إخوان الجزائر يختارون المعارضة ويستعدون للمواجهة مع السلطة
١٧ مايو ٢٠١٣"لست مشروع حرب ضد أي طرف"، بهذه العبارة أراد الدكتور عبد الرزاق مقري أن يبعث برسالة طمأنة إلى السلطة ومؤيديها داخل حركة مجتمع السلم (إخوان الجزائر)، عقب انتخابه في المؤتمر الخامس رئيسا لها، خلفا لـ "أبو جرة سلطاني". وقال مقري في تصريحات إعلامية عقب المؤتمر، بأنه سيعمل مع أبناء حركته للخروج من الوضع الشاذ في علاقة الاحزاب بالسلطة في الجزائر، فلا يمكن لحزب مشارك في الحكومة أن ينتقد النظام، ولا لحزب في المعارضة أن يدعم السلطة على طول الخط، وهو ما أوصل البلاد إلى "الميوعة السياسية" و"التحلل من المسؤولية" حسب توصيفه.
بانتخابهم مقري زعيماً للحركة، اتخذ أبناء حركة الشيخ محفوظ نحناح (مؤسس الحركة) خيار المعارضة الذي انتهجوه عقب الانتخابات التشريعية الماضية، ويؤكد أعضاء "حمس" (اختصار لاسم حركة مجتمع السلم) أن حركتهم حزب معارض في الأساس وأن وجودهم في الحكومة خلال مرحلة تاريخية معينة لم يكن إلا استثناء، أما الآن، وقد انتهت مبرراته بعودة السلم والأمن للبلاد، يجب العودة إلى الأصل "المعارضة" والدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية ومحاربة الفساد الذي استشرى في كل مؤسسات البلاد السياسية والاقتصادية.
لا ربيع عربي في الجزائر
ويستبعد مقري أن يكون نموذج الثورات العربية هو الخيار المطروح للتغيير في الجزائر، فيقول"لا أحد يريد أن تحدث الثورة في الجزائر، لأنها ستدفع البلاد إلى التقسيم، فالتغيير بالعنف لن يجلب إلا الخراب للبلد" ويضيف "نحن نعرف قيمة السلم جيدا لذلك، سنجبر النظام على التغيير الهادئ، وذلك بالضغط عليه بالطرق والوسائل السلمية المتاحة.
ويرى المتابعون لشؤون الحركات الاسلامية في الجزائر، بأن الدكتور مقري لم يكن إلا الخيار الوحيد لأبناء حركة مجتمع السلم في المرحلة القادمة، لأنه الأقدر على قيادتها في ظل الظروف الوطنية والدولية الراهنة، بالإضافة إلى أن خيار المعارضة للسلطة ينسجم مع أفكاره وطروحاته التي ناضل من أجلها منذ مشاركة الحركة في الحكومة، كما أن الرجل أبدى وفاءً للفكرة والتنظيم رغم الهزات الكثيرة التي عرفتها في السنوات الأخيرة، لذلك فهو الأقدر على إعادة بناء البيت من الدخل وعقد التحالفات مع القوى السياسية لمواجهة مشاريع السلطة والموالين لها. فقد عرف مقري بخطه الراديكالي المعارض، حتى زمن مؤسسها الراحل محفوظ نحناح.
التنازلات استنزفت الحركة
ويؤكد الدكتور عبدالوهاب بن خليف، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، "بأن التنازلات السياسية التي استمرت قرابة العقدين، لقيادات "حمس" أثرت على مشروعها الأيديولوجي والسياسي، ولم تجني من مشاركاتها في مختلف الحكومات السابقة إلا التراجع في شعبيتها، وتقلص وعائها الانتخابي، وتنكر السلطة لخدماتها" ويضيف بن خليف لـ DW عربية "كان استمرار دعم قيادات "حمس" لبرنامج رئيس الجمهورية، قد أثار غضب القواعد الحزبية، التي اعتبرت ذلك بمثابة دعما مبطن للفساد السياسي والمالي، الذي انتشرت رائحته في كل مكان، لذلك فالخيار المعارض للسلطة يعيد الانسجام والتوافق بين القاعدة والقيادة، مما يعطيها مصداقية أكبر في الخطاب والممارسة، والذي افتقدته بدخولها الحكومة ومعارضتها للسلطة، خلال سنوات المشاركة، والذي طالما كان محل استنكار الانصار قبل المواطنين".
ويؤكد سمير حميطوش، الاعلامي والمحلل السياسي، في حوار مع DW عربية، بأن الخطاب السياسي المعارض لـ "حمس" وقوتها التنظيمية تمكنها من التعبئة والتجنيد، لقيادة الائتلاف المعارض للسلطة، واستقطاب الكثير من الاسلاميين، ويضيف بأن أمام القيادة الجديدة للحركة رهانات كبيرة، أولها كيفية التعامل مع تيار المشاركة داخل الحركة، خاصة وأن الكثير من كوادر حمس استفادوا من الريع الحكومي، مما قد يدفع هؤلاء للحفاظ على امتيازاتهم بتشكيل حركة تصحيحية أو الالتحاق بالأحزاب المنشقة عن الحركة الأم (جبهة التغيير الوطني، حركة البناء الوطني، التجمع من أجل الجزائر)، إلا أن الدكتور بن خليف يستبعد ذلك على اعتبار أن أغلب المنتسبين للحركة هم أبناء الطبقة الوسطى، المعروفة بحب الاستقرار، كما أن تجارب الحركات التصحيحية للأحزاب ليست بالنموذج المقبول شعبيا.
الوحدة أولا
ويعتقد محمد مسلم الصحفي بجريدة الشروق، أن رياح الربيع العربي اعطت دفعا قويا للجناح المعارض داخل حركة مجتمع السلم، وقد نجح هذا الجناح في فرض خياره بسبب فساد السلطة، الذي نفر الجميع منها، ويرى مسلم في حديثه مع DW عربية بأن "الامتحان الأول للقيادة الجديدة هو إعادة أبناء الحركة المنشقين إلى البيت العتيد، وإنهاء حالة الانقسام التي أضعفت أكبر الأحزاب الإسلامية بالبلاد"، وأكد في هذا الاطار أحد اعضاء لجنة المصالحة بين حركتي التغيير وحمس، أن اتفاقا سيعلن في الأيام القادمة لوحدة الحزبين، وقال لـDW عربية بأن "الخلافات لا تعدو أن تكون شخصية وتم احتواؤها بشكل شبه كلي، وأن عملا سوف يبدأ لعودة المنشقين في حركتي البناء الوطني وتاج".
وإذا تحققت لأبناء حركة مجتمع السلم وحدتهم، فإن ذلك سيجعل من تنظيمهم في طليعة القوى المعارضة لسياسات النظام وتوجهاته، وبرأي المراقبين، فإن النظام الذي رفض شراكة حقيقية مع الاسلاميين وتنكر لهم سيواجه معارضة قوية من قبل حلفائه بالأمس، وتتشكل معالم خريطة سياسية جديدة في الاستحقاقات الانتخابية القادمة.