ألمانيا تسعى الى مكافحة ختان الإناث
١٩ يونيو ٢٠١٢جواهر كومار شابة من أصل صومالي تعرضت، شأنها شأن العديد من الصوماليات، إلى عملية بتر عضوها التناسلي عندما كانت طفلة صغيرة. ولكي توفر عناء هذا التجربة القاسية والمؤلمة على بنات أخريات قامت كومار عام 1996 بتأسيس جمعية "ٍStop Mutilation" (أوقفوا ختان الإناث) التي يوجد مقرها في مدينة دوسلدورف غرب ألمانيا.
كومار لها دراية جيدة بالصعوبات والأخطار التي تواجه هؤلاء الفتيات، فالعديد من الشابات والفتيات المتضررات من عملية الختان لا يستطعن حتى الذهاب إلى الطبيب. لأن ذلك قد يعتبر خرقا للتقاليد المتعارف عليها في البلد الأصلي. وحتى النساء اللواتي يجرأن على الذهاب إلى الطبيب يتعين عليهن، على حد تعبير كومار، دفع مصاريف العلاج من مالهن الخاص:" النساء يقولون إن شركات التأمين الصحي ترفض في كثير من الأحيان تغطية تكاليف عملية جراحية من هذا النوع." نشاط كومار المتواصل وعملها الدؤوب من أجل تحسين وضعية هؤلاء النساء جعلها تتوج سنة 2011 بوسام الاستحقاق الفدرالي.
وفي بعض الحالات تعتبر شركات التأمين الاجتماعي ختان الإناث مجرد عملية تجميل، في حين " أنها عملية مهمة جدا في حياة هؤلاء النساء." كما تؤكد السيدة كومار.
غياب قوانين صريحة وواضحة
هناك أنواع مختلفة من ختان الإناث، التي يتم فيها بتر الأعضاء التناسلية الخارجية بشكل جزئي أو كلي. و في كثير من الأحيان، يتم أيضا إجراء عمليات لتضييق فتحة المهبل عن طريق الخياطة. وتتم العمليات في بعض الأحيان في ظروف مزرية ودون تخدير طبي. كما تستخدم لهذا الغرض أدوات بدائية مثل شفرات الحلاقة المعفنة أو السكاكين غير المعقمة، مما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة مثل الالتهابات والآلام المزمنة بالإضافة إلى أمراض عضوية ونفسية أخرى.
وبغض النظر عن النساء اللواتي تعرضن لهذه العمليات المؤلمة ولازلن يعانين لحد الآن من العواقب، يتواجد في ألمانيا آلاف الفتيات مهددات بنفس المصير. ولكن عدد هؤلاء الفتيات يتعذر إحصاؤه بسبب تقاليد بعض الدول خاصة منها في إفريقيا. فالعديد من الآباء يعبرون من خلال ختان بناتهم على تشبثهم بأعراف وتقاليد بلدهم الأم، ولهذا يقومون بشكل غير قانوني بعملية الختان في ألمانيا أو خلال فترة الإجازة في البلد الأصلي.
ومن أجل حمايةالفتيات خلال فترة الإجازة في البلد الأصلي من التعرض لعملية الختان يتوجب على حد تعبير المحامي ديرك فيستنبيرغ ، سن قوانين صارمة وواضحة. المحامي فيستنبيرغ الذي كان سنة 2009 كمبعوث للشبكة الألمانية من أجل مكافحة ختان الإناث عضوا في فريق عمل خاص لوزارة التنمية والتعاون الاقتصادي الألمانية، ينتقد عدم إجراء تغييرات في المسطرة القانونية والأحكام القضائية في هذا الميدان حيث إن " الأحكام القضائية لازالت كما كانت عليه منذ عقود فالحد الأقصى للعقوبة هو عشر سنوات". وقد تمت إدانة بعض الآباء في السنوات الأخيرة بأحكام تراوحت ما بين ثلاث أو أربع سنوات من السجن. أما اللواتي يقمن بعملية الختان فقد تمت إدانة بعضهن بثماني سنوات من السجن. ويناقش البرلمان الألماني حاليا إمكانية زيادة حجم العقوبات.
فرنسا نموذج يحتدى به
الناشطات في ألمانيا مثل كومار ينظرن بغيرة إلى المكتسبات التي حققتها مؤسسات المجتمع المدني لمكافحة ختان الإناث في فرنسا. فهناك يواجه والأمهات الآباء الذين يرغمون بناتهم على الختان أحكاما بالسجن تتراوح ما بين 10 و30 عاما، أو يتم ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية. وهذا ما تعتبره نانا كامار التي تعمل كخبيرة اجتماعية في فرنسا مكسبا مهما. وتؤكد كامارا المنحدرة من دولة مالي أن هذا النجاح يعود بالأساس إلى تجربة فرنسا الطويلة في هذا الميدان: "لقد استغرق الأمر منا وقتا كبيرا للحصول على ما نحن عليه اليوم في تطبيق هذه العقوبات القانونية" وتأمل كامارا أن تستفيد "بلدان أخرى- مثل ألمانيا أيضا - من التجربة الفرنسية في هذا المجال."
سبل المساعدة كثيرة
ولكن في ألمانيا هناك عوامل أخرى تزيد من تعقيد وضع المتضررات من الختان، حيث لا يسمح مثلا للأطباء في ألمانيا إبلاغ السلطات المعنية بمثل هذه الخروقات لأسباب ترتبط بواجب كتمان البيانات الشخصية الخاصة بالمرضى. ولكن طبيب النساء كريستوف تسيرم الذي يتعامل أيضا مع جمعية " Stop Mutilation" يعتقد أن هنالك إمكانيات كثيرة للحد من هذه الظاهرة أو التخفيف منها على الأقل. تسيرم يعالج بعض النساء المتضررات ويقدم إليهن النصح والإرشاد: " لا يلزم بالضرورة إبلاغ الشرطة، بل يمكن مثلا إبلاغ مصلحة الأطفال والمصالح الصحية، التي تستطيع التأثير على الوالدين قبل فوات الأوان."
أما كامارا فتنظر إلى المستقبل بتفاؤل. فعلى حد تعبيرها هناك تراجع ملحوظ في عدد الضحايا ،ليس فقط في فرنسا بل أيضا في بلدها الأصلي مالي و دول شرق إفريقيا بصفة عامة. أما في ألمانيا فمن شأن القانون الذي تتم مناقشته حاليا بشأن مكافحة ختان الإناث أن يلعب دورا مهما في إنذار الأولياء، لأنه قد يعطي الصلاحية للأخصائيين بإبلاغ الشرطة عند اكتشاف حالات مشبوهة. وفي انتظار تطبيق تلك القوانين ليس للناشطات في جمعية " Stop Mutilation" سوى إمكانية تعزيز حملات التوعية من أجل القضاء على ظاهرة انتشرت في دول منذ مئات السنين.
أمين بنضريف/ أبيبي ليدت
مراجعة: عبد الحي العلمي