إرهاب الثأر والعدمية في عراق ما بعد صدام
تولد لدى العراقيين في الأشهر الثلاثة الماضية انطباع غريب عما وصفته واشنطن بالحل الناجع لمشاكلهم، والمتمثل بالديموقراطية والانتخابات الحرة والحكومة المنتخبة، إذ احتاج رئيس الوزراء إبراهيم الجعفري إلى ثلاثة أشهر لتشكيل حكومته. وليس التباين والصراع على المناصب بين الأحزاب والطوائف والأعراق المختلفة هو فقط ما خيب آمال العراقيين خلالها، بل تصاعد وتيرة العنف بشكل لم يعرفه العراق من قبل.
لا رحمة لأحد
لم يعر العراقيون بالا للتهديد بالقتل أثناء الانتخابات، وتوجهوا بكثافة إلى صناديق الاقتراع آملين أن تقنع هذه الكثافة الإرهابيين بالكف عن إرهابهم، لأنه لا تستطيع أي منظمة سرية، وعلى المدى الطويل، العمل ضد إرادة الشعب؟ فالاستمرار في مواصلة الأعمال الإرهابية ضد إرادة الشعب يعني بطلان الأسس المتعارف عليها للعمل السري. لكن الإرهابيين في بغداد والموصل وأربيل لم يلتزموا بهذه القاعدة، وأرادوا على ما يبدو عرقلة تشكيل الحكومة العراقية قدر المستطاع، وقد نجحوا في ذلك.
الثأر والتعصب الإثني كدوافع للإرهاب
لكن يبدو أن هناك دافعاً آخر لموجة الإرهاب والمتمثل بالثأر، لأن الهجمات تركزت فقط على أفراد الشرطة والأمن وذويهم وعلى الأجانب الذين يتعاونون مع هذه القوات. وطالت الهجمات أفراد الطوائف المتناحرة أيضاً، إذ وجدت جثث لشيعة وسنة وأكراد جرى قتلهم، وهو ما يعطي دليلاً واضحاً على أن الإرهاب في العراق يتحول إلى عنف يشمل جميع الطوائف والاثنيات المتباينة. وعرف العراق مثل هذا العنف سابقاً، لكنه كان بأوامر من فوق، من صدام حسين الذي خاض حروب إبادة ضد الشيعة والأكراد لم يتعافوا منها حتى اليوم. لذلك فإن أتباع هذا النظام المنهار هم على الأغلب من يريدون أن يبقى أعداء الأمس ضحية للخوف وللرعب. أعداء الأمس هؤلاء هم أسياد اليوم. فالرئيس الجديد جلال الدين الطالباني كردي، ورئيس الوزراء إبراهيم الجعفري شيعي، إضافة إلى أن معظم باقي الوزراء من الأكراد والشيعة.
ضرورة مشاركة السنة
شكلت محاولات القوى السياسية الشيعية والكردية إشراك السنة في العملية السياسية السبب الرئيسي الذي أطال مداولات تشكيل الحكومة الجديدة. ولا شك في أن الدافع هنا لم يكن الخوف من السنة، ولكن انطلاقاً من قناعة بأن عراقاً جديداً سينجح فقط، إذا شارك جميع العراقيين في بنائه. وقد لا يتماشى هذا السعي لإشراك السنة في الحكومة مع التقاليد الديموقراطية المتعارف عليها، والتي يقتصر تشكيل الحكومة فيها على الأحزاب الفائزة بالانتخابات. لكن هذه الخطوة الأولى تبقي الطريق الوحيد الممكن الذي يمكن السير فيه حالياً.
تعليق: بيتر فيليب
ترجمة: عبد الرحمن عثمان