إسبانيا: من بلد مصدر للهجرة إلى قبلة للمهاجرين
١٣ ديسمبر ٢٠٠٦ارتبطت ظاهرة الهجرة بالتاريخ الإسباني على مر القرون الخمسة الماضية وبلغت أوجها مع بداية القرن العشرين، حيث هاجر نحو 5.1 مليون إسباني إلى أمريكا الجنوبية. كما أنه مع بداية النهضة الاقتصادية في أوروبا وأمريكا الشمالية هاجر نحو مليوني إسباني إلى دول أوروبية مجاورة ما بين الأعوام 1960 و1975. غير أن إسبانيا سرعان ما لبثت أن تحولت من دولة مصدرة للهجرة إلى قبلة للمهاجرين. فقد ارتفع في العقدين الأخيرين عدد الأجانب المقيمين فيها بشكل ملحوظ، إذ وصل عددهم مع مطلع العام 2005 نحو 3.7 مليون أجنبي، أي 8.46 في المائة من مجموع سكان إسبانيا البالغ عددهم زهاء 44 مليون نسمة.
ويرتبط نمو ظاهرة الهجرة إلى إسبانيا بتطورات اقتصادية وسياسية دولية. فقد ساهمت الطفرة الاقتصادية التي شهدها هذا البلد مع بداية ثمانينيات القرن الماضي في استقطاب العمالة المهاجرة إليها، خاصة من دول شمال إفريقيا وأمريكا اللاتينية. وكان للمهاجرين آنذاك دور مهم في سد الحاجة إلى اليد العاملة في مختلف القطاعات الاقتصادية وعلى رأسها القطاع الزراعي.
إسبانيا قبلة المهاجرين
إن قراءة للمشهد الداخلي الأسباني تظهر أن زيادة عدد المهاجرين الأجانب لم تقابله إجراءات حكومية منظمة للهجرة طوال عدة عقود، لتظل المناطق الأكثر استقبالا للمهاجرين تعاني من غياب الأطر القانونية للمهاجرين وقلة الموارد المالية. أما الأجانب بدورهم فظلوا لمدة طويلة يعانون من أزمة سكن خانقة وقلة المؤسسات التعليمية والأطر التربوية والتهميش وصعوبة الاندماج. لكن إسبانيا اضطرت منذ العام 2000 إلى مراجعة سياستها للهجرة بشكل جذري وتجديد قوانينها بما يسمح بمراقبة تدفق المهاجرين إليها ومحاربة الهجرة غير الشرعية على نحو أفضل. ويعكس تطور قوانين الهجرة وقوانين منح حق إقامة الأجانب في إسبانيا وقوانين أخرى منظمة للسفر ومنح التأشيرات الجهود الحثيثة التي بدأت تبذلها إسبانيا لتدارك أخطاء عقود من سياسة إهمال المهاجرين وسنوات استغلال العمالة الأجنبية الرخيصة. وعلاوة على ذلك بدأت حكومة هذا البلد بإبداء اهتمام كبير بإطلاق برامج خاصة من أجل تعزيز عملية اندماج المهاجرين وتحسين ظروف عيشهم لتجنب توترات اجتماعية مستقبلية وتجنب ظاهرة المجتمعات الموازية.
تسوية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين
يشكل مضيق جبل طارق موقعا استراتيجيا يجسد خطا ديموغرافيا واجتماعيا واقتصاديا فاصلا بين القارة الأوروبية والإفريقية، الأمر الذي جعله مسرحا وقناة للهجرة غير الشرعية التي تعاني منها إسبانيا. فقد تسبب غرق العديد من قوارب الموت وعلى متنها مهاجرون سريون قبالة السواحل الإسبانية في إثارة حفيظة المنظمات الحقوقية والإنسانية التي طالبت بإيجاد حلول لتلك المآسي الإنسانية. وفي ضوء هذه التحركات والتحفظات قامت السلطات الإسبانية باتخاذ مجموعة من التدابير للحد من تلك الظاهرة عبر تشديد الرقابة على طول سواحلها المطلة على البحر الأبيض المتوسط وتجهيز وحدات حرسها المدني بمعدات حديثة للمراقبة ورفع عدد طائرات المراقبة الجوية. ولكنها في الوقت ذاته أطلقت مبادرات إنسانية وقانونية من أجل تسوية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين فوق أراضيها عبر منحهم حق الإقامة والعمل هناك. وتوخى المسؤولون الإسبان من تلك الحملات حماية المهاجرين غير الشرعيين من الاستغلال وضمان حقوقهم المدنية والاجتماعية وتسهيل عملية اندماجهم في المجتمع الإسباني.
تحديات المستقبل
غير أن تلك الإجراءات قوبلت بتحفظ شديد من قبل الدول الأوروبية، إذ إنها تعد في نظرهم تشجيعا للهجرة غير الشرعية ودعما للجريمة المنظمة التي تنشط في تهريب البشر من الدول النامية إلى أوروبا. لكن المعطيات الحالية تشير إلى أن مشكلة الهجرة غير الشرعية ستظل قائمة رغم تلك الجهود نظرا للتطورات الديموغرافية المتسارعة التي تشهدها دول شمال إفريقيا ودول جنوب الصحراء. فزيادة عدد سكان تلك المناطق وقلة فرص العمل فيها سيدفع، في نظر الخبراء، حتما بعدد كبير من شباب تلك الدول إلى طرق باب الهجرة هربا من ضنك العيش.
وأما المفوضية الأوروبية من جانبها فقد دعت إلى معالجة دوافع الهجرة في الدول المصدرة لها من خلال دعم التطور الاجتماعي والاقتصادي في تلك المناطق. كما رأت المفوضية أن دعم الحكم الرشيد في البلدان الإفريقية والحرص على حقوق الإنسان وفض النزاعات داخل القارة السمراء تعد أنجع الوسائل لوقف تيار الهجرة غير الشرعية والحد من قوارب الموت نحو إسبانيا.