ألمانيا ـ مركز لتداول الآثار المنهوبة من الشرق الأوسط
٢٩ أكتوبر ٢٠١٤تعد واحة تدمر التابعة لمحافظة حمص في سوريا من المناطق الأثرية المسجلة في قائمة منظمة اليونيسكو لمواقع التراث الثقافي العالمي. إلا أن هذا المكان السياحي الجذاب يشبه منذ سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عليه سطح القمر، فمقاتلو التنظيم يقومون في كل مكان أثري يصلون إليه بالحفر والتنقيب، مستخدمين أساليب غير محترفة تشمل التفجير واستخدام الجرفات. ويبحثون في الأطلال الأثرية بشكل خاص عن أعمال فنية مثل تماثيل ومجوهرات أنيقة يمكن بيعها بسهولة في أسواق التحف والآثار الدولية.
آثار منهوبة على نطاق واسع
رغم أنه يمكن القول إن الحفريات والآثار المنهوبة ظاهرة قديمة قدم البشرية تقريبا، إلا أن التجارةفي الآثار المنهوبة إزدادت منذ الحروب في العراق والحرب الأهلية في سوريا وظهور داعش في المنطقة، فعن طريق تركيا أو لبنان ينقل سماسرة يوميا أعمالا فنية أثرية منهوبة من مناطق الحرب في الشرق الأوسط إلى ميناء دبي، حيث يمكن شراؤها مباشرة أو يتم نقلها من هناك إلى تجار أوربيين أو أمريكيين. جدير بالذكر أنه هناك تقارير صحفية تقول إن مدينة ميونيخ الألمانية هي أحد مراكز تجارة الآثار.
ولا توجد في كتالوجات التجار في ميونيخ وغيرها من المدن مثل بروكسل ولندن معلومات دقيقة حول المكان الذي تنحدر منه هذه الآثار المعروضة، وإنما تتضمن الكتالوجات معلومات غامضة فقط مثل: "الشرق الأدني". وشراء مثل هذه الأعمال الأثرية لا يعد جناية فقط، وإنما يدعم المشترون بذلك الإرهاب أيضا.
وكما أعلنت وزيرة الدولة للثقافة مونيكا غروترز، فسيحل قانون جديد محل قانون إعادة الممتلكات الثقافية الساري المفعول حاليا. وسيخدم القانون الجديد مكافحة استيراد الآثار المنهوبة بشكل فعال. "من الضروري أن تكون ألمانيا حذرة، كي لا تصبح مركزا للتجارة بها"، كما تقول الوزيرة.
قانون دولي وتفسيره في ألمانيا
كانت منظمة اليونيسكو قد وافقت عام 1970 على ميثاق يتعهد فيه المجتمع الدولي بالحماية المشتركة للثروات الثقافية. ولم توقع ألمانيا على هذا الميثاق إلا عام 2007، أي أنها كانت من بين آخر الدول الموقعة. وكما تقول وزيرة الدولة غروترز، فإن توقيع هذا الميثاق الدولي أدى إلى صدور قانون ألماني بشأن إعادة الثروات الثقافية أدى من ناحيته إلى أحكام قانونية متراخية بشأن استيرادها، فهذه الأحكام تتضمن دعوة تلك الدول التي حصلت فيها حالات نهب الثروات الفنية، إلى إطلاع الحكومة الألمانية على ذلك. وكان من المقرر نشر قائمة على هذا الأساس تشمل جميع هذه الثروات المنهوبة. ولكن، بعد ثماني سنوات من ذلك لا توجد أي قائمة تتضمن ممتلكات أثرية تُصنف على أنها غير شرعية. وعلاوة على ذلك لم تتم أبدا إعادة أي عمل فني إلى دولة مَصدره.
يدعم عالم الآثار ميخائيل مولر كاربه من المتحف الجرماني الروماني المركزي في مدينة ماينز السلطات الجنائية الألمانية في مكافحة التجارة في الممتلكات الثقافية غير الشرعية. وهو يرى ضرورة تدخل السلطات مباشرة بعد ظهور عمل أثري من الشرق الأوسط، فتصدير الآثار محظور في جميع دول ما بعد الإمبراطورية العثمانية منذ عام 1869 والتجارة بها محظورة منذ عام 1906. "وحتى إذا لم تستطع سوريا أو تركيا أو العراق المطالبة بإعادة ثروات أثرية معينة لأنها لا تستطيع تقديم البراهين على أن العثور عليها تم في أراضيها، فإنه من الواضح أن هذه الممتلكات تعود إلى مصادر غير شرعية. ولذلك لا بد من مصادرتها"، كما يقول مولر كاربه.
ويندد مولر كاربه بالموقف المتساهل الذي تتخذه السلطات من قضية التجارة بالثروات الثقافية المنهوبة، واصفا موقفها بأنه موقف "لا يمكن احتماله".
مطالبة بالتغير
تطالب وزيرة الدولة للثقافة مونيكا غروترز بتغير جذري بشأن الأعمال الفنية المنهوبة. وترمي خطط مكتب المستشارية إلى السماح فقط بإستيراد تلك الثروات الثقافية إلى ألمانيا والتجارة فيها حين تتوفر رخصة رسمية من دولة انحدارها تسمح بتصديرها. إلا أن هذا لا يكفي في رأي ميخائيل مولر كاربه. ولذلك يطالب بالإضافة إلى ذلك أيضا بمعاقبة محاولة استيراد الثروات الفنية المنهوبة. ورغم أن هناك قوانين تنسجم مع هذا الموقف، إلا أن هذه القوانين لا تطَبَّق بصرامة، فحتى الآن لا يجب على التاجر أن يثبت أن معروضاته شرعية، وإنما يجب على السلطات المختصة أن تثبت عدم شرعيتها.
مونيكا غروترز مقتنعة بأن قانون إعادة الثروات الثقافية أضر بسمعة جمهورية ألمانيا الاتحادية كثيرا. ومن المقرر أن يصبح القانون الجديد ساري المفعول عام 2016. وتتوقع غروترز أن تمارس رابطة تجار الممتلكات الأثرية حتى ذلك الحين الضغط على السياسيين. ورغم ذلك يأمل ميخائيل مولر كاربه في عدم تكرار ما حصل عام 2007. "سيكون من الجيد، إذا كانت الحكومة ناجحة هذه المرة في الصمود في وجه هذا الضغط"، كما يقول.