلقت حركة حماس الإرهابية سراح 105 إسرائيليين مختطفين، مقابل إطلاق سراح سجناء فلسطينيين من السجون الإسرائيلية.
و بعد وقت قصير من هجوم حماس، أعلن نتنياهو حالة الحرب وحشد حوالي 300 ألف جندي احتياطي. وبعد ذلك بوقت قصير، بدأت إسرائيل بشن غاراتها الجوية على قطاع غزة، ثم بدأ الهجوم البري في نهاية أكتوبر/تشرين الأول. وتتهم إسرائيل حماس بإقامة بنيتها التحتية العسكرية في المناطق المأهولة بالمدنيين واستخدام سكان قطاع غزة كدروع بشرية، وهو ما تنفيه الحركة.
وبالإضافة إلى إرهابين من حماس، قُتل أيضاً العديد من المدنيين خلال الهجوم البري. وقدرت وزارة الصحة التي تسيطر عليها حماس عدد القتلى في قطاع غزة بأكثر من 15 ألف شخص. ومع ذلك، لا يمكن التحقق من هذه المعلومات بشكل مستقل.
بعد وقت قصير من بدء الحرب، أبدت المزيد من البلدان العربية تضامنها مع مواطني قطاع غزة. وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، على سبيل المثال، أدلى بتصريح واضح للغاية "إن الحرب التي تشنها إسرائيل ضد حماس في قطاع غزة هي "عدوان سافر" على المدنيين الفلسطينيين وتهدد بزعزعة استقرار الشرق الأوسط برمته"، على حد قول الصفدي. وكان وزير الخارجية الأردني قد قال في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني إن إسرائيل ترتكب "جرائم حرب" بوقفها تسليم الغذاء والدواء والوقود للقطاع المحاصر.
عودة الفلسطينيين إلى جدول الأعمال
يبدو أن إرهاب حماس قد حقق شيئاً واحداً وهو إعادة الفلسطينيين ومخاوفهم إلى الأجندة الإقليمية والدولية. وهذا يثير التساؤل عما سيحدث على المدى الطويل عند التعامل مع الصراع في الشرق الأوسط، والذي ظل دون حل لأكثر من 70 عاما. ويؤثر هذا التساؤل بشكل مباشر أيضاً على العديد من الدول العربية. ويقول أندريه بانك، خبير شؤون الشرق الأوسط في المعهد الألماني للدراسات الدولية والإقليمية GIGA في هامبورغ، إن الدول العربية غالباً ما تكون مدفوعة بمخاوفها بشأن الاستقرار، فالأردن ومصر، على سبيل المثال، باعتبارهما جارتين مباشرتين لإسرائيل، أبرمت كل منهما معاهدة سلام مع إسرائيل منذ عقود من الزمن.
والآن تخشى حكومتا البلدين أن يؤدي المزيد من التصعيد في غزة أو الضفة الغربية إلى نزوح أكبر للسكان الفلسطينيين، ويؤدي ذلك إلى اضطرابات في بلديهما. ويوضح أندريه بانك قائلاً: "هذا يعني أن المظاهرات مسموحة في مصر، ولكن ليس في ميدان التحرير في القاهرة، مركز انطلاق ثورة يناير في عام 2011، لأن نظام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، يشعر بالقلق من أن هذه الاحتجاجات يمكن أن تتحول إلى مظاهرات تضامنية بروح الربيع العربي".
وفي الأردن، يُسمح أيضاً بتنظيم احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين في أجزاء من العاصمة عمان، ولكن ليس على الحدود مع الضفة الغربية. ويوضح أندريه بانك: "القلق هو أن الاحتجاجات هناك يمكن أن تخرج عن نطاق السيطرة بسهولة".
موقف دول الخليج العربية
لكن لم تشهد دول الخليج أي مظاهرات احتجاجية تقريباً حتى الآن. ويقول أندريه بنك، "إن هذا الظرف يتناسب مع الوضع الحالي للعديد من دول الخليج على الأقل". وبحسب الخبير في شؤون الشرق الأوسط، كان من الممكن أن تضع الإمارات نفسها بشكل أكبر إلى جانب إسرائيل، على الأقل في البداية. كما انتقدت إمارة قطر الحليفة لحركة حماس، والتي يعيش جزء مهم من قيادات الحركة في العاصمة القطرية الدوحة، إسرائيل علناً في عدة مناسبات. غير أنه في مقابلة مع صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" الألمانية نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني، وصف رئيس الحكومة القطرية، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، علاقة بلاده مع إسرائيل بأنها عملية: "نحن في قطر قلنا مرارا وتكرارا إن المشكلة هو الاحتلال وفلسطين. والسؤال هو أنه لا توجد مشكلة مباشرة أخرى غير هذه بين إسرائيل وقطر". وقال آل ثاني إنه إذا لم يتم اتخاذ أي إجراء لحل هذه القضايا، فستظل المنطقة محاصرة إلى الأبد في دائرة من العنف. وتابع: "وإلا فلماذا تكون لدينا مشكلة مع إسرائيل إذا تم التعامل مع هذه المشكلة بجدية؟".
مصالح متبادلة وعدو مشترك
لا يزال من غير الواضح كيف ستستمر الحرب ومتى وكيف ستنتهي. وهل خطر انتشار رقعتها إلى بلدان أو مناطق أخرى واردا؟ كم من الأرواح ستفقد في النهاية؟ الكثير من هذه التساؤلات تتعلق بالأساس بالعلاقة بين الدول العربية وإسرائيل. ومع ذلك، لا يعتقد الخبراء حتى الآن أن التقارب بين إسرائيل والدول العربية سيظل عالقًا بشكل دائم في طريق مسدود بسبب حرب غزة وعدد القتلى فيها. ويعتقد كثيرون أن الحكام العرب استخدموا حتى الآن "الأسلحة اللفظية" بشكل أساسي من أجل الأخذ في الاعتبار المشاعر المعادية لإسرائيل المنتشرة بين العديد من المواطنين العرب. ويعطي خبير شؤون الشرق الأوسط، يوهانس بيكي، من جامعة الدراسات اليهودية في هايدلبرغ، مثالا على ذلك: "لدي انطباع بأن الخطاب الحاد المتوقع تم التعبير عنه في قمة الدول العربية الإسلامية في الرياض بداية نوفمبر/تشرين الثاني، لكن الأمر لم يتعدى ذلك".
ويعود ذلك بالأساس إلى أن المصالح الاقتصادية والجيوستراتيجية للعديد من الدول العربية مع إسرائيل لم يطرأ عليها تغيير تقريباً على الرغم من إرهاب حماس والحرب في غزة. ويُنظر إلى إسرائيل بشكل عام على أنها شريك محتمل مهم في مجالات مثل الأعمال والتكنولوجيا. كما أن التقارب مع إسرائيل يجلب مزايا في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الأخرى.
وبالإضافة إلى ذلك، تُعتبر إسرائيل أيضاً شريكاً جيوستراتيجيا مهما للبلدان التي ترغب في أن يظل نفوذ إيران في المنطقة محدوداً - مثل العديد من دول الخليج العربية على وجه الخصوص. لكن من ناحية أخرى تهدد إيران إسرائيل بشكل مباشر ولا تعترف بوجودها. ولهذا السبب فإن احتواء إيران يشكل أحد أهم اهتمامات السياسة الأمنية الإسرائيلية.
اعتراض الصواريخ
على سبيل المثال، قامت المملكة العربية السعودية أيضاً بتحسين علاقاتها مع إيران العام الماضي من خلال وساطة الصين، كما يقول يوهانس بيكي. وفي الوقت نفسه، يبدو أن التقارب بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، والذي كان يبدو متسارعا حتى هجوم حماس، قد توقف في الوقت الحالي بسبب الحرب في غزة. ولكن عندما أطلق المتمردون الحوثيون المدعومين من إيران في اليمن صواريخ باتجاه إسرائيل في بداية ديسمبر/كانون الأول لدعم حماس في حربها ضد إسرائيل، اتخذت المملكة العربية السعودية إجراءات واعترضت الصواريخ الموجهة نحو إسرائيل، وفق تقارير عدة.
ويقول بيكي: "حتى وقت قريب، كانت هذه الصواريخ تُطلق على المملكة العربية السعودية نفسها، ويمكن أن تستهدف المملكة مرة أخرى في يوم من الأيام". وأضاف: "وفي هذا الصدد، فإن الحجج الجيوسياسية للتقارب العربي الإسرائيلي لم تتغير نتيجة لهجوم حماس، بل على العكس، ربما قد تعززت".
استئناف التقارب مع إسرائيل
غير أن المظاهرات المتواصلة المؤيدة للفلسطينيين في البلدان العربية والإسلامية تظهر إمكانية التعبئة للحرب الحالية. ولهذا من المرجح أن يكون عدد كبير من الحكومات العربية مهتمة بإنهاء هذه الاحتجاجات في أسرع وقت وبشكل نهائي قدر الإمكان، قبل أن تهدد استقرارها. ولهذا قد لا يكون من الممكن استئناف التقارب مع إسرائيل إلا عندما تصمت الأسلحة ويستفيد الفلسطينيون أيضاً، على سبيل المثال في شكل نسخة جديدة من حل الدولتين. وقد حدد رئيس الوزراء القطري، آل ثاني إطاراً لذلك في مقابلة مع صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" الألمانية، حين قال إنه "لم يعد من الممكن ترك القضية الفلسطينية تحت السجاد لفترة أطول".
أعدته للعربية: إيمان ملوك