إسرائيل أم حماس.. من المستفيد من تمديد الهدنة؟
٢٦ نوفمبر ٢٠٢٣في واشنطن جدد الرئيس الاميركي جو بايدن اليوم الأحد (26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023) أمله في تمديد الهدنة "ما دام الإفراج عن المحتجزين مستمرا"، بعد أن أكد الجمعة وجود "فرص حقيقية" لتمديد هدنة الأيام الأربعة في غزة، قائلًا إن الوقت حان للعمل على "إحياء" حلّ الدولتين لإرساء سلام بين إسرائيل والفلسطينيين. بايدن قال إن العودة الآمنة لفتاة أمريكية (4 أعوام) تظهر أن وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بوساطة الولايات المتحدة ناجح.
ونقلت وكالة بلومبرغ للأنباء عن بايدن قوله للصحفيين اليوم الأحد إن "هذا الاتفاق يحقق نتائج تنقذ الأرواح. يتم ادخال المساعدات التي تشتد الحاجة إليها ويتم إطلاق سراح الرهائن. تمت صياغة هذا الاتفاق بحيث يمكن تمديده للاستمرار في البناء على هذه النتائج.. هذا هو هدفي.. هذا هدفنا: الحفاظ على توقف إطلاق النار هذا إلى ما بعد الغد".
البيت الأبيض قال إن الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحدثا هاتفيا اليوم الأحد واتفقا على "مواصلة العمل لتأمين إطلاق سراح جميع الرهائن". نتنياهو من جانبه قال إنه أبلغ الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن إسرائيل ستستأنف حملتها في غزة بكل قوة بمجرد انتهاء الهدنة المؤقتة. غير أنه أضاف أنه سيرحب بتمديد الهدنة إذا سهلت إطلاق سراح 10 رهائن إضافيين كل يوم، على النحو المتفق عليه بموجب الاتفاق الأصلي الذي توسطت فيه قطر.
وفي باريس أعلنت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا الأحد (26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023) أن بلادها تأمل باستمرار الهدنة في قطاع غزة حتى الإفراج عن "جميع الرهائن"، في وقت أفرجت حركة حماس عن 58 شخصا منذ الجمعة من دون أن يكون أي فرنسي بينهم. وقالت كولونا عبر قناة بي اف ام تي في "نطالب بالإفراج عن جميع رهائننا وعن جميع الرهائن"، مضيفة أن "تمديد الهدنة لهذا الغرض سيكون أمرا جيدا، مفيدا وضروريا"، ومؤكدة أن لديها "أملا كبيرا" بالإفراج عن رهائن فرنسيين.
وتابعت وزيرة الخارجية "هناك قوائم تم إعدادها خلال المفاوضات بوساطة قطر (...) ويعود إلى حماس أن تختار من داخل هذه القوائم". وسبق أن أشارت الخارجية الفرنسية إلى فقدان ثمانية فرنسيين احتجز "قسم" منهم رهائن، من دون معلومات مؤكدة عن مصير الآخرين.
ومن جانب حماس أكد مصدر مقرب منها موافقة الأخيرة على تمديد الهدنة مع اسرائيل "بين يومين وأربعة أيام".
وتواجه إسرائيل ضغوطًا متزايدة لتمديد فترة الهدنة المقررة لأربعة أيام فقط حتى الآن في إطار حربها على حماس، غير أن مسؤولين عسكريين يخشون أن تؤدي هدنة أطول إلى إضعاف الجهود الإسرائيلية للقضاء على الحركة الإسلامية.
وينص الاتفاق الذي تمّ بوساطة قطرية ومشاركة الولايات المتحدة ومصر، على الإفراج عن خمسين رهينة لدى حماس في مقابل إطلاق سراح 150 معتقلاً فلسطينيًا مدى الأيام الأربعة للهدنة القابلة للتمديد.
وتفيد قطر أن الهدنة ستسمح أيضا بدخول كميات أكبر من المساعدات الإنسانية الى قطاع غزة بما يشمل الوقود. وأتاحت الهدنة إدخال مزيد من المساعدات الإنسانية إلى القطاع عبر معبر رفح الحدودي مع مصر.
ويذكرأن حركة حماس، وهي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
ماذا يعني تمديد الهدنة؟
تمديد الهدنة يزيد من عدد الرهائن الذين ستطلق سراحهم حركة حماس، وهناك ضغوط داخلية كبيرة في إسرائيل للقيام بذلك - لكنه يمنح الحركة هامشا أكبر لإعادة جمع صفوفها والتعافي وإعادة التسلّح والعودة إلى القتال، وفق محللين.
ويزيد هذا الاتفاق أيضًا الضغوط الدبلوماسية على إسرائيل من جانب المجتمع الدولي الذي سيتراجع تأييده لمعاودة قصف غزة مع ما ينجم عن ذلك من أزمة انسانية.
ويقول الأستاذ في دراسات الدفاع في جامعة كينغز كوليدج لندن أندرياس كريغ لوكالة فرانس برس "الوقت يعمل ضدّ إسرائيل كما هي الحال دائمًا وضدّ الجيش الإسرائيلي". ويشير إلى أنه كلّما طال أمد الهدنة نفد صبر المجتمع الدولي مع استمرار الحرب. غير أن الجيش الإسرائيلي مصمّم على تحقيق هدفه بـ"القضاء" على حركة حماس.
وفي زيارة للقوات الإسرائيلية في قطاع غزة السبت، شدّد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت على أن الجدول الزمني للهدنة "قصير"، موضحًا "لن تستغرق أسابيع، ستستغرق أيامًا إلى حد ما". وأضاف محاطا بجنود مدجّجين بالأسلحة، "أي مفاوضات أخرى ستجري تحت النيران".
ويقول الباحث في مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وإفريقيا بجامعة تل أبيب أريك رودنيتزكي "الضغط الحقيقي (لتمديد الهدنة) يأتي من داخل إسرائيل، من عائلات الرهائن". مساء السبت، سارت في شوارع تل أبيب تظاهرة حاشدة شارك فيها عشرات الآلاف للمطالبة بالإفراج عن الرهائن، هتف خلالها المحتجون الذين حملوا صور الرهائن، "حرروهم الآن". وكُتِبت على إحدى اللافتات عبارة "أخرجوهم من الجحيم".
ويقول مسؤول عسكري إسرائيلي إن إسرائيل ملتزمة أن يتمّ الإفراج عن أكبر عدد من الرهائن، لكنه أعرب عن قلقه من أنه كلما طالت الهدنة حصلت حماس على وقت أكبر "لإعادة بناء قدراتها ومهاجمة إسرائيل مجددًا". ويضيف في حديث لوكالة فرانس برس طالبًا عدم الكشف عن هويته "إنها معضلة رهيبة".
وكانت قطر الوسيط الرئيسي في مفاوضات وقف القتال. وقال المتحدث باسم وزارة خارجيتها ماجد الأنصاري لوكالة فرانس برس إن هناك حاجة إلى "الحفاظ على الزخم" من أجل وقف دائم لإطلاق النار. وأضاف "لا يمكن تحقيق ذلك إلّا عندما تتوافر الإرادة السياسية ليس فقط من جانب الإسرائيليين والفلسطينيين بل أيضًا من جانب الشركاء الآخرين الذين يعملون معنا".
ويعتبر الأستاذ في دراسات الدفاع في جامعة كينغز كوليدج لندن أندرياس كريغ أن واشنطن غير مستعدة لعملية مكثفة "تستمر أشهرا بلا انقطاع"، خصوصًا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية العام المقبل. ويوضح "لذلك تحتاج إدارة بايدن إلى إيجاد مخرج أيضًا". ويضيف "لا حلّ عسكريا لهذا النزاع، لا يمكن الانتصار فيه".
من جهته، قال المسؤول في حماس طاهر النونو إن الحركة الإسلامية "جاهزة للبحث بشكل جدّي للتوصل إلى صفقات جديدة".
وجاء الإفراج عن الرهائن السبت بعد تأخير لساعات قالت حماس إن سببه عدم التزام إسرائيل ببنود الاتفاق. لكن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دورون سبيلمان نفى ذلك، مشيرا الى أن حماس تعتمد "تكتيك المماطلة" في إطار "الحرب النفسية".
ويقول المسؤول السابق في الاستخبارات الإسرائيلية آفي ميلاميد لوكالة فرانس برس إن حماس "ستماطل مع الرهائن لمحاولة استنفاد هذه الورقة لأطول وقت ممكن وبأعلى ثمن قد يشكّله ذلك لإسرائيل". ويعتبر أن حماس كانت تأمل أن يتبدد الدعم داخل إسرائيل للتوغل في قطاع غزة وأن "تخلق، في نهاية المطاف، الضغوط الدولية والداخلية على الحكومة الإسرائيلية ظروفًا يمكن فيها لحماس أن تستمر في الوجود وأن تحكم غزّة حتى بعد انتهاء هذه الحرب".
وتدلي الباحثة المستقلة في شؤون الشرق الأوسط إيفا كولوريوتيس بالرأي نفسه، موضحة لوكالة فرانس برس "بالنسبة لحماس، أي سيناريو لهذه الحرب لا يؤدي إلى انتهاء وجودها في قطاع غزة سيُعتبر نصرًا (...) بغضّ النظر عن خسائرها البشرية والمادية وحجم الدمار في غزّة وحجم الخسائر في صفوف المدنيين".
ع.خ/ ع.ش/ز.أ.ب (ا ف ب، د ب ا)