إثيوبيا.. من وسيط في الأزمة السودانية إلى دولة مأزومة
٢٥ يونيو ٢٠١٩بادياً عليه الحزن ومحني الرأس يرمق رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، نعشي رئيس أركان الجيش، سيري مكونن، وجنرال متقاعد، وقد لف العلم الوطني تابوت كل منهما. ووصل الأمر برئيس الوزراء إلى البكاء علانية، لم يمنعه منصبه ولا البرتوكول من ذلك.
مئات الجنود والضباط بالزي العسكري هنا للمشاركة في مراسم التشييع الرسمي الذي أقيم اليوم الثلاثاء (25 حزيران/يونيو 2019) في قاعة كبيرة بوسط أديس أبابا. طرق مغلقة في العاصمة وإجراءات أمنية مشددة. الإنترنت محجوب على ما يبدو لليوم الثالث على التوالي في أنحاء إثيوبيا، حسب ما نقل مستخدمين.
التشيع الرسمي والإجراءات الآنفة الذكر تأتي بعد هجومين منفصلين، واحد في العاصمة ذهب ضحيته رئيس الأركان على يد حراسه الشخصين، وأخرى في ولاية أمهرة سقط فيها رئيس ولاية أمهرة، أمباتشو مكونن، ومستشاره. وحسب رئيس شرطة أمهرة، أبيري أدامو، قتل زعيم الانقلاب وعقله المدبر، قائد الأمن في الولاية، أسامنيو تسيجي. وقتل أيضاً سبعة آخرون من مدبري الانقلاب، وكذلك ستة أفراد من قوات الأمن وألقي القبض على 178 شخص على صلة بالحادث، بما في ذلك أربعة مسؤولين رفيعي المستوى، والكلام دائماً لرئيس الشرطة.
المحرك داخلي أم خارجي؟
يرى الأستاذ في جامعة باريس خطار أبو دياب أن "الحكم الحالي في إثيوبيا من الأمثلة القليلة في أفريقيا على الحكم الرشيد"، مضيفاً أن رئيس الوزراء حقق نمواً اقتصادياً ويسعى للتهدئة مع الجوار وبناء علاقات إيجابية معه". ويرجع الباحث في العلاقات الدولية في مقابلة مع DW عربية المحاولة الانقلابية إلى عوامل داخلية، ويسميها "قوى الشد العكسي المقاومة لمشروع أبي أحمد الإصلاحي، الذي يمس بالتوازنات القبلية وبتركيبة الدولة العميقة".
ومنذ تولى رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد (46 عاماً) الحكم في نيسان/أبريل 2018 بدأ عدة إصلاحات منها إطلاق سراح سجناء سياسيين وإنهاء صراع دام 20 سنة مع الغريمة التقليدية إريتريا.
بيد أن المختص بشؤون القرن الأفريقي البرفسور الألماني شتيفان برونه يرجع في مقابلة حاصة بـ DW عربية المحاولة الانقلابية إلى عدة عوامل: "داخلية عرقية، وإقليمية، واقتصادية". ويتفق الباحث المشارك في "الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية" في برلين بالرأي مع أبو دياب في أن أبي أحمد "يمثل بداية جديدة للبلد ويقود إصلاحات عميقة، يسعى خصومه انطلاقاً من عوامل تاريخية وشخصية لعرقلتها". وينوه شتيفان برونه إلى خشية العسكر على مكتسباتهم وامتيازاتهم.
يتكون سكان إثيوبيا، الذين يفوق عددهم 100 مليون نسمة، من عشرات الجماعات العرقية التي تتداخل مطالبها في الأرض والموارد والنفوذ. ويهيمن أبناء عرق تيغراي الذين يمثلون أقلية (6 %) على ائتلاف "الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية" الحاكم الذي أمسك بزمام السلطة في 1991.
وينتمي رئيس الوزراء الحالي لعرقية الأورومو، أكبر المجموعات العرقية في البلاد (40 %)، والتي طالما اشتكت من تحكم أقلية تيغراي بمقاليد الحكم في البلاد. ومن هنا جاء شعور بعض أفراد عرق تيغراي وأصحاب مراكز قوى آخرين على المستوى الإقليمي بأن التغييرات التي أجراها أبي أحمد استهدفتهم لاسيما التغييرات التي أجراها في الجيش وأجهزة المخابرات. والجدير ذكره أن العائلة الإمبراطورية السابقة ومن بعدها الديكتاتور الشيوعي منغيستو هيلا مريام ينحدرون من عرقية الأمهرية (25%).
مصير الوساطة "النزيهة" في السودان؟
منذ ذيوع خبر المحاولة الانقلابية توجهت أنظار الإقليم والدول الكبرى إلى إثيوبيا، البلد الذي ينظر إليه على أنه الأكثر عافية بين بلدان القرن الأفريقي. خطار أبو دياب يذهب إلى أن عدم الاستقرار في إثيوبيا سيأتي بمزيد من الويلات لمنطقة القرن الأفريقي غير المستقرة أصلاً ويحرمها من عامل استقرار. ويقول إن "أريتريا من أكثر الدول فقراً وتعاني من حكم استبدادي. الصومال دولة فاشلة. جنوب السودان لم يصبح بعد دولة بكل معنى الكلمة. السودان يعيش مخاضاً مجهول المصير".
الباحث الألماني شتيفان برونه يعلق على تأثير ما يجري في أثيوبيا على الوساطة الإثيوبية في السودان: "من غير الواضح بعد فيما إذا كانت الوساطة التي تقودها أثيوبيا لإحلال السلام قد تستمر أم لا".
غير أن خطار أبو دياب نوّه إلى ظهور أبي أحمد مرتدياً الزي العسكري واستنتج من ذلك أن رئيس الوزراء سيتفرغ أكثر لشؤونه الداخلية وسينكفىء خارجياً، ما سينعكس حرماناً للسودان من وسيط "نزيه" على حد تعبيره. وذكّر هنا بأن مقر الاتحاد الأفريقي يقع في أديس أبابا وبالدور التاريخي الذي لعبته أثيوبيا في صراعات السودان.
وتقود إثيوبيا وساطة في السودان بين "قوى إعلان الحرية والتغيير" المعارضة والمجلس العسكري الانتقالي. ومن هنا جاءت زيارة أبي أحمد في السابع من حزيران/يونيو الجاري للخرطوم كوسيط للاتحاد الأفريقي.
وأمس الاثنين قال نائب رئيس المجلس العسكري، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، إنه لم يتم الاتفاق على نسبة التمثيل في المجلس السيادي، مشيراً إلى أنهم لن يرضوا إلا بمناصفة في المجلسين السيادي والتشريعي. وشدَّد حميدتي على عدم رفض المجلس العسكري للمبادرة الإفريقية، لكنه أعلن تمسكهم بالحلول الداخلية لمشاكل البلاد.
وذكر الشخص القوي في السودان أن مهمة الوسيط الإثيوبي كانت تهيئة الأجواء للتفاوض، وتابع قائلاً "ليس لدي علم بالمبادرة الإثيوبية، واطلعت على تفاصيلها من التلفزيون". وأكد حميدتي رفض المجلس لمقترحات الوساطة الإثيوبية لتقريب شقة الخلاف بينه وبين قوى إعلان الحرية والتغيير، منوهاً إلى أنهم "يرفضون الإملاءات"، وأن رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، حينما اجتمع بهم، لم يوضح أن لديه مقترحات، إنما تحدث عن "مساعٍ لإعادة التفاوض".
تأثير اللاعبين الدوليين "محدود"
دول القرن الأفريقي (الصومال وإثيوبيا وأريتريا وجيبوتي) من بين أفقر دول العالم. وكانت لفترات طويلة وما يزال بعضها ساحة لحروب بينية وداخلية في نفس الدول. كما شهدت في فترة الحرب الباردة تنافساً مستعراً لمد النفوذ بين المعسكرين الغربي-الرأسمالي والشرقي-الشيوعي.
ويرى الأستاذ في جامعة باريس والباحث في العلاقات الدولية، خطار أبو دياب، أن للقرن الأفريقي ومنطقة البحر الأحمر أهمية جيواستراتيجية متداخلة مع الخليج وأزمتها المتفاقمة. ويخشى ويحذر من أن "تحول القوى الكبرى، الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين، البلد لساحة للصراع ومد النفوذ".
أما المختص بشؤون القرن الأفريقي البرفسور شتيفان برونه فيرى أن "اللعبة مفتوحة في أثيوبيا على كل الاحتمالات والتحولات التي قد تستمر أجيالاً، مشدداً على أن تأثير اللاعبين الدوليين (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي) محدود".
وشجب الاتحاد الأوروبي محاولة الانقلاب في بيان جاء فيه أن جرائم الاغتيال "مؤسفة". وجاء في البيان أيضاً أن "الاتحاد الأوروبي يعيد التأكيد بقوة على الحاجة للإصلاحات السلمية والديمقراطية المستمرة في إثيوبيا".
خالد سلامة