ألمانيا: عندما يعجز المرء عن دفع إيجار سكنه في المدينة
١٢ أغسطس ٢٠١٣تصور أن امرأة مسنة تعيش في شقة واسعة في قلب مدينة ميونخ الألمانية منذ عشرين أو ثلاثين عاما وتدفع إيجارا منخفضا نوعا ما مقارنة بمستوى الإيجار في المدن الألمانية. وحينما تريد هذه السيدة الانتقال إلى شقة أصغر مساحة، لأنها لم تعد تحتاج إلى مساحة كبيرة وغرف كثيرة، فإنها لا تجد شقة تستطيع دفع إيجارها. والسبب في ذلك أن مستوى الإيجار ارتفع في السنوات الماضية بشكل كبير لدرجة أنه يتعين عليها دفع إيجار قدره أكبر مما تدفعه في الوقت الحالي لشقة أصغر بكثير من الشقة التي تعيش فيها.
ويعاني كثيرون من هذه الوضعية أو من وضعيات مماثلة في المدن الألمانية المحبوبة على غرار هامبورغ وميونيخ أو فرايبورغ، على ما يقول أولريش روبيرتس، المتحدث باسم اتحاد مؤجري البيوت في ألمانيا، والذي يدافع عن مصالح المؤجرين. ويلاحظ روبيرتس أن هناك عددا متزايدا من الناس الذين ينتقلون للعيش داخل المدن، والذين يعيشون في المدينة لا ينتقلون للعيش خارجها. ويضيف أن هناك مشكلا إضافيا يتمثل في أنه لم يتم بناء عدد كاف من الشقق.
السكن الاجتماعي هو الحل؟
من جهته، يقول ميشائيل فويغتليندر، وهو متخصص في اقتصاد العقارات من المعهد الألماني للاقتصاد، "نلاحظ حاليا تزايد الطلب على الشقق في المدن الكبيرة". ويشير في هذا الصدد إلى مدينة برلين، حيث تم عام 2011 مثلا بناء 6000 وحدة سكنية، فيما ارتفع عدد السكان في الفترة ذاتها بنحو 41 ألف شخص.
ومن يبحث في الوقت الحالي عن شقة داخل المدينة فإنه يواجه صعوبات، ذلك أن المساكن الجيدة باهظة الثمن ومحدودة العدد. وعادة ما يحدد أصحاب الشقق التي يودون تأجيرها أسعار الإيجار. "لدينا قانون يخول للمؤجرين تحديد سعر الإيجار عند توقيع العقد مع الذين يؤجرون من عندهم الشقق أو المنازل. وليس هناك قانون يحدد سقف الأسعار"، على ما يقول أولريش روبيرتس.
ويضيف أن ذلك يؤدي إلى أن المؤجرين عادة ما يدفعون إيجارا أكثر من الإيجار المعمول به في المنطقة بنسبة 20، 30 أو حتى 40 بالمائة. ويرى اتحاد المؤجرين الألمان ضرورة أن تتدخل الدولة لتضع حدا لهذا الارتفاع المشط لأسعار إيجار الشقق والمنازل ودعم السكن الاجتماعي.
ويقول روبيرتس إن "السياسيين كانوا يعتقدون أن سكان ألمانيا في تراجع". ويضيف: "إنه أمر صحيح ولكن الذي يحدد الحاجة إلى السكن ليس عدد السكان وإنما عدد البيوت، أي أولئك الذين يحتاجون سكنا خاصا بهم". لافتا إلى أن الكثيرين يعيشون بمفردهم خاصة في المدن الكبيرة. وللحيلولة دون قلة المساكن يطالب اتحاد المؤجرين بمزيد من الاستثمارات في قطاع السكن الاجتماعي، الذي هو عبارة عن سكن مدعوم من الدولة، كما لا يتجاوز إيجاره سقفا معينا حتى يكون بإمكان ذوي الدخل المحدود إيجاد سكن.
دعوات إلى تبني قانون يحد من ارتفاع الإيجار
من جهته، أعرب ميشال فويغتلاندر من المعهد الألماني للاقتصاد عن تشكيكه في أن بناء شقق اجتماعية من شأنه أن يحل مشكلة السكن، لافتا إلى أن سلبياته أكثر من إيجابياته. "لا يمكن توفير سكن من هذا النوع إلا لأناس من أوساط اجتماعية فقيرة. ولكن الحدود أحيانا واسعة، ذلك أن في مدينة كولونيا على سبيل المثال 50 بالمائة من مؤجري البيوت يصنفون أنفسهم على أنهم من ذوي الدخل المحدود وبالتالي بحاجة لسكن اجتماعي. وبالتالي فإن الأمر ليس محددا". ما يعني أنه ليس فقط الفقراء من يحصلون على الشقق المدعومة من الدولة وإنما أيضا آخرون من الذين بإمكانهم ماديا تأجير شقق باهظة الثمن.
بالإضافة إلى ذلك هناك مشكلة في السكن الاجتماعي تمكن في ظاهرة الانعزال والتقوقع عن بقية ضواحي المدن. وبالتالي فسرعان ما تصبح للأحياء التي يوجد بها السكن الاجتماعي سمعة سيئة، لأن عددا كبيرا من العاطلين عن العمل وذوي الدخل المحدود يعيشون فيها.
وعليه فإن السكن الاجتماعي ليس كافيا لحل أزمة الإيجارات المرتفعة للسكن في المدن المحبوبة على غرار دوسلدورف وهامبورغ. وعليه فإن اتحاد المؤجرين الألماني يطالب بإدراج قانون يحدد سقف الإيجار بهدف الحيلولة دون رفع الإيجار دون قيد أو مبرر.
وقد كانت حكومة ولاية بافاريا الألمانية أول من اتخذ مثل هذه الإجراءات لمدينة ميونخ، الواقعة في هذه الولاية، وعدد من المناطق الأخرى. في غضون ذلك ينصح ميشائيل فويغتلاندر الناس بالانتقال من قلب المدينة والسكن في أطرافها، لافتا إلى أن هناك وجهات مفضلة تتمتع ببنية تحتية جيدة، فلم لا ينتقل الباحثون عن السكن للعيش فيها؟